كيف يؤثر “الدولار القوي” على اليوان والين؟
- أدى صعود الدولار بقوة لدفع الين إلى أقل مستوى في 10 أشهر الخميس.
- في اليابان، واصل المتعاملون ترقب التدخل المحتمل مع مواجهة الين، وسط صعوبات جمة في الصعود مقابل الدولار القوي حتى مع تكثيف المسؤولين لتحذيراتهم من مغبة موجة بيع للعملة.
- سجل الين في أحدث التعاملات 147.66 مقابل الدولار.
- وفي الصين، هبط اليوان في التعاملات الداخلية لمستوى منخفض جديد في عشرة أشهر إلى 7.3252 مقابل الدولار.
وفي وقت حدد فيه بنك الشعب الصيني نطاق تداول اليوان أعلى من المتوقع، بينما تحذر طوكيو من انخفاض الين، ذكر تقرير تحت عنوان “الصين واليابان تقاومان قوة الدولار”، نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، الأربعاء، أن المسؤولين في بكين وطوكيو يقاومون قوة “العملة الأميركية”، حيث يهدد ارتفاع الدولار بدفع عملتي البلدين إلى أدنى مستوياتهما تاريخياً.
- حدد بنك الشعب الصيني نطاق تداول اليوان مقابل الدولار عند مستوى مرتفع بشكل غير متوقع يوم الأربعاء، وذلك في أحدث علامة على تزايد الانزعاج بين كبار القادة بشأن انخفاض قيمة العملة.
- فيما أصدر كبير دبلوماسيي العملة في اليابان، تحذيره -الأكثر حدة حتى الآن- بشأن انخفاض الين، في محاولة لمنع بناء زخم البيع.
- انخفض اليوان بنسبة 5.6 بالمئة مقابل الدولار هذا العام، في حين انخفض الين بنسبة 11 بالمئة إلى أكثر من 147 يناً، مع ارتفاع قيمة الدولار بسبب البيانات الاقتصادية الأميركية القوية.
- كبار المسؤولين في كل من طوكيو وبكين يشعرون بالقلق من الانخفاض الجامح في قيمة العملة مقابل الدولار الصاعد.
مخاوف الصين
تركزت حركة بنك الشعب الصيني (PBoC) على نطاق تداول العملة، والذي يتم تحديد نقطة المنتصف له كل صباح من قبل البنك المركزي. يُسمح للعملة بالتداول بنسبة 2 بالمئة فقط في أي اتجاه منها.
وبحسب محللين، فإن “هذه الخطوة تعكس مخاوف القادة الصينيين بشأن احتمال هروب رؤوس الأموال إذا فقدت العملة الكثير من قوتها بسرعة كبيرة”.
وأشار التقرير إلى أن الفجوة بين العائدات على سندات الخزانة الأميركية وسندات الحكومة الصينية المقومة باليوان، اتسعت في الأسابيع الأخيرة، بما يهدد بدفع المزيد من التدفقات إلى الخارج من سوق الديون الداخلية في الصين. وفي الوقت نفسه، كان المستثمرون الأجانب يبيعون الأسهم الصينية.
ونقل التقرير عن كبير استراتيجيي النقد الأجنبي في آسيا في بنك ميزوهو، كين تشيونغ، قوله: “الصين قلقة للغاية بشأن استقرار الصرف الأجنبي في الوقت الحالي، خاصة بعد التدفقات الخارجة من سوق الأسهم في أغسطس”.
باع المستثمرون الأجانب عدداً قياسياً من الأسهم الصينية بقيمة 12 مليار دولار الشهر الماضي، في وقت فشلت فيه أحدث إجراءات التحفيز من بكين في معالجة المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي وأزمة السيولة في قطاع العقارات في البلاد.
وقال تشيونج: “إذا تمكن بنك الشعب الصيني من الحفاظ على استقرار الصرف الأجنبي، فإنه سيحظى بمساحة أكبر لتخفيف السياسة النقدية، وهو أمر مهم للغاية لدعم الاقتصاد الحقيقي في الوقت الحالي”.
قوة الدولار الأميركي
من جانبه، يقول كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss MENA مازن سلهب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “قد تكون قوة الدولار الأميركي معضلةً حقيقية للولايات المتحدة عند الحديث عن التبادل التجاري بينها وبين الصين واليابان، ثاني وثالث أضخم اقتصادين في العالم على التوالي، حيث الدولار مرتفعاً بنسبة 12.3 بالمئة مقابل الين في 2023، كما أنه مرتفع بنسبة 6 بالمئة تقريباً مقابل اليوان الصيني الذي وصل إلى 7.3 يوان مقابل الدولار، في أدنى مستوى منذ نوفمبر 2022”.
