مسلمو الروهينجا: لماذا يضع أفراد هذه الأقلية حياتهم تحت رحمة مهربي البشر؟
- سواميناثان ناتاراجان
- بي بي سي -الخدمة العالمية
كان المكان الذي توجه إليه هذا الشاب من الروهينجا باردا، ومظلما، ومهجورا. إنه على وشك القيام برحلة ستغير حياته إلى الأبد، إن كان محظوظا ووصل حيا إلى وجهته.
فضل أحمد، شاب عازب في الرابعة والعشرين من العمر. وبعد أن عاش في مخيمات اللاجئين الروهينجا في بنغلاديش لأكثر من عقد من الزمن، قرر تركها والبحث عن فرصة أفضل في مكان آخر، يمكن أن يصل إليه مقابل مبلغ مالي يدفعه للمهربين والمتاجرين بالبشر.
يتحرك الشاب بحذر نحو النهر، الذي يفصل مدينة كوكس بازار في بنغلاديش عن ولاية راخين في ميانمار.
ويقول فضل أحمد، وهذا ليس اسمه الحقيقي، لبي بي سي “أعلم أن الكثير من الناس قد لقوا حتفهم في الطريق، لكنني أعرف أيضا العديد ممن تمكنوا من الوصول إلى ماليزيا. لا يمكنني أن أتابع حياتي على هذا النحو”.
وحسب أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن 348 شخصا على الأقل من الروهينجا ماتوا، أو فقدوا في البحر عام 2022، ما يجعل العام الماضي بالنسبة لهذه الأقلية العرقية أحد أكثر الأعوام دموية منذ عام 2014.
ومع ذلك، تقول الأمم المتحدة إن هناك زيادة في عدد الأشخاص، الذين يقومون برحلة بحرية محفوفة بالمخاطر إلى ماليزيا. فما الذي يدفع الروهينجا إلى تجاهل التحذيرات والمخاطر؟
شدة اليأس
لدى أحمد ثلاث شقيقات وشقيقان، جميعهم أصغر منه، ومنذ وفاة والديه، أصبح هو المسؤول عن العائلة، وهو يحاول تحسين آفاق المستقبل بالنسبة لإخوته.
ويقول “الحياة التي نعيشها في بنغلاديش غير آمنة. وليس لدينا أي فرص للعمل”. وهو يأمل بأن حياته ستتغير بالكامل ما أن يصل إلى ماليزيا.
ويعاني المنتمون إلى أقلية الروهينجا المسلمة من اضطهاد طويل وممنهج في بلدهام الأصلي ميانمار، الذي يرفض الاعترف بهم كمواطنين، ما اضطر الآلاف منهم إلى الفرار في موجات جماعية منذ عقود، واللجوء إلى بنغلاديش أو إحدى دول الجوار.
وكان جيش ميانمار قد شن عملية واسعة النطاق ضد أقلية الروهينجا في ولاية راخين عام 2017، وقد وصفتها الأمم المتحدة بأنها “مثال نموذجي على الإبادة الجماعية”. ولجأ ما يقرب من مليون شخص من الروهينجا إلى بنغلاديش.
لكن أحمد وعائلته كانوا يعيشون في مخيمات اللاجئين الروهينجا في بنغلاديش قبل ذلك الوقت.
ويقول “لقد فقدنا الأمل في أن تستقبلنا ميانمار من جديد”.
وتواصل أحمد مع سمسار يعمل مع أحد المهربين، ووعده بإيصاله إلى ماليزيا مقابل حوالي 4400 دولار أمريكي، وقد أعطاه أحمد 950 دولارا كدفعة أولى، وستدفع عائلته باقي المبلغ على مراحل.
وقد جمعت شقيقاته اللواتي يعملن خادمات جزءا من المبلغ، وسيُجمع ما تبقى من بيع المصوغات الذهبية، التي تملكها العائلة.
غرقى ومفقودون
تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن 3500 لاجئ من الروهينغا، حاولوا عبور البحر في رحلة محفوفة بالمخاطر، إن لم تكن مميتة، العام الماضي، مقارنة بـ 700 شخص في عام 2021.
