أخبار العالم

ما أبعاد زيارة وزيرة الخزانة الأميركية للصين؟



ومن المقرر أن يتخلل الزيارة البحث في إدارة “مسؤولة” للعلاقات بين القوتين المتنافستين، ومجموعة القضايا الاقتصادية بين البلدين.

توالي اللقاءات الأميركية الصينية على ذلك النحو، بمثابة خطوة اعتبرها محللون ضمن مساعي “التهدئة التكتيكية بين البلدين” ومحاولات وضع معايير للمنافسة بينهما.

وخلال زيارتها إلى الصين، تبحث يلين – والتي تعد ثاني مسؤول أميركي، على مستوى مجلس الوزراء يسافر إلى الصين في غضون شهر- مع أعضاء من الحكومة الصينية – أهمية أن “يدير البلدان علاقاتهما بطريقة مسؤولة، بوصفهما الاقتصادين الرائدين في العالم”، بحسب ما أعلنته وزارة الخزانة الأميركية.

تقليص التوتر

وبحسب الخبير المتخصص في العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، فإن توالي الزيارات بين مسؤولي البلدين خاصة زيارة أنتوني بلينكن الأخيرة ووزيرة الخزانة الأميركية إلى الصين “يعكس رغبتهما في عدم تحويل التنافس بينهما إلى صراع”، مستبعداً في الوقت نفسه تحسن رؤية كل طرف تجاه الآخر على وقع تلك اللقاءات، وهو ما يستدل عليه بالإشارة إلى أنه “فيما كان بلينكن عائداً إلى واشنطن عقب زيارته بكين، كان الرئيس الأميركي جو بايدن في تصريحات له يصف الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنه ديكتاتور!”.

وخلال الفترة الماضية بدا أن العلاقات بين بكين وواشنطن تتجه نحو التحسن التكتيكي، وهو ما عكسته الزيارات واللقاءات المتبادلة بين أطراف مختلفة بالبلدين، من بين أبرز تلك الزيارات:

  • زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى الصين، الشهر الماضي.
  • لقاء مسؤولين في الخارجية الأميركية، ومجلس الأمن القومي، مع نظرائهما في بكين، الشهر الماضي.
  • محادثات أجراها مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، لمدة يومين في فيينا مع كبير مسؤولي السياسة الخارجية في الصين.
  • رحلة غلب عليها الطابع السري، قام بها مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، بيل بيرنز، إلى الصين، في مايو الماضي.
  • محادثات أجريت بين وزير التجارة الصيني وانغ ون تاو والممثلة التجارية الأميركية كاثرين تاي، على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ديترويت في مايو الماضي.

ويشير خبير العلاقات الدولية، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن وجود وزيرة الخزانة الأميركية بالصين يشكل دليلاً على قدرة البلدين على التواصل، وأن الهدف من الزيارة إزالة أي قناعة خاطئة لدى الطرف الآخر، وأن البلدين يمكن أن يعملا في المساحات المشتركة.

ويصف الزيارة بأنها “زيارة البحث عن مساحة مشتركة وتقليل التوتر وتبريد الصراع الذي لم يتوقف، إضافة إلى وضع إطار عام ومعايير واضحة ومعروفة بين الطرفين للمنافسة، بما فيها المنافسة التكنولوجية”.

سندات الخزانة الأميركية

ويُتوقع أن يتم التباحث حول “سندات الخزانة الأميركية” بهدف إقناع بكين بالتوقف عن تقليص حيازاتها من تلك السندات، وبما يسهم في مساعدة الولايات المتحدة على معالجة قضية التضخم.

ويلفت سمير إلى أن تقليص الصين لحيازتها من سندات الخزانة الأميركية قد يؤدي لمشكلة بالنسبة لتوافر الأموال رغم رفع سقف الديون، إضافة إلى أن حسم الصين إرجاء بيع السندات أو الديون الصينية المستحقة على أميركا حتى لا يكون هناك ضغط على الميزانية الأميركية وعلى الدولار.