ويضيف: “لكن الحقيقة والواقع الاقتصادي قد لا يتفق بالضرورة مع الكلام السياسي أو حتى مع الكلام الإعلامي أحياناً.. فعندما يكون التضخم الصيني ضعيفاً ومنكمشاً بنسبة أقل من 0 بالمئة عندها سيكون ضعف اليوان عاملاً مساعداً في استيراد التضخم، حيث الصادرات الصينية أرخص لكن وارداتها أكثر ثمناً، وهذا سوف ينعكس في مبالغ أعلى سينفقها المستهلك الصيني”.
اليابان
وفي اليابان، صرح نائب وزير المالية للشؤون الدولية، ماساتو كاندا، للصحافيين بشأن الين، يوم الأربعاء، بأنه “إذا استمرت هذه التحركات، فإن الحكومة سوف تستجيب بشكل مناسب دون استبعاد أي خيارات”.
ويذكر أن الفارق في العائد بين اليابان والولايات المتحدة أكبر حتى من نظيره في الصين، وذلك بفضل اعتماد بنك اليابان المستمر على أسعار الفائدة المنخفضة للغاية.
وتشير أحدث تقديرات “جيه بي مورغان” بخصوص الين الياباني، إلى أنه سوف يتراجع إلى مستويات 152 مقابل الدولار خلال العام الجاري، و155 مقابل الدولار في العام المقبل 2024. واستبعدت التقديرات إمكانية قيام بنك اليابان برفع أسعار الفائدة بهدف السيطرة على مستويات التضخم المرتفعة، فيما “من المرجح أن يكون الين واحدًا من أضعف العملات خلال العامين الجاري والمقبل”.
من جانبه، يوضح كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss MENA، أن بنك اليابان يبدو مرتاحاً إلى وضع السياسة النقدية؛ لأن ضعف الين الياباني سوف يجعل من صادرات عمالقة صناعة السيارات اليابانية في هامش أعلى للمنافسة مع الصينية والأوروبية عموماً حيث تشكل الصادرات اليابانية العمود الفقري في الاقتصاد الوطني.
ويتابع: “عموماً هذا جانب واحد من القصة لأن بقية الجوانب أكثر تعقيداً حيث مازالت العوائد على الدولار الأميركي أعلى من بقية العملات الرئيسية، وعليه فإن الإجراء التقليدي هو مزيد من الشراء في عملة تعطي المستثمرين عائداً أعلى وبنسبة مخاطر قليلة؛ لأن الاقتصاد الأميركي أفضل بكثير من اقتصاد منطقة اليورو وبريطانيا وحتى الصين التي وصل عجز ميزانيتها إلى 7.4 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي و6.4 بالمئة في اليابان مقابل 6 بالمئة تقريباً في أميركا”.
إلى أين يتجه اليوان والين؟
وخلال تحليله الذي خص به موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يقدم كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss MENA مازن سلهب، رؤية استشرافية للمآلات المتوقعة لليوان والين، على النحو التالي:
- أولاً: من غير المتوقع أن يؤثر تحكم بنك اليابان بمنحنى عائد السندات الحكومية بأداء الين إلا في حالة التدخل المباشر من قبل بنك اليابان وشراء الين مجدداً، هذا لا يحصل حالياً، إلى الآن على الأقل. آخذين بعين الاعتبار الاختلاف والتباين في منحى الفائدة الأميركية واليابانية.. لن يرتفع الين إلا بتدخل مباشر من البنك المركزي أو إذا ساءت الأرقام الاقتصادية الأميركية.. وهذا لن يحدث بسرعة حسب اعتقادنا.
- ثانياً: إذا بدأت احتياطات النقد الأجنبي لدى بنك الشعب الصيني بالتراجع القوي عندها سيتدخل بنك الشعب الصيني لدعم اليوان الضعيف. تملك الصين حالياً 3.16 تريليون دولار من احتياطات النقد الأجنبي في الشهر الفائت، وهذا بالمناسبة متراجع عما كان عليه في تموز 2023 عند 3.20 تريليون.
- ثالثاً: تراجعت الاستثمارات الصينية في سندات الخزانة الأميركية ووصلت 835 مليار دولار مع نهاية الشهر السادس 2023 علماً أنها كانت عند 1.3 تريليون في 2014 في الوقت الذي حافظت فيه اليابان على مستوى أعلى في هذه الأصول الأميركية عند 1.1 تريليون وهي أكبر حامل للسندات الأميركية في العالم.. يعني ذلك أن الصين قد تستخدم هذه السندات الأميركية كأدوات بديلة للضغط السياسي على الولايات المتحدة، مع اعتقادنا بأن الأميركيين لا يفضلون دولاراً قوياً بنسبة عالية ليس فقط مع الصين/اليوان بل على صعيد عالمي.
- رابعاً: باعتقادنا، وباستخدام مقارنات تاريخية أن دورة رفع الفائدة الأميركية قد وصلت لنهايتها وهذا يعني أن العوائد الأميركية ستستقر أكثر دون ارتفاع قوي، هذا سيعطي مجالاً للتصحيح في الدولار الأمريكي تدريجياً ( ليس بسرعة).