وقد غرق بعض القوارب التي تحمل اللاجئين من دون أن تترك أثرا. وتقول الأمم المتحدة إن قاربا يُعتقد أنه غادر كوكس بازار في 2 ديسمبر/كانون الأول عام 2022 وعلى متنه نحو 180 لاجئا من الروهينجا، غرق في بحر أندامان.
ونظرا إلى أن الروهينجا لا يملكون جنسية، ويقومون بهذه الرحلات عبر شبكات إجرامية من مهربي البشر، فليس أمام أقاربهم سوى وسائل محدودة جدا لتتبعهم إذا أصبحوا في عداد المفقودين.
شريفة خاتون أرملة في الثالثة والثلاثين من عمرها، وتعيش في مخيم للاجئين في بنغلاديش منذ عام 2016. وقد فقد أربعة من أفراد عائلتها في البحر.
وتقول “ذهبت أختي مع أطفالها الثلاثة، وهم بنتان وصبي، إلى ماليزيا” على أمل الالتحاق بزوجها.
كان زوج شقيقتها قد سبقها، وفر من ميانمار إلى ماليزيا عام 2013 في رحلة خطيرة بالقارب.
استقلت شقيقة خاتون وأطفالها الطائرة إلى بنغلاديش عام 2016 هربا من العنف، على أمل أن تتمكن من لم شملها مع زوجها لاحقا في ماليزيا.
تقول خاتون “أعطاها المهربون أملا. ودفعت أختي نحو 2500 دولار، كدفعة أولى، وأعطتني تعليمات بدفع ما تبقى من المبلغ المطلوب بعد أن تصل إلى وجهتها”.
وتضيف “غادرت أختي في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، وبعد حوالي أسبوعين اتصلت بي من بلدة راثيداونغ الواقعة على الساحل في ولاية راخين في ميانمار”.
ومنذ ذلك الحين، لم تسمع خاتون شيئا عن أختها. وتخبرنا قائلة “قلت لأختي ألا تذهب، لكن مهرب البشر أقنعها بالوعود المعسولة”.
تزايد نشاط الاتجار بالبشر
يعيش في مخيم كوتوبالونغ للاجئين في منطقة كوكس بازار، والذي يوصف غالبا بأنه الأكبر في العالم، الكثير من الأشخاص مثل خاتون، فقدوا التواصل مع أحبائهم الذين حاولوا الهجرة بشكل غير شرعي، ولا يعرفون ما الذي حدث لهم.
يقول محمد عزيز، وهو ناشط من الروهينجا يعيش في كوكس بازار، إن “تهريب البشر يتزايد يوما بعد يوم. ولا أعرف كيف يمكن إيقافه”.
ويضيف “في النصف الثاني من شهر يناير / كانون الثاني، ذهبت ثلاثة قوارب على الأقل إلى ماليزيا. ذهب الأول يوم 16 الشهر، والثاني يوم 20، والثالث يوم27 من الشهر نفسه”.
ويقول إن أكثر من 350 شخصا كانوا على متن هذه القوارب، وقد يكون عددهم أكبر من ذلك.
وقالت مصادر أخرى داخل مخيمات الروهينجا لبي بي سي إن قاربا يحمل على متنه 200 شخص غادر من تنكاف في بنغلاديش يوم 17 فبراير/شباط الجاري.
ونظرا إلى أن اللاجئين الروهينجا لا يسمح لهم بالعمل في بنغلاديش، فإن معظمهم يتلقون مساعدات مالية من أقاربهم في الخارج لتمويل تلك الرحلات، كما يقول عزيز.
ويوضح أن “معظم الذين يقومون بالرحلات هم من جيل الشباب، فتيات وشبان، وبعض الأشخاص يأخذون أطفالهم معهم”.
ويستخدم المهربون قوارب صيد عادة في هذه الرحلات، وهي غير صالحة أو معدة أساسا لحمل عدد كبير من الأشخاص لمسافات طويلة. كما يبالغ المهربون أيضا في تصوير حسنات ما ينتظر اللاجئين فور وصولهم إلى وجهتهم.