وبحسب بيانات وزارة الخزانة الأميركية، فإن “استثمارات الصين، التي تأتي في المرتبة الثانية ضمن قائمة كبار المستثمرين في سندات وأذون الخزانة الأميركية، بلغت في يناير الماضي نحو 859.4 مليار دولار، وذلك مقارنة بـ 1299.9 مليار دولار في يناير من عام 2022”.

ويذكر خبير العلاقات الدولية، أن الولايات المتحدة من خلال تلك الزيارة ترغب في أن تبعث برسالة بأنها لا تريد أن تضر الاقتصاد الصيني أو تحبط نموه من خلال الاتفاقيات التي عقدتها واشنطن حول الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات مع كوريا الجنوبية واليابان أو حتى فيتنام والفلبين، لتقول للصين إنها تهتم بالنمو الصيني الذي يمثل جزءاً رئيسياً في معادلة الاقتصاد العالمي.

وكان أنتوني بلينكن، قد عبر عن ذلك الأمر خلال زيارته إلى الصين الشهر الماضي، ضمن مجموعة الرسائل التي أطلقها هناك.

ويشير سمير إلى أن الولايات المتحدة حريصة أن تبقي الصين خلفها في الاقتصاد، فأوقفت بيع بعض التكنولوجيا المتقدمة لها في الفترة الماضية، وفي الشهرين الماضيين اتخذ الكونغرس الأميركي أكثر من قرار أدى في نهاية المطاف إلى حجب أو منع وصول التكنولوجيا فائقة التقدم إلى الجانب الصيني، بينما وزيرة الخزانة الأميركية تريد أن توضح للجانب الصيني أن هذه الخطوة ليس الهدف منها الإضرار بالصين.

ويرى خبير العلاقات الدولية، أن الحرب التجارية بين البلدين لن تتوقف وبالأخص في قطاعات معينة مثل أشباه الموصلات والملكية الفكرية وقضايا التجسس على التجارة والشركات العظمى والشركات الصناعية بين البلدين، مشدداً على ضرورة تنظيم هذه الحرب والمنافسة وألا تنزلق لأبعاد أخرى تضر بالاقتصاد الصيني والأميركي والعالمي.

وفي وقتٍ يتصاعد فيه خطاب “فك الارتباط بين البلدين” داخل الأوساط الأميركية، يلفت سمير في الوقت نفسه إلى أن الولايات المتحدة تستهدف ضبط الميزان التجاري بينها وبين الصين.

تهدئة الأوضاع ومنع تدهور العلاقات

فيما يوضح الخبير في الشؤون الصينية، نائب رئيس الطبعة العربية لمجلة الصين اليوم، حسين إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن زيارة وزيرة الخزانة الأميركية إلى الصين تأتي في إطار محاولة الجانبين لتهدئة الأوضاع والسيطرة على حجم الخلافات بينهما في ظل التوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين، والتي كان آخرها إعلان وزارة الدفاع الصينية، الأربعاء، أن تايوان تتحول إلى مخزن بارود بسبب إمدادات الأسلحة الأميركية لها.

ويضيف: “بالإضافة إلى الخلافات في المصالح الاستراتيجية بين البلدين، فإن هناك تنافساً وصراعاً في منطقة بحر الصين الجنوبي، وهي إحدى أهم البؤر الساخنة في إقليم جنوب شرقي آسيا، لكونها منطقة صراع حول بسط النفوذ بين القوتين.. إضافة إلى الصراع في مجال التكنولوجيا والتجارة، فضلاً عن مواقف متباينة للبلدين في عديد من القضايا الدولية، أبرزها الأزمة الروسية الأوكرانية”.

أما بالنسبة للملفات الاقتصادية، فيلفت الخبير في الشؤون الصينية، إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يقترب من التريليون دولار، وبالتالي هناك مصالح تجارية واقتصادية ضخمة بينهما، ما يجعلهما يحرصان على عدم تدهور العلاقات الاقتصادية على خلفية الصراعات السياسية والجيوستراتيجية.