- خامساً: سنرى المزيد من تدخل بنك الشعب الصيني في الأشهر القادمة لدعم الاقتصاد وقد يلزمه تخفيضاً للفائدة (3.45 بالمئة حالياً، مقابل 5.50 بالمئة في أميركا) وإن حدث ذلك سيستمر بيع اليوان ولا نستغرب وصول اليوان إلى 8 مقابل الدولار في حال ساء الوضع (وصلها في يونيو 2006 من قبل) مع أننا لا نتوقع وصول اليوان إلى هذه المستويات لأن حدوث ذلك سيفتح الباب مجدداً على حرب عملات قاسية.
- سادساً: مع قراءتنا لسياسة بنك اليابان وتدخله المباشر، يمكننا توقع تدخلاً شفهياً قريباً كخطوة أولى خاصة إذا وصل الدولار/ين إلى 150 فيما يتداول حالياً عند 147.50) ولكن من المستبعد حدوث ارتفاع قياسي في الين.
- سابعاً: لا بد من التمييز بين قوة العملة الوطنية وقوة الاقتصاد المرتبط بها، كما أن العملة الضعيفة لا تعني بالضرورة اقتصاداً محلياً ضعيفاً بل قد تكون هدفاً للسياسة النقدية الداخلية.
الاقتصاد الصيني
وإلى ذلك، يقول الأستاذ المتفرغ بقسم الاقتصاد في جامعة أوتاوا، ماريو سيكاريتشيا، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه مع خروج الاقتصاد الصيني من بيئة كوفيد-19 هذا العام، أدرك عديد من المراقبين أن الاقتصاد الصيني يدخل في تباطؤ هيكلي طويل الأجل، ربما لا يختلف عن ما حدث لليابان ابتداءً من التسعينيات، مع نمو بطيء بشكل متزايد. . ويصدق هذا بشكل خاص اليوم حيث أصبح الاقتصاد العالمي مجزأ هيكلياً أكثر من أي وقت مضى، حيث تحاول التجارة العالمية في الوقت نفسه التوسع ولكن بنمو أبطأ بكثير مع انحسار الوباء.
ويضيف: يجب مقارنة هذا السيناريو في شرق آسيا مع الاقتصاد الأميركي الذي كان يتوسع بسرعة أكبر مع انخفاض معدلات البطالة إلى مستويات قياسية وارتفاع التضخم بشكل لم نشهده منذ عقود من الزمن. وبينما قام البنك المركزي الصيني بتخفيض أسعار الفائدة، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بزيادة أسعار الفائدة بشكل حاد لمكافحة التضخم. وهذا يجعل الوجهة الأميركية جذابة للغاية لتدفقات رأس المال قصيرة وطويلة الأجل، وبالتالي دفع الدولار الأميركي إلى الارتفاع في مقابل كل من اليوان الصيني والين الياباني.
ويشدد على أن عصر النمو القائم على التصدير في العالم يتباطأ، وقد يقول البعض، إنه يقترب من نهايته، مع وجود اتجاهات نحو المزيد من التراجع عن العولمة حيث يبدو الاقتصاد العالمي مجزأ إلى حد ما. ولا يحتاج المرء إلا أن ينظر بشكل خاص إلى التهديدات المتمثلة في توسيع الصراعات العسكرية في كل من أوروبا، بسبب روسيا وأوكرانيا، وآسيا، بسبب الصين وتايوان.
ويعتقد سيكاريتشيا بأن التدابير التي اتخذتها الصين متناقضة إلى حد ما، لأنها، من ناحية، لا تستطيع أن تتخلى بسهولة عن استراتيجية النمو القائمة على التصدير والتي تم توجيهها إليها هيكلياً والتي خدمت الصينيين جيداً على مدى العقدين الماضيين، ولكن يتعين عليها أن تجد المزيد من المصادر الداخلية لتوسع الطلب في الوقت الحاضر.
ويرى أنه ما لم تتمكن الصين من العودة إلى استراتيجية النمو القوية المولدة داخليا، فسوف تجد نفسها في موقف صعب يسمح لها بدعم اقتصادها الضخم.
ويختتم تصريحاته بقوله: يبدو أن التدابير الحالية المتخذة، وخاصة من خلال تخفيض أسعار الفائدة لتحفيز النمو، غير كافية للتعويض عن مشكلة هيكلية في الأساس، وخاصة بالنسبة للصين. وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بالقرارات السياسية التي ستتخذها السلطات الصينية على المدى القصير، إلا أنه في ظل البيئة الحالية، قد يستمر انخفاض قيمة اليوان خلال الأشهر المقبلة وقد يؤدي أيضًا إلى انخفاض بعض العملات الإقليمية الأخرى. معها.