لماذا نشرت صحيفة الأهرام المصرية إعلانا لسيارة مستعملة في صفحتها الأولى؟
- محمد حميدة
- بي بي سي- القاهرة
“لم ولن يلمس الأرض” هذه الكلمات كانت وصفا لإطارات سيارة للبيع، في إعلان على صدر الصفحة الأولي لواحدة من أعرق جرائد العالم العربي “الأهرام”.
وذيل المعلن إعلانه لمن يريد تجربة السيارة قائلا “لتجربة القيادة الوعرة”.
الإعلان الغريب كما وصفه البعض على صفحات التواصل الاجتماعي، أحدث ضجة في مصر، خاصة وأنه تصدر الصفحة الأولى في الأهرام، ونُشر في تلك المساحة الإعلانية التي كانت لسنوات طويلة تعد من بين الأغلى والأكثر قراءة، والأكثر جذبا للمعلنين في مصر والعالم العربي، فهي “صفحة الأهرام الأولى”.
رئيس تحرير الجريدة علاء ثابت، عبر بمنشور على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن اندهاشه من هذا الجدل حول إعلان.
وقال ثابت: “الأهرام ــ مثل أي صحيفة ــ لا تتدخل في حرية المعلن في كتابة ما يريد طالما لم تخرج عن القواعد التي تحددها الأهرام ومن قبلها القانون المتعلق بنشر الإعلانات”.
وأضاف: “الأهرام عبر سنين طويلة لديها الخبرة الكافية للحكم على صلاحية الإعلانات للنشر، مؤكداً أن قائمة الإعلانات التي رفضت الأهرام نشرها لأسباب قانونية – بصرف النظر عن مقابلها المادي – عصية على التصور لكبر حجمها”.
الضغوط الاقتصادية
تواجه الصحف الورقية تحديات صعبة وتراجعا كبيرا في المساحات الإعلانية، وهو الأمر الذي يضعها بين سندان البحث عن التمويل للاستمرار، ومطرقة السياسة التحريرية. وفي مصر تكابد الصحف القومية تحديدا في مسألة التمويل حيث تمتلكها الدولة، لكنها ترزح تحت ديون شديدة الوطأة.
الدكتور محرز غالي، أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة، قال لبي بي سي إن تراجعا ضخما أصاب المساحات الإعلانية في الصحف في العشر سنوات الأخيرة لصالح بعض المواقع الإلكترونية، وهو ما أدى إلى مشكلات مالية كبيرة، وهو ما اضطر بعض المؤسسات إلى قبول نشر إعلانات لم تكن تقبل بنشرها من قبل، أو تذهب إلى تخفيض كلفة الإعلان.
ويضيف غالي أن الصفحة الأولى ملك للقارئ، وما هو معروف عالميا أن نشر إعلانات بهذه الصفحة يكون في أضيق الحدود ويخضع لمراجعة.
وتقول الدكتورة سماح المحمدي، أستاذة الصحافة بجامعة القاهرة، إن مثل هذه الإعلانات “تدق ناقوس الخطر. نحن نتحدث عن جريدة الأهرام المحافظة”.
وتقول إنها تلقي باللوم على صحيفة الأهرام، لكن اللوم أيضا يقع في جزء منه على الدولة التي يجب أن تساعد جريدة مثل الأهرام، التي تمثل واحدة من أعمدة الثقافة والقوة الناعمة لمصر، بحيث لا تضطرها لقبول مثل هذه النوعية من الإعلانات.
الإعلان غير مخالف للقانون
يقول علاء ثابت رئيس تحرير جريدة الأهرام “إن الإعلان الذي نشرته الصحيفة لم يخالف القانون بأي شكل، فمحتوى الإعلان لم يخالف أحكام الدستور أو ميثاق الشرف المهني أو النظام والآداب العامة، أو يحض على الكراهية والعنصرية أو التعصب”.
لكن يختلف الدكتور محرز غالي مع ما ذهب إليه ثابت، لأن الصحيفة لابد لها أن تراعي الذوق العام وهناك ما يسمى بالسمعة المؤسسية ولها إدارة خاصة.
