لماذا تهيمن الأزياء الفاخرة رغم بساطة مظهرها على العروض وشاشات التلفزة هذه الأيام؟
- كلير ثورب
- بي بي سي
إذا كنت تحاولين أن تختلطي بالأغنياء فاحشي الثراء، فإن حملك لحقيبة بقيمة 3,000 دولار قد يبدو طريقة معقولة للقيام بذلك. ولكن وكما أظهرت الحلقة الأولى من مسلسل “ساكسيشن Succession ” في موسمه الحالي، فإنك عندما تختلطين بفاحشي الثراء، فإن الأمر لن يكون بهذه البساطة.
ففي مشهد بالمسلسل سرعان ما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، يجلب ابن العم غريغ فتاة يواعدها تدعى بريجيت إلى حفلة عيد ميلاد لوغان روي، وهو الملياردير المؤسس والرئيس التنفيذي للمجموعة الإعلامية” ويستار- رويكو”. وبدعوته فتاة غريبة إلى منزل لوغان الخاص، يكون غريغ قد أساء فهم الوضع تماماً. وإذا كان غريغ قد ارتكب زلة فإن صديقته التي يواعدها ارتكبت زلة أكبر.
فمن خلال حملها حقيبة “واسعة بشكل سخيف”-كما وصفها معذب غريغ وشريكه في المؤامرة، توم وامبسغان- فإن بريجيت وسمت نفسها على الفور بأنها متطفلة على هذا العالم الحصري. وتساءل توم باستهزاء “ما الذي يوجد داخلها حتى؟ أهو حذاء مسطح لقطار المترو؟ أم سطل الغداء؟ إنها عملاقة. يمكنك أن تأخذها معك للتخييم, ويمكنك دفعها لتتزحلق على الأرضية بعد عملية سرقة بنك.” بالطبع، نادراً ما يحتاج الأثرياء جداً إلى حمل شيء بأنفسهم. لكن الحجم ليس وحده المشكلة. فتصميم المربعات المميز يمكن التعرف عليه على الفور- حتى بدون وجود شعار الشركة المصنعة. وهذه الحقيبة تحمل بطاقة السعر على كمها. إنها حقيبة براقة وتجذب الانتباه وكل شيء لا يمثل روي وأقرانه- لأنه حالما يصبح حسابك في البنك بالمليارات، فإنك لا تحتاج لأن تثير انطباع أحد.
وعلى امتداد أربعة مواسم، منحنا مسلسل “ساكسيشن” إطلالة- ولو خيالية- على نمط حياة الأغنياء الأكثر ثراء في الولايات المتحدة، وأظهر كيف يميز المليارديرات أنفسهم عن الأشخاص من أصحاب الملايين. ومن المعروف أن المسلسل الشهير لديه مستشارون فيما يتعلق بالثروة من أجل تقديم النصح حول كل تفصيلة صغيرة، ولديه مصممو أزياء يعملون بعناية على بناء خزانة ثياب تعكس حقيقة فئة فاحشي الثراء التي تشكل نسبتها 0.01 في المائة من السكان.
قد تكون شيف روي قادرة على شراء أي فستان ترغب به لمصممي الأزياء، لكنك ستراها على الأرجح ترتدي كنزة بولو سوداء سادة بعنق طويل وبنطالاً بني اللون أو قميصاً بلون البيج (مع أنه قميص مصنع من أفخر أنواع الحرير). وقد ترتدي شيئاً مقلماً أو بمربعات- أو أحياناً ملابس ملونة لمناسبة اجتماعية- ولكن في معظم الأوقات يكون هذا النوع من اللباس مخفياً وليس بارزاً.
في هذه الأثناء، يحب شقيقها كندال، لورو بيانو، وهي ماركة إيطالية متخصصة في القطع البسيطة المصنوعة من أفخر أنواع الأقمشة، حيث يمكن لمعطف أن يكلف 25,000 دولار (رغم أنه يمكنك الحصول على واحدة من قبعات البسبول المصنوعة من قماش الكشمير التي يحبها كندال مقابل 495 دولاراً). وكما شرح كولين موريس، وهو مصمم أزياء يعمل مع المسلسل التلفزيوني “إندستري” – وهو مسلسل آخر يتيح لنا التسكع مع فاحشي الثراء الخياليين- لمجلة فوغ، فإنه كلما كان الشخص أكثر ثراء، كلما كان من الأصعب التعرف عليهم وسط الحشود. وقال: “إن آخر شخص تفكر بأنه ملياردير هو الملياردير نفسه.”
