من هو أوريليان براديه الذي صعد نجمه مؤخرا في سماء السياسة الفرنسية؟
- كريس بوكمان
- بي بي سي نيوز، فرنسا
قفز أوريليان براديه بشكل مفاجئ إلى دائرة الضوء السياسية بعد أن تمكن بمفرده من إفشال التصويت الذي طرحته الحكومة الفرنسية في البرلمان على خططها المثيرة للجدل بشأن رفع سن التقاعد إلى 64 عاما.
في غضون بضعة أسابيع فقط، أصبح عضو البرلمان براديه واحدا من ألمع النجوم في المشهد السياسي الفرنسي، وقد ساعده في ذلك صغر سنه – فهو يبلغ من العمر 37 عاما فقط، ووسامته، ومهاراته الخطابية. وقد أخبرني بأنه لا يستبعد خوض السباق الرئاسي.
التقيت براديه في سوق المنتجات المحلية الذي يقام كل عامين في قرية بِتاي مسقط رأس السياسي الذي ينتمي إلى تيار يمين الوسط.
تعتبر مديرية “لو” في جنوب غرب فرنسا واحدة من أكثر المناطق ذات الطابع الريفي في البلاد، حيث تبلغ نسبة السكان العاملين في قطاع الزراعة هنا حوالي 15 في المئة.
ورغم البرد والأمطار المتواصلة والأراضي الموحلة، قضى براديه عدة ساعات يصافح الناس ويقبل وجنات النساء ويتذوق المنتجات التي تنمو محليا والتي تعرض للبيع في أكشاك صغيرة. يعامله الناس هنا كما لو أنه نجم من نجوم موسيقى الروك.
في الشهر الماضي، تمكن من تعطيل مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد الذي حاول الرئيس إيمانويل ماكرون تمريره في البرلمان، حيث انشق عن صفوف حزبه، حزب الجمهوريين، الذي دعم مشروع القانون، رافضا تأييده، رغم التنازلات الكبيرة التي قدمتها الحكومة للحزب.
وقد سار الكثير من نواب حزبه على نهجه، وهو ما أدى إلى تجريد حزب النهضة الذي يتزعم الحكومة من الأغلبية البرلمانية التي كان يظن أنه ضمنها لإقرار مشروع القانون.
وعوضا عن ذلك، استخدمت الحكومة صلاحيات دستورية تثير الكثير من الجدل في البلاد لتمرير القانون بدون تصويت برلماني، وهي الخطوة التي أدت إلى أسابيع من المظاهرات التي عادة ما شابتها أحداث عنف.
وتحدى براديه زعامة حزبه مرة أخرى بعد ذلك بفترة قصيرة، حيث صوت ضد الحكومة في اقتراع لحجب الثقة عنها كان من شأنه أن يجبرها على الاستقالة وإلغاء قانون التقاعد الجديد.
وقد نجت الحكومة من ذلك التصويت بفارق تسعة أصوات فقط. وجُرد براديه من منصبه كنائب لزعيم حزبه بسبب تمرده. وقد صرح بأنه لا ينبغي أن يكون حزبه بمثابة العصا التي يتوكأ عليها ماكرون وحزبه، حزب النهضة، الذي لا يتمتع بأغلبية مطلقة في البرلمان.
ويضيف: “أؤمن بالقدر في السياسة..إن فكرة أن أصبح رئيسا في يوم من الأيام لم تكن تراودني منذ الصغر، ولكنني أريد ألا يجد الفرنسيون أنفسهم باستمرار مضطرين للاختيار من بين مرشحين لا يريدونهم”.
وقد حدث الصعود السريع للسياسي المولود في ثمانينيات القرن الماضي بالطريقة التقليدية، حيث كان يدق أبواب الناخبين بابا بابا، ويزور قرية تلو الأخرى في منطقته. في حملته الانتخابية الأولى، كان يتنقل على متن دراجة لأنه لم يكن يقدر على شراء سيارة. أصبح نائبا في البرلمان وهو في الـ 31 من عمره في منطقة تعتبر معقلا للاشتراكية، وأعيد انتخابه بسهولة في البرلمان العام الماضي.
أخبرني براديه بأن حضوره فعاليات مثل سوق القرية هذا شيء ضروري من أجل معرفة كيف يفكر الناس.
يقول: “هذا لا علاقة له بالفولكلور الشعبي، بل إنه مكان أتعلم فيه أشياء عن الحياة اليومية للناس”.
“أن يكون للمرء جذور في السياسية أمر في غاية الأهمية، وما أدى إلى تسميم الحياة السياسية مؤخرا هو الانفصال بين الساسة والناس. هنا، الناس لا يكذبون عليك – بل إنهم يخبرونك بما يفكرون فيه، وهو ليس بالشيء السهل لأنهم أحيانا يصرخون في وجهي”.