ويرى أن “الإعلان لم يخالف القانون لكننا لا نتحدث عن القانون فقط، نحن نتحدث عن مؤسسة كبيرة ويجب أن تراعي مناسبة ما ينشر للذوق العام”، وانخفاض الإيرادات وأرقام التوزيع والمساحات الإعلانية ليس مبررا أن تهز الصورة الراسخة في أذهان الناس عن الأهرام.
لكن الدكتورة سهير عثمان، أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة، تذهب إلى أنه لا يعيب الأهرام نشر هذه الإعلانات لأنه إعلان مدفوع الأجر، لكن كان من الممكن وضعه في الصفحات الداخلية، فهو ليس مناسبا للصفحة الأولى فقط.
الإعلانات في الصحف مسؤولية من؟
وتبقى الأسئلة التي تقفز في ذهن القراء، من يقرر ما ينشر من الإعلانات؟ هل هو رئيس التحرير أم إدارة الإعلانات؟ ومن يقرر شكل الإعلان بل وفحواه؟
يذهب البعض إلى أن قوة الجريدة المالية تجعلها أكثر تشددا في تطبيق معايير نشر الإعلانات، حتى لا تؤثر على مكانة الجريدة.
تقول عثمان إن الجريدة بالكامل هي مسؤولية رئيس التحرير، وهناك صراع أزلي بين التحرير والإعلان ومن له الأولوية.
وتضيف: “الإعلان هو التمويل الأساسي الذي يضمن للجريدة البقاء، والتحرير أيضا أساس في أرقام التوزيع ومكانة الجريدة”.
ويتفق معها الدكتور محرز مؤكدا أن رئيس التحرير مسؤول على كافة الأصعدة، عن كل شيء يخرج على صفحات الجريدة، حتى ولو كان إعلانا فهو العين الأخيرة التي تطل على الصحيفة قبل النشر.
ويضيف أن “الإعلان الذي نحن بصدده لا يرقى إلى مستوى الإعلان الجيد لا صياغة ولا تصميما، فهو إعلان سيئ من كل النواحي”.
مناسبة الإعلان لمكانة الصحيفة
رغم أن القانون يضع الأطر التي يجب الالتزام بها في النشر عامة، إلا أن كل مؤسسة تضع لنفسها الخطوط الفاصلة التي تقرر محددات النشر.
فما يجوز نشره بالنسبة لصحيفة من إعلانات توصف بالجريئة عن منتجات معينة، لا تقبله جريدة أخرى حسب خبراء.
وتقول الدكتور سهير عثمان، إن الأهرام جريدة كبيرة وليست جريدة شعبية، ونشر إعلان كهذا يمثل صدمة لقرائها، أنا من قراء الأهرام وأحسست لوهلة أنني أقرأ جريدة تجارية بحتة.
وتقول الدكتور سماح المحمدي إن المنافسة الشديدة هي ما دفعت الأهرام لقبول مثل تلك الإعلانات، وتعجبت قائلة :”هل هذه هي الأهرام التي كانت مساحة الإعلانات فيها تتجاوز 25 في المئة؟ وكان ذلك مثار انتقاد، نحن الآن في عالم مختلف تماما”.
ويقول محرز إن الأزمة كبيرة للغاية، لكن إعلانا بهذا المستوى من المستحيل أن تجده على صدر صحيفة “شعبية” أقل مستوى من الأهرام بأي حال من الأحوال. ويضيف: “هذه صحيفة رصينة، وصحيفة النخبة، والصفحة الأولى لها سمات معينة ومعروفة لدي الكافة”.
ويقول رئيس تحرير جريدة الأهرام، علاء ثابت، عبر حسابه على فيس بوك: “إن بيت القصيد يتعلق بعدم مخالفة القانون، وإن ما أثير حول هذا الإعلان يؤكد للمرة الألف أهمية وعظمة الأهرام، واهتمام قرائها، بل ومنتقديها بكل ما ينشر بها حتى ولو كان إعلانًا، وهو اهتمام نعتز ونرحب به في الأهرام طالما كان الهدف منه الصالح العام”.