كيف يمكن لماسة صغيرة أن تنتج طاقة تشبه طاقة الشمس؟
- كاري كينغ
- برلين بي بي سي نيوز
في الساعة 1:03 من صباح يوم الاثنين، 5 ديسمبر/ كانون الأول، وجه العلماء في منشأة الإشعال الوطنية في كاليفورنيا أشعة الليزر 192 إلى أسطوانة تحتوي على كبسولة وقود صغيرة من الماس.
وأدى انفجار ضوء الليزر القوي إلى خلق درجات حرارة وضغط هائل، وأدى إلى حدوث تفاعل اندماجي – يشابه التفاعل الذي يمد الشمس بالطاقة.
وكانت المنشأة، وهي جزء من مؤسسة مختبر لورانس ليفرمور الوطنية، قد أجرت مثل هذه التجربة من قبل، لكن الطاقة التي خرجت من التفاعل هذه المرة كانت أكبر من طاقة الليزر المستخدمة في إطلاقه.
وحاول العلماء على مدى عقود الوصول إلى هذه النتيجة، لكي يتمكنوا يوماً ما من بناء محطات طاقة تستخدم التفاعل الاندماجي لتوليد كهرباء وفيرة وخالية من الكربون.
ولا يزال هذا الهدف بعيد المنال، ولكن، يستمر بذل الجهد لتطوير التكنولوجيا اللازمة لتحقيقه.
وتعد الكبسولة الماسية الصناعية التي في حجم حبة الفلفل من المكونات الرئيسية في التجربة، لأنها تحتوي على الوقود. وتعد خصائص هذه الكبسولة الكروية ضرورية للحصول على تجربة اندماج ناجحة.
ويجب أن تكون الحبة ملساء تماماً وخالية من أي ملوثات – إذ إن أي شذوذ يمكن أن يفسد التفاعل.
هذه الكبسولات المصممة بدقة لم تُصنع في كاليفورنيا. بل هي نتيجة سنوات من العمل في شركة دايموند ماتريال، في فرايبورغ بألمانيا.
ويقول كريستوف وايلد، الذي يعمل جنباً إلى جنب مع إيكهارد وورنر كمدير إداري لشركة دايموند ماتريال: “الطلب على الكبسولات [الكروية] مرتفع جداً”.
ويضيف: “نحن نتعاون بشكل وثيق مع مختبر لورانس ليفرمور ونحاول تقليل العيوب مثل الشوائب أو التجاويف أو الجدران غير المستوية”.
ويصنّع فريق مكون من 25 فرداً في شركة دايموند ماتريال الماس الصناعي من خلال عملية تسمى ترسيب البخار الكيميائي.
ويستغرق الأمر حوالي شهرين لتجهيز دفعة مكونة من 20-40 كبسولة، تصنع عن طريق وضع طبقات بلورات الماس الدقيقة حول قلب كربيد السيليكون وتلميعها بشكل متكرر.
واكتشف الفريق خلال عملية التطوير أن دقة التلميع مهما زادت لم تكن كافية، لأنهم رأوا السطح على المستوى المجهري، لا يزال محفوراً وغير مستوٍ.
ومن خلال العمل مع فرق مختبر لورانس، اكتشفوا في النهاية أن يمكنهم طلاء كبسولة مصقولة بطبقة جديدة من بلورات الماس لتحقيق لمسة نهائية شبيهة بالمرآة وهذا ما يحتاجون.
وعندما تصل كبسولات الماس إلى مختبر لورانس، يزال قلب السيليكون ويستخدم أنبوب زجاجي صغير لملء الكرة المجوفة بالديوتيريوم والتريتيوم، وكلاهما نوعان ثقيلان من الهيدروجين، يغذيان تفاعل الاندماج.