غير أن تركيزه يتخطى البعد المحلي. فمنذ عام 2014، أصبح براديه عمدة قرية، ثم عضو مجلس محلي ثم نائبا في البرلمان.
حاليا، لا يتحدث براديه اللغة الإنجليزية، وهو يدرك أن ذلك سيشكل له مشكلة مع صعود مكانته محليا ودوليا. أخبرني بأنه سوف يبدأ في أخذ دورات مكثفة في اللغة الإنجليزية في غضون أسابيع.
وبينما تنقلنا بين أكشاك الطعام والعارضين، كان الموضوع الرئيسي هو أزمة تكاليف المعيشة وتأثيرها على المزارعين. واستقبل الناس طريقة كلامه التي تتسم بالصراحة والمباشرة بشكل جيد.
يقول فيليب لابارت، أحد منتجي عسل النحل: “عندما يتعلق الأمر بإصلاح التقاعد، أعتقد أن [براديه] فعل الصواب وجعل الحكومة تشعر بالهزيمة. على الأقل لديه قناعات يلتزم بها. حتى لو اختلفت معه، ينبغي أن أعرب عن تقديري لهذه الخصلة الحميدة”.
يقول بنوا جوكلار مدير المتحف الزراعي إن النائب البرلماني يضطلع بدور حيوي على المستويين المحلي والوطني. ويضيف: “إنه يشكل أهمية كبيرة لمنطقتنا، فهو يمثل مصالحنا ونحن بحاجة إلى شباب مناضل مثله في الحكومة. إنه يقول الصدق ونحن ندعمه تماما”.
يقول لوران دوبوا، وهو واحد من أبرز المحللين السياسيين المتخصصين في منطقة الجنوب الفرنسي، إن براديه أمامه فرصة سانحة للصعود بشكل أكبر – ولكنها لن تستمر طويلا.
ويتساءل دوبوا: “إنه شيء جديد على المشهد، لكن هل يمكن أن يستمر في تقديم شيء جديد وإثبات أنه يستطيع مواجهة خصومه على المدى الطويل؟”
“ميزته الكبرى هي كونه جديدا [على الساحة السياسة]، لكن أكبر تحد يواجهه هو الاستمرارية – لا سيما وأن ما يعتبر جديدا في السياسة سرعان ما يتحول إلى شيء عفا عليه الزمن”.
يقول براديه إنه يرغب في إحداث ثورة جديدة في تيار اليمين، لكنه غامض فيما يتعلق بالتفاصيل. يقول: “أعتقد أن أحد أكبر أخطاء اليمين الفرنسي هو أن الفرنسيين انفضوا من حوله في الأعوام الأخيرة”.
“فهو لم يعد يمثل العمال، الطبقة الوسطى الفرنسية الكادحة التي تجد صعوبة بالغة في تدبير احتياجاتها الأساسية، و[قانون] إصلاح التقاعد يعاقب هؤلاء الذين يكدون في عملهم. منذ فترة واليمين الفرنسي يخاطب فقط الشريحة البرجوازية الثرية من المجتمع”.
لا يمثل مديرية “لو” غير نائبين فقط في البرلمان. النائبة الأخرى هي أوغيتي تينيا من حزب النهضة، حزب تيار الوسط الحاكم الذي أسسه الرئيس ماكرون. تقول إن خصمها هو ببساطة مجرد شخص انتهازي استغل مسألة قانون إصلاح التقاعد لتسلق السلم السياسي.
تقول تينيا: “إنني أتعامل مع القضايا الحيوية بعمق. أما براديه فيحب أن يتكلم”.
“إنها مشكلة حقيقية لأنه لا يفكر إلا في نفسه، فهو يعطيك انطباعا بأنه مهتم فقط بنفسه وبحياته المهنية”.
لكن براديه ينفي ذلك قائلا: “لأنني لا أنتمي للمؤسسة السياسية ولدي قناعات تختلف عن قناعات أعضائها، اُتهم بأنني شخص انتهازي يريد أن يسرق الأضواء، وهو شيء سخيف عندما تفكر في هذه الانتقادات. لو كنت أرغب في حياة سهلة، لكنت سلكت مسلكا آخر”.
“لا يستطيع اليمين أن يستمر في تظاهره بأن كل شيء على ما يرام ويتجاهل المشكلات – إذا أردنا إعادة البناء، ينبغي أن تكون صدمة كهربائية”.
“أحيانا ما تكون الأضرار الجانبية هي الثمن الذي يتعين علينا تحمله عندما نعيد بناء المنزل”.
كريس بوكمان هو مؤلف كتاب “هل أنت مراسل كبد الإوز؟ يوم آخر شحيح الأخبار في جنوب غرب فرنسا”.