روسيا وأوكرانيا: بوتين يقول إن العقوبات الغربية ستؤثر سلبًا على اقتصاد بلاده
لطالما سعت روسيا منذ بدأت غزو الأراضي الأوكرانية إلى التخفيف من آثار آلاف العقوبات الغربية التي فُرضت عليها حتى اليوم في عشر حزم، وبينما قللت مرارًا من أهمية هذه العقوبات، أكدت أنها ستصمد أمام ما تصفها بالحرب الاقتصادية.
لكنَّ الجديد بشأن العقوبات، أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرّح خلال اجتماع حكومي، بأنَّ اقتصاد روسيا قد يتعرض لآثار سلبية على المدى المتوسط بسبب القيود الغربية.
على مدار العام الأول من الغزو الروسي لأوكرانيا، بدا الاقتصاد الروسي أكثر قوةً مما توقعه كثير من المحللين، لكنَّ مؤشرات الفترة الأخيرة وطبيعة العقوبات الغربية الأحدث، تشكك بقدرة الاقتصاد روسيا على الاستمرار بذات التماسك.
“معضلة حقيقية”
يقول الكاتب المختص بالشأن الروسي سامر إلياس: “إنَّ الجانب الروسي أمام معضلة حقيقية، ولا يريد الاعتراف بأنَّ عشر حزم من العقوبات الغربية المؤلمة، بدأت تفرض عليه منحى سيئًا، وأنها تنعكس على الأسواق الداخلية، وخاصة في توفر عدد من السلع الأساسية”.
ويضيف إلياس “أنَّ بوتين يريدُ أن يوجّه رسالةً للشعب الروسي بأن الحرب لا تزال طويلة، وأن عليهم الاستعداد لذلك”.
أمّا المستشارة في مركز العلاقات الدولية الروسية يلينا سوبونينا، فتقول: “تدهور الأوضاع الاقتصادية أمرٌ متوقع وطبيعي نظرًا للعقوبات الاقتصادية الشديدة، لكن الأوضاع الاقتصادية أفضل بكثير مما كان متوقعًا، وليست سيئة كما تريدها دول الغرب”.
وتضيف سوبونينا أنَّ “بوتين يُحضّر الرأي العامَّ الروسي لاحتمالية تدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب العقوبات الغربية، لكنّه رغم ذلك سيظل مستمرًا في هذه المواجهة حتى تحقيق أهداف العملية العسكرية، وإذا كانت روسيا ستدفع ثمنًا لذلك، فالغرب أيضًا يدفع الثمن بالتضخم والبطالة”.
“إيذاء قلب الاقتصاد الروسي”
يقول الباحث الاقتصادي المختص في شؤون النفط والطاقة عامر الشوبكي، إنَّه في بداية العقوبات الغربية التي فُرضت على روسيا، تأثر سعر صرف الروبل وتزايدت التوقعات بتضرر الاقتصاد الروسي، لكنّه أثبت مرونته وقدرته على امتصاص الصدمات خلال السنة الماضية.
ويعزو الشوبكي ذلك لثلاثة أسباب:
- ازدياد عوائد الإيرادات الروسية بنحو 20 في المئة، نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة على إثر التوترات الجيوسياسية والشد والجذب الذي أحدثته الأزمة.
- الاستعداد الروسي قبل الحرب، بسحب جزءٍ كبيرٍ من الاحتياطات في النظام المالي الأمريكي وتعزيز حيازات الذهب، وبناء آليات التحويل والدفع المحلية بعيدًا عن الوسائل الغربية.
- تعميق العلاقات الثنائية مع الصين والهند وبلدان في الشرق الأوسط ما وفر منافذ تجارية جديدة.
لكن ومع مرور الأيام، يبدو أنَّ قدرة الاقتصاد الروسي على امتصاص الضربات بدأت بالتراجع، ولا تُرجّح فعاليتها على المدى الطويل، خاصةً أنَّ تسقيف أسعار النفط أدى إلى خفض الإيرادات المباشرة للخزينة الروسية التي تعتمد بنسبة 50 في المئة على إيرادات الطاقة -ثلثان من النفط، وثلث من الغاز.
يقول الشوبكي إنَّ خطوة الغرب بفرض السقف السعري شكّلت ضربة لقلب الاقتصاد الروسي بعد العام الأول من الحرب، فهي من جهة ضمنت استمرارية الإمداد النفطي الروسي للأسواق، وفي المقابل قلصت إيرادات روسيا بشكل كبير، حتى مع اللجوء لما يُسمى بأساطيل الظل عبر تمويه السفن وبيع النفط بشكل غير قانوني، باعتبارها وسيلةً تستلزم بيع النفط بتخفيضات كبيرة، تصل إلى بيع برميل النفط بأقلَّ من سعره في السوق بـ 30 دولارًا.
السيناريو المحتمل
بالنظر إلى تاريخ بعض الأنظمة في مواجهة العقوبات الغربية التي فرضت عليها، مثل كوريا الشمالية وإيران، يمكن ملاحظة قدرتها الكبيرة على الاستمرارية تحت وطأة تلك العقوبات، عبر تحميل المواطن عبء العقوبات بشكل شبه كامل، يقول الشوبكي.
ويضيف أنَّه حتى اللحظة لا تزال العقوبات الغربية دون المستوى الأقصى، وذلك نظرًا لوجود عدد من البنوك الروسية التي لا تزال قادرة على التعامل مع البنوك الغربية، وعدم تطبيق نظام العقوبات على الطرف الثالث، بالإشارة إلى قدرة الصين وتركيا والإمارات والهند ودول أخرى على مواصلة تعاملاتها التجارية مع روسيا دون التعرض لأي عقوبات.
لكن ورغم علاقات روسيا الجيدة مع أصدقائها في الشرق، فقد خسرت زبونًا رئيسيًا وغنيًا كان يشتري معظم غازها ونصف نفطها ونصف فحمها.
لذا يتوقع الشوبكي، أنَّ يتحمل المواطن الروسي في المرحلة المقبلة أعباءً قاسية، تتمثل بفرض مزيد من الضرائب على الجمارك والخدمات والسلع، وتقليص مستوى الخدمات وجودتها.
“بوتين لن يتوقف”
تُعرَّف العقوبات بأنها وسيلة تستخدمها الدول لمعاقبة دول أخرى، أو قادة دول أخرى أو سياسيين، بسبب قيامهم بخرق القوانين الدولية، في محاولة لمنع استمرار ذلك، وتكون العقوبات مصممة للإضرار باقتصاد الدولة المستهدفة ومواردها المالية، وقادتها السياسيين.
ورغم أنَّ العقوبات الغربية تزداد قسوة يومًا بعد يوم، في حين تتراجع “مرونة” الاقتصاد الروسي أمامها، إضافة إلى مغادرة مئات آلاف الروس البلاد منذ بداية الغزو، وكثير منهم من الشباب والعمالة الماهرة والمتعلمين، لا يبدو أنَّ بوتين سيوقف غزوه لأوكرانيا، مهما كانت الظروف وأيًا كان الثمن، إذ أنَّ الهزيمة تعني للكثيرين فقدان بوتين للحكم، كما تعني تدمير وتفتيت دول الاتحاد السوفيتي السابق، وتقويض روسيا الاتحادية التي تعد عموده الرئيسي، كما يقول بوتين.