ويوضح مايك فاريل، نائب الرئيس لتقنية الاندماج بالقصور الذاتي في شركة جنرال أتوميكس، وهي أكبر شريك صناعي لشركة مختبر لورانس: “يوجد حول حبيبات الوقود هذه أسطوانة من الذهب واليورانيوم المستنفد”.
الطبقة الثالثة والأخيرة من الكبسولة عبارة عن أسطوانة من الألومنيوم تستخدم لتبريد محتويات الكبسولة قبل التفاعل.
هناك مجال آخر مهم للتكنولوجيا لمنشأة الإشعال الوطنية هو البصريات – وهو أي شيء يدعم نقل الضوء أو اكتشافه أو استخدامه.
نظرًا لأن لدى المنشأة أقوى ليزر في العالم، فإنه يستخدم الكثير من تلك التقنية، ولكن المكونات الضوئية تتلف في كل مرة يشغل فيها الجهاز.
وتعمل المنشأة منذ أوائل السبعينيات بشكل وثيق مع مصنعي بصريات هما زيغو كوربورايشن وصانع الزجاج المتخصص سكوت لضبط وتزويد قطع الغيار، بالإضافة إلى دروع الحطام والانفجار.
وبعد التجربة الناجحة في شهر ديسمبر/كانون الأول، سيكون التحدي التالي للمنشأة وشركائها هو تطوير التكنولوجيا من أجل تكرار التفاعل وتحسينه.
ويأمل مايك فاريل بإنجاز خطوة إلى الأمام تساعد في تعزيز الدعم لمزيد من البحث.
ويقول “غيرت التجربة الرأي العلمي. إذ كان يُعتقد دائماً أن الاشتعال بعيد المنال تقريبا، وربما لا يحدث قبل 40 عاماً من الآن. لكن النتيجة في ديسمبر/كانون الأول كانت مثيرة للاهتمام”.
وبالعودة إلى فرايبورغ، تأمل شركة دايموند ماتريال بأن تكون قادرة على استثمار المزيد من الوقت في البحث.
ويقول وايلد: “يشارك حوالي 20 بالمئة من فريقنا في الأبحاث، كما أن اثنين من المديرين الإداريين هما أيضاً فيزيائيان”.
ويضيف: “البحث على المستوى الذي ننتجه يتطلب الكثير من الموارد ولا يمكننا إهمال الإنتاج. لذلك من المحتمل أن نستمر في تنمية الفريق. فالبحث اليوم، بعد كل شيء، سيقود إلى منتجات الغد”.
وتتدافع الفرق حول العالم لبناء محطة طاقة اندماجية عاملة – باستخدام كل ما يمكن من أساليب، لكن الأمر سيستغرق سنوات عديدة واستثمارات بمليارات الدولارات.
ومن المرجح أن يعطي ما حدث في المنشأة الأمريكية العام الماضي للقطاع دفعة قوية، كما يقول فاريل: “قد يكون من الأسهل الحصول على التمويل الحكومي والتمويل المؤسسي الآن بعد أن ثبت أن الإشعال ممكن”.
وستكون هناك حاجة إلى هذا الاستثمار للتغلب على التحديات الهندسية الكبيرة التي تواجه بناء محطة طاقة عاملة – ليس أقلها إيجاد المواد التي يمكنها تحمل الطاقة العالية المنبعثة من عملية الاندماج.
لكن فاريل أشار إلى مدى السرعة التي يمكن أن يكتسب بها التقدم الزخم بعد تحقيق الاختراق الأولي.
ويقول: “بمجرد عرض المبادئ الأولية كما فعلنا للتو سيتولى المهندسون زمام الأمور لمعرفة كيفية القيام بذلك بشكل متكرر.
ويضيف: “تذكر أن الرحلة الأولى للأخوين رايت حدثت في عام 1903 وكانت أول رحلة أسرع من الصوت في الخمسينيات من القرن الماضي. وفي غضون 40 عاماً أو نحو ذلك، يمكن تحقيق الكثير من التقدم”.