ويثمن الخبير في الشؤون الصينية زيارة المسؤولة الأميركية عن ملف التجارة والمالية إلى الصين، واصفاً تلك الزيارة بـ “المهمة للغاية”؛ خاصة أن الصين هي أكبر حائز للسندات الأميركية، كما أن هناك عديداً من الشركات الأميركية التي تعمل في الصين، وكذلك هناك حجم هائل من الصادرات الصينية للولايات المتحدة الأميركية.

ويتوقع أن تسعى جانيت يلين خلال زيارتها إلى الصين للحفاظ على حد أدنى من التفاهم فيما يتعلق بملفات التجارة والاستثمار والملفات المالية بين البلدين، فربما سيحرص الجانبان على أن تكون هذه العلاقات غير متلامسة بشكل كبير مع الخلافات في الملفات الأخرى، مستبعداً أن يكون هناك تحسن بالمستقبل في العلاقات على المستوى السياسي، على العكس فيما يخص العلاقات الاقتصادية، فإنهما يسعيان إلى منع تدهور العلاقات لنقطة أبعد مما هي عليه.

ويلفت إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تتعامل مع الصين بشكل مختلف عن الرئيس السابق دونالد ترامب، ذلك أن الأخير شهدت فترة إدارته فرض عديد من العقوبات على الصين فيما يتعلق بالصادرات الصينية، وكانت الصين ترد أحياناً بإجراءات مماثلة، بينما في إدارة بايدن لم يتصاعد الملف الاقتصادي بنفس الحدة.

تفاهمات حول القضايا التجارية

ويصف الزيارة بأنها “محاولة للإبقاء على حد أدنى من الخلافات بين البلدين، وربما التوصل لتفاهمات في بعض القضايا الخلافية فيما يتعلق بالتجارة والاقتصاد تحديداً”، مشيراً إلى أن أبرز تلك القضايا ما يتعلق بالرسوم التي فرضتها إدارة ترامب، والتباحث حول إلغاء أو تقليل هذه الرسوم من جانب الإدارة الأميركية، وأيضاً ربما تطالب الصين برفع الحظر عن بعض الصادرات التقنية الأميركية إلى بكين، وكذلك ربما يتم استئناف التشاورات الاقتصادية بين البلدين والتي توقفت عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، وربما أيضاً يكون هناك تفكير بتوفير نوع من التسهيلات التي تمنح للشركات الصينية المستثمرة في الولايات المتحدة..

دفع الملف الاقتصادي بعيداً عن الصراعات السياسية

ويعتقد الخبير في الشؤون الصينية، بأن هناك رغبة مشتركة بين واشنطن وبكين في دفع الملف الاقتصادي بينهما بعيداً عن الخلافات في الملفات الأخرى، متوقعاً أن تكون هناك بعض النتائج الإيجابية، وفي الوقت ذاته يرى أن تلك النتائج لن ترتقي إلى مستوى الطموح الذي تأمله بكين أو واشنطن؛ إذ تظل العلاقات بينهما مرتبطة بمجمل العلاقات.

ويوضح أنه كلما كانت هناك أجواء سياسية ملائمة كان هناك تطور واضح في حجم التبادلات الاقتصادية وبين البلدين، ولكن في ظل هذه الحملة بين البلدين كل طرف يحاول النيل من الآخر، مشيراً إلى أن مستوى قبول الصين في أميركا على المستوى الشعبي يتضائل، وحالة النفور من الولايات المتحدة هناك واضحة، وبالتالي فإن الأجواء العامة لا تدفع نحو تحسن كبير حتى في الملف الاقتصادي.

إعادة النبض للعلاقات

من جانبه، يقول خبير الشؤون الآسيوية، الدكتور جلال رحيم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الزيارة تأتي في سياق إعادة النبض إلى العلاقات الثنائية بين البلدين بعد انقطاع عملي لأكثر من خمس سنوات؛ خاصة أن هناك حرباً باردة بين البلدين وتنافساً محموماً حول النفوذ الدولي والسياسات العسكرية والاقتصادية”.

