كيف تتم محاربة المحتوى الإرهابي على الإنترنت؟
وأكد متخصص لموقع “سكاي نيوز عربية” ظهور علم جديد في إطار الحرب على المحتوى المتطرف يسمى علم الأدلة الجنائية الرقمية أو الطب الشرعي الرقمي، أو طب الجريمة الرقمية.
أحدث الجهود الدولية في محاربة المحتوى الرقمي المتطرف ما تم الإعلان عنه، الثلاثاء، من نجاح المركز السعودي العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) ومنصة (تليغرام) في إزالة أكثر 7 ملايين محتوى متطرف وإغلاق 1554 قناة متطرفة، وذلك خلال الربع الثاني من العام الحالي (أبريل – يونيو) 2023.
ورصد فريق “اعتدال” النشاط الرقمي الدعائي المنشور باللغة العربية على منصة “تليغرام” والعائد لثلاثة تنظيمات إرهابية (القاعدة – هيئة تحرير الشام – داعش)، حيث تصدرت المحتويات المتطرفة المزالة لتنظيم القاعدة الإرهابي.
ووفق بيان مركز اعتدال فقد شهد يوم 18 أبريل 2023 الذي صادف 27 رمضان الماضي، أعلى نشاط في بث المحتويات المتطرفة.
الإرهاب والإنترنت.. علاقة قديمة
من جانبه، قال رئيس مجموعة مستشاري معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات بمصر، الدكتور إسلام ثروت، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية” إن الحرب الرقمية على الإرهاب مسألة قديمة ومستمرة، وهناك قاعدة تؤكد أنه بدون اتصالات فلا وجود للإرهاب، لأن أي محتوى متطرف يرغب في الانتشار، ومن ثم فهو يحتاج لوسائل التواصل.
وتابع، أنه بالطبع فبعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة والتطور الرهيب الذي حدث في التكنولوجيا خلال العشرين عاما الماضية ودخول الهواتف الذكية وظهور مواقع التواصل الاجتماعي، كل ذلك ساعد في انتشار أكبر للفكر المتطرف والإرهابي.
واستطرد ثروت في حديثه قائلا:
- أصحاب الفكر المتطرف كانوا منتبهين لهذا التطور التكنولوجي، حيث أن هناك مقولة شهير لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أيمن الظواهري يؤكد فيها أن أكثر من نصف المعركة التي يخوضها هذا التنظيم موجودة على الساحة الإلكترونية والإعلامية، وكان يعتبر أن أي مشهد تتم إذاعته ويعبر عن فكر التنظيم يمثل نفس أهمية إطلاق صاروخ أو تفجير قنبلة في عملية إرهابية.
- زاد استخدام الجماعات المتطرفة للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وكانت غرف الشات وسيلة فعالة للتواصل بين المتطرفين وإرسال الشفرات الخاصة بالعمليات الإرهابية فيما بينهم.
- أيضا منصات التواصل الاجتماعي ساعدت في تواصل أسهل وأكثر فعالية بين أعضاء الجماعات المتطرفة، لأن هذه المنصات تسمح لأي شخص بإنشاء حساب أو عدة حسابات عليها بكل سهولة ومجانا، دون تحقق من بيانات ومعلومات الأشخاص، ومن ثم ذلك سمح لهم بانتشار أكثر عبر كتابة أي شيء ويصل لملايين الناس وكذلك يجمعون من خلالها بيانات ومعلومات يستخدمونها في خططهم الإرهابية.
بداية اليقظة
إسلام ثروت وهو يعمل كذلك أستاذا مساعدا بكلية المعلومات وعلوم الحاسب قال أيضا:
- بداية من عام 2015 تنبه القائمون على منصات التواصل الاجتماعي وكذلك تنبهت الدول لخطورة استغلال المتطرفين لوسائل التواصل الاجتماعي، فوجدنا مثلا الاتحاد الأوروبي بدأ يضع قوانين لمراقبة المحتوى على تلك المنصات وإزالة أي محتوى يعبر عن فكر متطرف وتطور الأمر أنه يمكن إزالة أي محتوى من هذا النوع في أقل من ساعة من وقت نشره.
- بدأت كذلك تكون هناك تشريحات خاصة للتعامل مع المحتوى على الإنترنت ومنصات التواصل ومن الدول التي قطعت شوطا كبيرا في ذلك أميركا وألمانيا وفرنسا، حيث تلزم الشركات المشغلة لمنصات التواصل الاجتماعي بمتابعة المحتوى المنشور عليها بشكل مستمر.
- برغم كل الجهود المبذولة في هذا السياق، ظهرت تحديات كبرى بسبب التكنولوجيا الجديدة التي ظهرت، ومن أهمها ألعاب الفيديو والتي يستغلها المتطرفون بشكل كبير، لأنها ليست مراقبة بشكل صارم، وهناك منصات كثيرة لألعاب الفيديو يستخدمها الإرهابيون بشكل كبير، ويدخلون عليها بحسابات متعددة، ومع تقنية الصورة المجسمة والسماح ببناء سيرفرات كاملة داخل ألعاب الفيديو يدخل إليها أشخاص بعينهم بعيدا عن أية رقابة سمحت للمتطرفين باستغلال الأمر بشكل مخيف.
