ما هي أسباب ضعف أكبر اقتصاد في أوروبا؟
يضيء ذلك التعديل المتوقع على جوانب من حجم الضغوطات التي يواجهها أكبر اقتصاد في أوروبا، نتيجة عديد من العوامل المتزامنة، من بينها تبعات الحرب في أوكرانيا، وهي العوامل التي أثرت على أداء قطاعات رئيسية، وعلى رأسها القطاع الصناعي بالبلاد الذي يعد قاطرة اقتصاد برلين.
يأتي ذلك تزامناً مع ما يواجهه الاقتصاد الألماني من ضعف بالصادرات من الصين مع تراجع الطلب، علاوة على المشكلات المرتبطة بالعمالة الماهرة، وحتى أزمة الطاقة التي تلقي بظلال وخيمة على الصناعة الألمانية، جنباً إلى جنب والضغوط التضخمية التي تواجهها البلاد.
وطبقاً للمعلومات التي نشرتها شبكة “بلومبيرغ”، نقلاً عن مصادرها المطلعين على التوقعات المعدلة المرتقب الإعلان عنها، فإن:
- الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا يُتوقع أن يشهد انكماشاً خلال الربع الثالث من العام، مع نمو بشكل طفيفي في الربع الرابع والأخيرة.
- وتبعاً لتلك القديرات، يصبح من المتوقع أن يشهد الاقتصاد انكماشاً بشكل عام في العام الجاري 2023.
- كانت التوقعات الأخيرة (الصادرة في شهر أبريل الماضي) تشير إلى نمو بنسبة 0.4 بالمئة للعام 2023، بينما تتجه الحكومة إلى تعديل تلك التقديرات إلى انكماش في حدود 0.3 بالمئة.
- في 11 أكتوبر المقبل، من من المقرر أن تعلن الحكومة الألمانية عن البيانات الجديدة المحدثة.
- قد تتغير الأرقام النهائية (المعدلة) ارتباطاً بالتطورات التي قد تحدث في الأسابيع القليلة المقبلة.
توقعات الانكماش
تتسق تلك التقديرات (المرتبطة بتسجيل انكماش خلال العام الجاري) مع بيانات صندوق النقد الدولي، الذي سبق وأن توقع حدوث ركود في ألمانيا، وانكماش الناتج المحلي الإجمالي 0.3 بالمئة في 2023.
وبحسب الصندوق فإن “أداء ألمانيا ضعيف بشكل استثنائي في حالة المقارنة مع الدول الصناعية الأخرى”. وتبعاً ذلك، فإن برلين “ستكون الدولة الكبيرة الوحيدة ذات اقتصاد منكمش وسط تزايد القلق حيال القطاع الصناعي”.
كما تتوقع المعاهد الاقتصادية الألمانية الرئيسية تراجعاً بين 0.2 بالمئة و0.4 بالمئة في إجمالي الناتج المحلي في ألمانيا. بينما تشير تقديرات المفوضية الأوروبية إلى انكماش بنسبة 0.4 بالمئة خلال 2023 بالنسبة لاقتصاد ألمانيا.
الضغوط التضخمية
من برلين، يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور ناجح العبيدي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن “المعاهد الاقتصادية الألمانية خفضت توقعاتها لنمو الاقتصاد الألماني، ورجحت تسجيل انكماش في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة تصل إلى 0.4 بالمئة، ويأتي هذا في ظل بقاء معدل التضخم عند مستوياته العالية، ذلك أنه رغم التراجع في مؤشر الغلاء إلا أنه لا يزال مرتفعاً بنسبة تزيد عن 6 بالمئة وبفارق كبير عن المعدل المستهدف 2 بالمئة، الأمر الذي يؤثر على معنويات المستهلكين، وبما أسهم في تراجع الطلب المحلي”.
- انخفض التضخم الألماني بشكل طفيف في أغسطس، لكنه ظل عند مستوى أعلى بثلاث مرات من المعدل المستهدف للبنك المركزي الأوروبي.
- ارتفعت أسعار المستهلك الألماني، المنسقة للمقارنة مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، بنسبة 6.4 بالمئة على أساس سنوي في أغسطس.
