مع ضعف جميع مؤشراته.. ماذا يحتاج الاقتصاد الصيني لكي يتحسن؟
كما سجل الناتج المحلي الإجمالي الصيني نمواً في الربع الثاني بأبطأ وتيرة في ثلاثة فصول ما يعكس ضرورة التحرك الحكومي العاجل لمنع انزلاق الاقتصاد نحو الركود.
ويرى خبراء اقتصاد أن أهم ما يحتاجه الاقتصاد الصيني للوقوف على قدميه وتحقيق انتعاش للعديد من القطاعات هو التشجيع على الاستهلاك من خلال تركيز الحكومة على توجيه السيولة إلى الأفراد والشركات وليس إلى البلديات والبنوك والمؤسسات المالية المتورطة في الديون.
فضلا عن عدم الاعتماد على محركات النمو القديمة مثل الاقتراض المفرط للبناء والاستثمار المتهور وتوسيع نطاق المشروعات.
مؤشرات اقتصادية ضعيفة
- انخفض مؤشر أسعار الاستهلاك في الصين إلى النطاق السلبي الشهر الماضي للمرة الأولى منذ أكثر من سنتين، تحت وطأة استهلاك داخلي متباطئ، حيث تراجع المؤشر الذي يعتبر المقياس الرئيسي للتضخم بنسبة 0.3 بالمئة في يوليو بمعدل سنوي، في حين كان التضخم بنسبة الصفر قبل شهر، بحسب المكتب الوطني للإحصاء.
- أظهرت بيانات الإدارة العامة للجمارك هبوط واردات الصين 12.4 بالمئة على أساس سنوي في يوليو، وانخفضت الصادرات 14.5 بالمئة، حيث سجلت الواردات أكبر انخفاض لها منذ يناير عندما تسببت الإصابات بفيروس كورونا في إغلاق المتاجر والمصانع وهو ما أدى إلى تهاوي الطلب المحلي.
- انخفضت واردات الصين من النفط الخام 18.8 بالمئة على أساس شهري في يوليو، مسجلةً أدنى مستوياتها منذ يناير بعدما خفضت كبرى الدول صادراتها واستمرت المخزونات المحلية في الارتفاع، وبحسب بيانات الجمارك، فإن إجمالي شحنات النفط الخام الواردة إلى الصين (أكبر مستورد للنفط في العالم) بلغ 43.69 مليون طن في يوليو بما يعادل 10.29 ملايين برميل يوميا.
- نما الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 0.8 بالمئة فقط في الفترة من أبريل إلى يونيو 2023، مقارنة بالربع السابق، بنمو بـ 2.2 بالمئة كان قد سجل بالربع الأول من العام الحالي، طبقاً لبيانات صادرة عن المكتب الوطني للإحصاء.
الخروج من الجائحة مخيب للآمال
في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يقول أشرف العايدي رئيس تنفيذي لشركة “Intermarket Strategy”: “كان العالم ينتظر كيفية انفتاح ثاني أكبر اقتصاد في العالم وخروجه من قبضة جائحة كورونا في أواخر ديسمبر 2022 وأوائل يناير من هذا العام، حيث كان الاقتصاد العالمي متعطش لعودة الطلب من العملاق الصيني لزيادة وتيرة الطلب في العالم، لكن اتضح أن هذه العودة كانت فعلاً مخيبة للآمال لأن العملية كانت قصيرة المدى حيث لاحظنا ارتفاع الأسواق الصينية والمؤشرات التكنولوجية وكذلك زيادة الطلب لمدة شهر أو شهرين فقط”.
ويشرح العايدي أن هذه العودة المخيبة للآمال تعود إلى اختلاف استراتيجية الحكومة الصينية عن استراتيجيات الحكومات الأوروبية والأميركية والكندية خلال فترة الإغلاقات، إذ أن هذه الحكومات حفزت الأفراد مالياً وشجعتهم على الإنفاق (أونلاين) أثناء الجائحة، وحتى عند انفتاح الاقتصادات لاحظنا السيولة الكبيرة التي تم ضخها للتشجيع على الاستهلاك.
لكن الحكومة الصينية ركزت أثناء الجائحة على الإنفاق باتجاه إنقاذ الشركات العقارية المتورطة في الديون وليس على الأفراد، وبالتالي خرجت الصين من الجائحة وأصبح المواطن دون وظيفة ودون أي قوة استهلاكية وهذا أدى إلى النتائج الاقتصادية التي نتابعها الآن مثل انكماش الأسعار .
وتعد الصين البلد الوحيد في العالم الذي يعاني منه بينما معظم دول العالم تعاني من التضخم، وفقاً للعايدي.
وأكد أن وقوف الاقتصاد الصيني على قدميه يكمن في تركيز الحكومة الصينية على توجيه المال والقروض والائتمان إلى الأفراد والشركات وليس إلى البلديات والبنوك والمؤسسات المالية المتورطة في الديون، وهو ما يساعد في الحصول انتعاش شامل في العديد من القطاعات، لأنه ببساطة عندما لا يوجد استهلاك لا يوجد اقتصاد.