- أيضا خدمات البث الحي التي تتيحها معظم المنصات أصبح المتطرفون يستغلونها بشكل كبير لبث أفكارهم وهي خدمات من الصعب الرقابة عليها أو منعها، خاصة أن بعض المتطرفين يستخدمون لغات ومصطلحات غريبة ويصعب على الذكاء الاصطناعي التعرف عليها بسهولة.
- بدأت الشركات ومنها يوتيوب وفيسبوك في توظيف متخصصين لمحاولة تحقيق الرقابة الكاملة للمحتوى الذي يتم بثه من خلاله، ومنع أي إعلانات لمحتوى يتشكك فيه، ولكن مع وجود لغات مختلفة ومصطلحات جديدة وملايين المنشورات والحسابات أصبح من الصعب على العنصر البشري القيام بهذه المهمة ومن ثم تم اللجوء مؤخرا لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
- يعمل الذكاء الاصطناعي على مراقبة الحسابات بشكل لحظي وأنماط التفاعل والنشر عليها وتحليل السلوك ومعدلات الاستخدام وتحديد معاني المصطلحات والمقصود منها، من أجل التعامل السريع مع أي محتوى متطرف أو يروج لفكر متطرف أو إرهابي.
أساليب جديدة في التحايل
- مع الثورة الصناعية وظهور المركبات ذاتية القيادة تظهر أهمية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مواجهة الإرهاب، لأن حاليا الإرهابي لا يحتاج إلى شخص ليقود سيارة كي يضعها في مكان معين لتفجيرها، فيكفيه اختراق النظام الخاص بقيادة السيارة ذاتية القيادة وتوجيهها لأي مكان يريده، ومن ثم تظهر أهمية الرقابة على ما يسمى إنترنت الأشياء لمنع تلك الممارسات.
- أيضا من الممارسات التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية إنشاء حسابات عبر البريد الإلكتروني وكتابة رسائل بالتعليمات دون إرسال هذه الرسائل بل حفظها على البريد، ويدخل أشخاص آخرون معهم بيانات تلك الحسابات ويطلعون على الرسائل غير المرسلة، بعيدا عن رقابة الشركات المشغلة للبريد الإلكتروني.
- كذلك ظهور العملات الرقمية المشفرة سمحت للتنظيمات الإرهابية بالهروب من قبضة الحكومات على التحويلات المالية التقليدية، ومن هنا جاءت أهمية تعاون الدول والشركات المتخصصة في اتخاذ إجراءات لمراقبة المحتوى الرقمي وأي ممارسات مشبوهة عبر الانترنت، وظهر ما يسمى علم الأدلة الرقمية، أو الطب الشرعي الرقمي أو طب الجريمة الرقمية، الذي يعني تحليل المحتوى وكشف أي محتوى يشتبه في مخالفته للقوانين، وكل ذلك يتم بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
مراكز متخصصة في محاربة التطرف الرقمي
واتفق معه مدير برنامج الذكاء الاصطناعي بجامعة النيل في مصر، مصطفى العطار، الذي قال لموقع “سكاي نيوز عربية”:
توجد جهود كثيرة جدا من الفرق التقنية والمراكز البحثية حول العالم سواء كانت هذا المراكز في جامعات أو تنتمي لشركات ضخمة كشركات ميتا وتويتر وجوجل، من أجل تطوير تكنولوجيا قادرة على التعرف على المحتوى الذي يتضمن أفكارا تروج للإرهاب أو أية مبادئ أخرى مخالفة للقانون والأخلاقيات السلمية بالمجتمعات.
يتم تطوير خوارزميات ذكاء اصطناعي تتعرف أوتوماتيكيا على المحتوى المتطرف أو الإرهابي أو المخالف للقوانين، لأنه في ظل انتشار ملايين بل ومليارات المنشورات والأخبار والحسابات التي تتضمن محتوى متطرف فمن المستحيل التعرف على ذلك يدويا، ومن هنا تأتي أهمية تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لإتمام تلك المهمة.
تتم تلك العملية عبر عملية مسح حاسوبي واسعة وشاملة، من خلال خوارزميات معينة، تحلل المحتوى وتتعرف على الشعور الموجود لدى صانع هذا المحتوى سواء شعور غضب أو فرح أو ترويجي لأي إحساس معين، ونحن في جامعة النيل نعمل على تطوير خوارزميات مماثلة.
بعد تطوير الخوارزميات المخصصة لذلك يتم جمع أكبر قدر من المحتوى وتعريضه لتلك الخوارزميات لتكتشف من بينه المحتوى الهادف وغير الهادف والبدء في التخلص من المحتوى المُضر.
شركة ميتا من أكبر الشركات التي تطور الخوارزميات التي تحارب المحتوى المتطرف، وتأتي بعدها تويتر ولكن بشكل أضيق لأن تويتر تحرص على قدر أكبر من حرية التعبير وفقا لوجهة نظر القائمين عليها.
تليغرام وواتساب من أصعب التطبيقات التي يمكن محاربة المحتوى المتطرف من التداول عبرها لأنها تطبيقات محادثات مغلقة في الأساس وتتطلب مستوى متطور جدا من أنظمة الحاسب والخوارزميات للتعرف على المحتوى المتطرف ومنع تداولها عبر المحادثات المغلقة.