إن مسلسل “ساكسيشن” ليس هو الوحيد الذي سلط الضوء على نمط حياة الأثرياء الخفي. فشخصية الممثلة كيت بلانشيت في فيلمها الأخير “تار” قد تكون إشكالية، لكن خزانة ثيابها مثالية، ففيها مجموعة من القطع الراسخة التي جمعت بشكل صحيح من مصممي الأزياء مارغريت هاول وماكس مارا و “ذي راو” و “درايز فان نوتن”. وقالت مصممة الأزياء بينا دايغلر لموقع “دبليو دبليو دي”: “أردت أن أصمم أزياء لا أحد سينظر إليها”. وبدلاً من ذلك، فإن نمط ليديا تار البسيط حولها إلى أيقونة غير متوقعة في عالم الأزياء.
ثم هناك نمط الأزياء الخاص بالممثلة غوينيث بالترو والذي ظهرت فيه مؤخراً في مبنى المحكمة والذي تحدث عنه المتابعون كثيراً. فخلال محاكمتها التي استمرت ثمانية أيام- والتي تبين فيها أن الممثلة ليست مذنبة في حادث التزلج الذي وقع في 2016- حيث ارتدت بالترو سلسلة من الملابس البسيطة ولكنها فاخرة بألوانها الترابية، ومن بينها لباس محاك من الكشمير وبلون أصفر شاحب من لورو بيانو، ومعطف صوفي بلون أخضر طحلبي من “ذي راو” ، وبدلة مزدوجة الصدر، وجزمة برادا، وكولوتيس من الجلد من تصميم برونزا شولر وقطع من الماركة الخاصة بها، جي ليبل من غوب. كان لباسها فاخراُ تماماً في أقوى تعبيراته.
نظهر ولاءنا لمجموعاتنا الاجتماعية، ونميز أنفسنا عن الآخرين من خلال ملابسنا- كارولين ماير
وربما يكون مفهوم الثروة الخفية جاذباً للعناوين الآن، لكنه ليس مفهوماً جديداً. وتقول دكتور كارولين ماير، مستشارة في نشاط أعمال الأزياء، ومؤلفة كتاب “علم نفس الأزياء”، للقسم الثقافي في بي بي سي إن “مصطلح الاستهلاك الواضح أشار إليه ثورستن ويبلين في كتابه “نظرية طبقة الترفيه، في 1899.” ووصفه ويبلين بأنه عرض الثروة بشكل متباهى من أجل كسب المكانة والصيت في المجتمع”، وقرر أن أولئك الجديدين عل الثروة هم الأكثر عرضة للانغماس في هذا السلوك. وتقول ماير: “إن الفكرة هي أنك إذا اعتدت على حيازة المال، فإنك لا تحتاج إلى التباهي به”.
تعتبر الأزياء وسيلة اتصال قوية، وهي وسيلة حتى فاحشي الثراء ليسوا في غنى عن استخدامها. وتقول ماير: “إننا نظهر ولاءنا لمجموعاتنا الاجتماعية ونميز أنفسنا عن الآخرين من خلال ملابسنا”. “ومثل أي لغة، ما لم تكن ضليعاً في تلك اللغة، فإنه سيفوتك على الأرجح أو تسيء الفهم أو على الأقل تسيء تفسير الفروق الدقيقة. وهذا هو المفهوم من وراء الثروة الخفية: شراء منتجات غير بارزة من أجل جودتها وجمالها وندرتها، ولكن دون ترك بطاقة السعر عليها لكي يتعرف فقط أولئك الذين هم في مواقع مساوية من الثروة على القيمة المادية للغرض.” وهنالك دائرة داخلية وشيفرة شبه سرية حول اللباس الفاخر الخفي- بمعنى أنك “إذا كنت تعلم، فإنك تعلم”.