مشكلات الاقتصاد الصيني
من جهته يقول الخبير الاقتصادي عبد الله الشناوي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “في الوقت الذي يصارع فيه العالم الحد من معدلات التضخم المرتفعة، نجد ان الاقتصاد الصيني يواجه مشكلة الانكماش المتوقع في الأسعار، والذي قد يكشف عن مشكلات اقتصادية خطيرة في المستقبل، وبالرغم من أن انخفاض الأسعار قد يكون بمثابة الحدث الجيد للمستهلكين، إلا أنه قد يكون سيئاً للغاية بالنسبة للاقتصاد لو كان على نطاق واسع وبحجم الاقتصاد الصيني”.
ويشير الشناوي إلى أن الاقتصاد الصيني البالغ 18 تريليون دولار يعاني من انكماش أنشطة التصنيع، وتضاؤل الصادرات، وتراكم الديون المحلية، وقطع الولايات المتحدة إمداداتها من أشباه الموصلات وغيرها من التقنيات التي تدفع النمو الاقتصادي في المستقبل، والمسماة بالمنافسة الاستراتيجية، ما يدفع للتساؤل التالي.. هل سيدخل التنين الاقتصادي الصيني في حقبة نمو اقتصادي أبطأ، مما لا يجعل حال حدوثه من الصين دولة غنية؟
الشناوي بدوره يجيب على هذا التساؤل بقوله: “إن التوقعات تميل الى حدوث تباطؤ في النمو بمعدل 3 بالمئة الأمر الذي سيبدو وكأنه ركود اقتصادي وخاصة عندما تصل بطالة الشباب أعلى من 20% بالمئة. والامر الخطير هو أنه لم يعد الاقتصاديون يرجعون ضعف الاستهلاك الأسري وضعف استثمارات القطاع الخاص إلى تداعيات وباء كورونا، بل يرجعون ذلك إلى مجموعة من العوامل الهيكلية أبرزها:
- تزايد الدين الحكومي
- انفجار فقاعة العقارات بين الاستهلاك والاستثمار
- نقص القوة العاملة وقاعدة المستهلكين وزيادة المتقاعدين
- وأخيرا التوتر بين الصين والولايات المتحدة وكل ذلك يدفع بعدم التفاؤل بنمو الاقتصاد الصيني.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن الانكماش قد يكون مؤشراً على الضعف وانعدام الثقة في الاقتصاد والذي ينتج غالباً عن نقص الطلب على السلع والخدمات ما يترتب عليه آثار سلبية وفقاً لمايلي:
- تخفيض الإنفاق الحالي نظراً لقيام الأفراد بتأجيل مشترياتهم.
- اتجاه أرباح رجال الأعمال نحو الانخفاض ما يدفعهم إلى تخفيض الأجور وبالتالي تخفيض الاستثمار في تحقيق المزيد من الطاقات الإنتاجية.
- يُصعب الانكماش على المقترضين خدمة ديونهم حيث أن ارتفاع قيمة الأموال يجعل مدفوعات القروض الثابتة أكثر تكلفة مقارنة بتكلفة السلع والخدمات.
- تزايد المديونية الحكومية وضعف مستوى الإنتاجية بعدما كانت تتفاخر الصين بمعدلات نمو اقتصادي مكون من رقمين.
سيناريو الخروج الآمن من الأزمة
وفي شرحه لسيناريو خروج الصين الآمن من الأزمة يبيّن الخبير الاقتصادي الشناوي أنه لا بد من لجوء الصين إلى هذه الحلول لكي يستطيع الاقتصاد الوقوف على قدميه:
- تنفيذ حزم التحفيز الاقتصادي الكبير والسريع والمستدام والتي تهدف الى تعزيز الطلب الكلي، وضرورة أن يتجه الإنفاق التحفيزي إلى الأسر، وإن كان سيصطدم بحقيقة انخفاض ثقة المستهلك في الوضع الحالي.
- الابتعاد عن الاعتماد على محركات النمو القديمة مثل الاقتراض المفرط للبناء والاستثمار المتهور وتوسيع نطاق المشروعات.
- يجب ان تكون الحوافز الصينية منتجة وتستكمل بتغييرات تسمح لقطاع الخاص بالخروج من عباءة الدولة.
- تقديم إصلاحات نحو السوق، وحوكمة سيادة القانون وحماية حقوق الملكية الفكرية.
- ضرورة توجيه إشارات قوية لصالح الإصلاح لرفع معنويات المستثمرين.
- لكي يكتسب الانتعاش الاقتصادي زخما في الصين يجب عودة ثقة القطاع الخاص المحلي والأجنبي لأن الشركات الخاصة هي المحرك الرئيسي للاستثمار الجديد والتوظيف.
- ضرورة حل مشكلة ديون الحكومة المحلية عن طريق الإصلاح المركزي والمحلي.