ويقول عزيز إن السماسرة الذين يعملون مع المهربين “يخبرون اللاجئين أنه بعد وصولهم إلى ماليزيا سيكون بإمكانهم أن يحصلوا على حق اللجوء في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا”، مضيفا أن “كل ذلك محض أكاذيب”.
يائسون يتعلقون بقشة
رغم جدية المخاطر، يرى العديد من الروهينجا أن الإقامة في بنغلاديش، التي تعتبر واحدة من أكثر دول العالم كثافة سكانية، ليست مُرضية، ولا تحمل أي أمل بمستقبل أفضل.
ويقول محمد ميزا نور الرحمن، وهو منسق في إحدى المنظمات غير الحكومية في كوكس بازار، “لا يمكن أبدا لمخيمات اللجوء أن تصبح وطنا. لقد أصبحوا (الروهينجا) يائسين ومستميتين. ولهذا السبب يحاولون القيام بمثل هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر”.
ويوضح “لقد رفعنا أمام القضاء 12 قضية اتجار بالبشر في العام الماضي. كما قمنا باعتقال أشخاص متورطين في ذلك، وصادرنا بعض القوارب التي كانت تستخدم لتهريب البشر”.
وتقول السلطات في كل من بنغلاديش والأمم المتحدة إنهما تتخذان خطوات للتحذير من الهجرة غير الشرعية، ولكن بما أن معظم الرحلات تتم في سرية، فإن الأمم المتحدة تقول إنها تعاني من مصاعب في ممارسة رقابة على تحركات الهجرات غير الشرعية، أو تتبع من يقوم بها.
وتقول ريجينا دو لا بورتيلا، مسؤولة الاتصالات لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كوكس بازار “لا تملك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين القدرة على العثور على أشخاص في البحر. إذا تم إخطارنا بأن هناك قاربا في خطر، فيمكننا تنبيه منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة أو منظمات إنسانية قريبة”.
وقد نجحت الأمم المتحدة سابقا في حشد المساعدة للقوارب المنكوبة في البحر. وتمكن قارب يحمل أكثر من 100 لاجئ من الروهينجا أخيرا من الوصول إلى سريلانكا في ديسمبر/كانون الثاني الماضي بعد أن تاه في البحر، وتقطعت بركابه السبل لنحو شهر.
البحث عن أمل
بالعودة إلى مخيم اللاجئين في بنغلاديش، لا تزال خاتون في حالة من عدم اليقين. ورغم أنها ليست سعيدة أو راضية بظروف معيشتها، إلا أن الأرملة التي لديها ثلاثة أطفال صغار، مصممة على البقاء في مكانها.
كما أنها لا تعلم من الذي يمكن أن يساعدها في العثور على معلومات عن أختها المفقودة.
وتقول خاتون “أشعر بحزن شديد، ليس لدي أي أخبار عنهم. آخر مرة تحدثت فيها معهم كانت في يوم 14 ديسمبر / كانون الأول”.
وتضيف “آمل بأن أرى أختي وأطفالها يوما ما”.
غصة ما قبل الرحلة
بعد ساعة من حديثه معنا، تلقى فضل أحمد مكالمة من المهربين. الآن لن يكون عليه أن يمضي مزيدا من الوقت في الانتظار.
خلع أحمد حذاءه وطوى رداءه. وعندما وصل إلى الواجهة المائية، انتابته غصة مصحوبة بموجة من المشاعر. “قال لي أخواتي وأخوتي ألا أذهب. لكن ليس لدي أي عمل هنا”، كما قال لنا، وقد غلبته الدموع.
ويأمل فضل أحمد في أن يتمكن من الشغل كعامل في ماليزيا، إذ إنه لا يحسن القراءة أو الكتابة.
ويقول “أنا ذاهب إلى ماليزيا لأوفر المال لعائلتي. وسيساعد ذلك إخوتي وأخواتي على متابعة الدراسة.”
وهو مدرك تماما أن هذه الرحلة ستغير حياته، بطريقة أو بأخرى.
يخوض أحمد في الماء تحت جنح الظلام متجها إلى القارب، الذي يأمل بأن ينقله إلى حياة أفضل وأكثر إشراقا.