لكن الثروة الخفية أصبحت أكثر من مجرد أسلوب حياة بالنسبة للقلة القليلة من الناس فاحشة الثراء. فقد تغلغلت في السلسلة الغذائية لتصبح العنصر الجمالي السائد هذا الموسم. وكما أشارت فانيسا فريدمان، ناقدة الأزياء الرئيسية في صحيفة نيويورك تايمز، مؤخراً، فإن خشبات العرض في ميلانو شهدت تحولاً نحو الملابس التي “لا تصرخ ولكنها تهمس”. وتصف فريدمان الإطلالة بأنها ذلك “النوع من الملابس التي لا تعلن عن قيمتها بطرق واضحة” وإنما تعتمد بدلاً من ذلك على “فخامة القماش وصرامة الخط في الإيحاء بقيمتها.”
وتصف مجلة “فوغ” البريطانية هذه النزعة بأنها “لها علاقة بالمزاج أكثر من أي شيء آخر” و “مرادفاً بشكل أساسي للأساسيات الراقية”. وفي غضون ذلك، فإن الوسوم على فيسبوك من قبيل وسم الترف الخفي تجمع الملايين من المشاهدات، مع تحليل مصممو الأزياء لكيفية الحصول على إطلالة “الثروة الخفية” مقابل القليل من المال.
الاستهلاك الواعي
إذاً ما الذي يدفع هذه النزعة؟ البعض يقول إنها رد على الاضطرابات الاقتصادية الحالية، مكررة تحولات مماثلة في الموضة بعد الأزمة المالية في 2008. وتعتقد لورنا هول، مديرة ذكاء الموضة في وكالة التنبؤ بنزعات الموضة “دبيلو جي أس أن”، أن هناك شيئاً من الحقيقة في ذلك. وتقول لبي بي سي كالتشر: “وبقدر ما تكون الموضة غير حساسة أحياناً، فإنها ما تزال منسجمة بشكال حاد مع الديناميكيات الاجتماعية. والآن وكما كان الحال في الأزمة المالية الأخيرة، تتطلع الماركات لعزف النغمة الصحيحة. وعندما تعاني شرائح واسعة من السكان في تأمين التدفئة لمنازلها، فإن التباهي بالتعبيرات المتطرفة للثروة يبدو كنغمة صماء.”
لكنها تعتقد أن المطروح هنا هو أكثر هذه المرة- بما في ذلك رد الفعل على الفترة الممتدة التي قضاها الكثيرون منا بلباس أوقات الفراغ، وذلك بفضل كوفيد- 19. وتقول إن هناك “محركاً أكبر ويتم تجاهله هذه المرة هو التحول في دورة صرعة الموضة بعيداً المظاهر غير الرسمية. وهناك حاجة في فترة ما بعد كوفيد- 19 لارتداء الملابس بأناقة رسمية، ونحن نرى ملابس الشوارع والملابس الرياضية تفسح المجال لإطلالات أكثر رسمية.”
ثم هناك هوس الموضة المتواصل بكل ما يمت بصلة لسنوات التسعينيات من القرن الماضي. وتقول لورنا هول: “لقد رأينا هياج سوق الشباب من خلال صرعات التسعينيات لكن آخرها الذي جاء مع جاذبية لشرائح عمرية أوسع، هو النزعة التقليلية في التسعينيات. وهذه الإطلالة تتوافق بشكل جميل مع ملابس الثروة الخفية وترفها البسيط.
ويوافق شين موناهان، مؤسس الشركة الاستشارية “ايتبول”-وهو الرجل الذي ساعد في اشتقاق المصطلح “نورمكور” في 2013 وتنبأ “بتحول فيبي” في مقالة شهيرة له في 2021- على أن الخروج من الجائحة أشعل رغبة بارتداء الملابس الأنيقة.
وقال لبي بي سي كالتشر: “إنه لمن الممل أن تكتفي بارتداء البنطال الرياضي طوال اليوم”، لكنه يعتقد أيضاً أن ذلك كثف مما كان يجري، وهو رد فعل على طمس الحدود بين الملابس غير الرسمية وملابس العمل.