- انخفض معدل التضخم السنوي في أكبر اقتصاد في أوروبا إلى 6.1 بالمئة في أغسطس، منخفضاً من 6.2 بالمئة في يوليو، وفقاً للبيانات الأولية الصادرة عن مكتب الإحصاءات الفيدرالي، “ديستاتيس”.
- وبلغ معدل التضخم الأساسي في ألمانيا، والذي يستثني البنود المتقلبة مثل الغذاء والطاقة، 5.5 بالمئة في أغسطس، دون تغيير عن يوليو.
ويشير العبيدي، إلى أن رفع سعر الفائدة أدى إلى تصاعد كلفة الاقتراض، وبما أثر سلباً على الاستثمار (وذلك ضمن العوامل التي أسهمت في أزمة الاقتصاد الألماني حالياً)، ومن جهة أخرى، تعاني الصادرات الألمانية من الركود، لا سيما في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني.
وبعكس التوقعات، رفع البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة في اجتماعه، الخميس، بواقع 25 نقطة أساس إلى مستوى 4.5 بالمئة، في زيادة هي العاشرة منذ العام الماضي.
طبقاً لبيانات مكتب الإحصاء الاتحادي في ألمانيا، فقد تراجعت صادرات البلاد بأقل من المتوقع في يوليو على أساس شهري وسط استمرار تباطؤ الطلب العالمي.
وانخفضت الصادرات في يوليو 0.9 بالمئة على أساس شهري. وكان الخبراء توقعوا في استطلاع أجرته رويترز تراجعا بواقع 1.5 بالمئة على أساس شهري.
وأظهرت بيانات المكتب أن الواردات ارتفعت 1.4 بالمئة على أساس شهري.
سياسات مرتبكة
ويلفت العبيدي في الوقت نفسه إلى أن “أداء الاقتصاد الألماني تراجع أيضاً نتيجة الارتباك في السياسة الاقتصادية للحكومة في برلين والخلافات في الائتلاف الحاكم والذي فشل في إيجاد حل لمشكلة ارتفاع أسعار الطاقة والكهرباء. وتوجت هذه الخلافات بتعطيل برنامج حكومي لتحفيز النمو وتشجيع الاستثمارات”.
ويشدد على أن “هناك انتقادات شديدة اللهجة من قبل الخبراء الاقتصاديين للحكومة الألمانية، وسخط شعبي إزاء الأداء الحكومي”.
ويتوقع الخبير الاقتصادي، أن يؤدي هذا الضغط إلى تعديل السياسات الاقتصادية ويدفع الحكومة إلى تبني برنامج تحفيزي ومنح قطاع الأعمال تسهيلات ضريبية ستسهم في عودة رابع اكبر اقتصاد في العالم إلى دائرة النمو في العام المقبل.
- بحسب بيانات مكتب الإحصاءات الاتحادي، فإن الناتج الصناعي لألمانيا انخفض بنسبة 0.8 بالمئة في يوليو، مقارنة بالشهر السابق. وكشفت البيانات أنه على أساس فصلي، وهو أقل تقلبا من الشهري، انخفض الناتج الصناعي 1.9 بالمئة بين مايو ويوليو عن الربع السابق.
- انخفض مؤشر إتش.سي.أو.بي النهائي لمديري المشتريات في قطاع الصناعات التحويلية للشهر السادس على التوالي في يوليو.
- انكمش الناتج الصناعي (الصناعات التحويلية باستثناء الطاقة والبناء) 1.8 بالمئة في يوليو مقارنة بيونيو، بينما تراجع إنتاج السلع الرأسمالية 2.9 بالمئة وانخفض إنتاج السلع الاستهلاكية واحدا بالمئة.
وبحسب بلومبيرغ، فإنه على الرغم من التكهنات حول انمكاش الاقتصاد الألماني هذا العام،إلا أنه من المتوقع انتعاشه وتفوقه من جديد على معظم الدول الأوروبية الأخرى خلال العام المقبل. وذلك في الوقت الذي تشير فيه تقديرات صندوق النقد الدولي إلى توسع الاقتصاد الألماني بنسبة 1.3 بالمئة في 2024، فيما تتوقع المفوضية نموه بحوالي 1.1 بالمئة.