ويشير إلى أنه مع قدوم الإدارة الأميركية برئاسة بايدن في العام 2020 استخدمت تلك الإدارة سياسة فك الارتباط بين البلدين سواء كان التكنولوجي أو الصناعي أو التجاري، وقد حثت الشركات الأميركية على الانسحاب بشكل تدريجي من الصين، ومنع الاستثمارات الاستراتيجية من طرف الشركات الكبرى، إضافة إلى الشركات التي تستثمر في مجال التكنولوجيا وخاصة المستخدمة في المجال العسكري، والتي تعتبرها أميركا ذات خطورة عالية، وبالتالي هناك تدرج من جانب الإدارة الأميركية لإيقاف هذا التبادلات التجارية بين البلدين.

ويتابع: “لكن الإدارة الأميركية توصلت أخيراً لعدم جدوى توجهها السابق بفك الارتباط والذي تسبب في خسائر كبيرة لها”، مشيراً إلى أن ذلك ما ألمحت إليه وزيرة الخزانة الأميركية أمام الكونغرس الشهر الماضي “.

ويشدد خبير الشؤون الآسيوية على أهمية الزيارة التي من المتوقع أن تستبدل فك الارتباط، لمحاولة تخفيف الضرر أو محاصرة الأضرار وتحديد مجالات معينة ذات الخطورة العالية في التعامل مع الصين الشعبية، واصفاً تلك الخطوة بأنها تمثل تراجعاً تكتيكياً واستراتيجياً من الجانب الأميركي في مجال الحرب التجارية.

كما يشير إلى أن المحاولات الأميركية للتقارب مع الصين لن تسفر عن إنهاء للحرب التجارية، وإنما توجيهها في اتجاه يخلف أقل الأضرار للولايات المتحدة من الناحية التجارية والمالية، وفي نفس الوقت ضمان الاحتواء التكنولوجي للصين.

زيارة رمزية

ويستبعد رحيم حسم أي ملفات في العلاقات التجارية ومجالات الخلاف بين البلدين، عقب الزيارة التي اعتبر أنها ستكون “رمزية لن تعود بنجاحات ملموسة يمكن أن تغير من الحرب التجارية القائمة بين البلدين”، وهي زيارة لكسر الجليد بعد انقطاع خمس سنوات وتأسيس علاقات ونوع من التواصل بين البلدين في مجال التجارة .

ويتابع: “ليس هناك أمل كبير لحسم أي ملفات؛ لأن الزيارة تأتي على خلفية قانونين صينيين جديدين”، لافتاً إلى أن آخر قانون دخل حيز التنفيذ وهو قانون مكافحة التجسس الصيني الذي لقى انتقادات دولية، وبخاصة في الولايات المتحدة، وهو يتحدث عن كل ما هو يهدد المصالح الصينية، وهي كلمة فضفاضة يدخل تحت عباءتها أي نشاط تجاري علمي وحتى أكاديمي بين البلدين تحت طائلة قانون التجسس الصيني، ما يجعل الشركات الأميركية تخشى مزيداً من الضغوطات من السلطات الصينية عليها والتضييق على الأنشطة التكنولوجية والتصنيعية لها.

أما عن القانون الثاني، فيلفت إلى أن تشديد إجراءات تصدير مواد صينية تستخدم في صناعة الرقائق الالكترونية، وذلك في الوقت الذي تضغط فيه أميركا على كل الشركات العالمية التي تصدر الرقائق الإلكترونية لفرض حصار على الصين، سعياً لوقف تصاعدها وتطورها التكنولوجي، وبالتالي تفرض حصاراً تكنولوجيا عليها، وهو ما ينذر بأن الزيارة تأتي في إطار متوتر بين البلدين على كل الأصعدة.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى