3 عقبات أمام نمو اقتصاد ألمانيا.. هل يمكن تجاوزها في 2024؟
لكن في المقابل استبعد خبراء اقتصاد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قدرة ألمانيا على تجاوز العقبات التي تواجه اقتصاد البلاد قريباً، مشيرين إلى أن الأمر يحتاج إلى العديد من السنوات.
الأزمات كما ذكرها وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، في حديثه أخيراً للصحافة هي: “أزمة أسعار الطاقة، وحاجة البنك المركزي الأوروبي إلى مكافحة التضخّم وضعف الشركاء الاقتصاديين العالميين المهمّين مثل الصين” وقال: “لقد مررنا بعام صعب اقتصادياً، في أوقات صعبة، إننا نخرج من الأزمة بشكل أبطأ ممّا كان متوقّعاً، ولكنّنا وصلنا إلى أدنى نقطة وسنمضي قدماً مرة أخرى”.
* سجل رابع اقتصاد في العالم وأكبر اقتصاد في أوروبا انكماشاً تقنياً في الربع الأول من عام 2023، إذ انخفض إجمالي الناتج المحلي للبلاد بنسبة 0.3 بالمئة بين يناير ومارس 2023، بعد تراجعه بنسبة 0.5 بالمئة بين أكتوبر وديسمبر 2022، وهذه سابقة منذ الجائحة التي تسببت في تراجع إجمالي الناتج المحلي في الربعين الأول والثاني من 2020.
* كانت الحكومة تتوقّع نمواً بنسبة 0.4 بالمئة هذا العام و1.6 بالمئة السنة المقبلة، في إطار تقديراتها السابقة التي يرجع تاريخها إلى أبريل، متوقّعة العودة بشكل أو بآخر إلى الزيادة البالغة 1.8 بالمئة في الناتج المحلّي الإجمالي المسجلّة في العام 2022، وهو العام الذي شهد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا.
* لكن برلين خفضت توقّعاتها الاقتصادية للعام 2023 خلال حديث وزير الاقتصاد أمام الصحافة منتصف الأسبوع الماضي، متوقّعة حدوث ركود (انخفاض في الناتج المحلّي الإجمالي) بنسبة 0.4 بالمئة.
* الحكومة الألمانية تستند في توقعاتها للنمو المقبل بتحقيق انخفاض تدريجي في التضخم، والتي ترجح أن يبلغ 2.6 بالمئة في عام 2024 ثم 2 بالمئة في 2025، بعدما بلغ 6.1 بالمئة هذا العام 2023. كما أنّ هذا الانتعاش سيكون مدعوماً بسوق العمل الذي “يظلّ قوياً” وفق وصف وزير الاقتصاد هابيك.
* صندوق النقد الدولي، خفض توقعات نمو الناتج المحلّي الإجمالي الألماني إلى ناقص 0.5 بالمئة، بينما خفّضتها المعاهد الاقتصادية الألمانية الرئيسية إلى ناقص 0.6 بالمئة.
* توقع صندوق النقد الدولي أن تكون “القوة السابقة للاتحاد الأوروبي” الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي تعاني من ركود هذا العام.
* منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقول “إن ألمانيا ستعاني بشكل أسوأ من التباطؤ الاقتصادي العالمي” وحذرت أنه من المتوقع أن تتعرض ألمانيا لأكبر ضربة من تباطؤ الاقتصاد العالمي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وضعف التجارة العالمية.
تحول في الاقتصاد
الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية”، طارق الرفاعي، لا يتفق مع ما تقوله الحكومة الألمانية بأنها ستتجاوز العقبات التي تواجه اقتصاد البلاد قريباً وتحقق النمو في 2024، مشيراً إلى أن الاقتصاد الألماني حالياً في عملية تحول من دولة صناعية إلى دولة تعتمد أكثر على قطاعات أخرى وخاصة الخدمات وهذا التحول لن يستغرق سنة أو سنتين.
ويشرح الرفاعي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أنه “في التسعينيات وبداية الألفية كانت ألمانيا دولة صناعية كبرى والآن تحولت بسبب سياسات الحكومة الخاصة بتحقيق أهدافها المناخية والتوجه نحو الطاقة الخضراء، وهو ما أدى إلى أزمة الطاقة التي تعاني منها حالياً، ومن ثم بدأنا نشاهد منذ العام 2020 ومع ارتفاع تكلفة الطاقة هروب الكثير من المصانع الألمانية إلى دول أخرى مجاورة في أوروبا وفي تركيا وكذلك إلى الصين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر شركة “باسف” لصناعة البتروكيماويات التي حولت مصنعها إلى الصين ليكون ثاني اكبر اقتصاد في العالم المستفيد الأكبر من عملية تحول الاقتصاد الألماني”.
ويرى الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” أن الاقتصاد الألماني لن يعود إلى سابق عهده إذ تصنف ألمانيا حالياً بحسب المؤشر الصناعي “بي إم آي” كأضعف دولة في مجموعة العشرين، لافتاً إلى أن القطاع الصناعي في ألمانيا حالياً في مرحلة انكماش ولن يعود إلى النمو خلال فترة قصيرة فضلاً عن أن نسبة التضخم مرتفعة إلى رقم قياسي وكذلك النمو الاقتصادي ضعيف جداً ومن المتوقع دخول الاقتصاد الألماني بمرحلة ركود أكبر مما هو عليه اليوم.
“فعندما تصرح الحكومة الألمانية بانها ستتجاوز المشاكل والعقبات الموجودة الآن قريباً فهذا الكلام خاطئ ويجافي الحقيقة، ذلك أن تسريح العمالة وتغيير البنية التحتية التي تقتضيها عملية التحول ربما يستغرق بين 10 إلى 20 عاماً”، بحسب الرفاعي.
من جانبه يتفق الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي مع الرفاعي بأن الاقتصاد الألماني قد لا يستطيع تحقيق معدل نمو أفضل وسيأخذ وقتا أطول لتجاوز أزماته إذا لم يستطيع تسريع نشر مصادر الطاقة المتجددة، وخصوصاً في ظل الاتجاه السائد لدى البنوك المركزية إلى رفع سعر الفائدة أي الإبقاء على السياسة النقدية المتشددة لعلاج التضخم وكذلك لارتفاع تكلفة التمويل واستمرار الاعتماد على الطاقة الروسية واضطراب سلاسل الإمداد للصناعة فضلاً عن أن تأخر الاعتماد على مصادر الطاقة المنخفضة الكربون سيكون بالغ التأثير على عدم نجاح الاقتصاد الألماني في السنوات المقبلة.
5 تحديات تواجه رابع أكبر اقتصاد بالعالم
وعلى الرغم من أن الاقتصاد الألماني يعد رابع أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر اقتصاد في أوروبا، إلا أنه يواجه عديد من التحديات التي ذكرها الدكتور الشناوي وفقاً لما يلي:
* دعم السياسات المالية للطلب الكلي أدى إلى عواقب غير مقصودة ومع مواجهة قطاعات السلع الصناعية لاضطرابات في سلاسل التوريد، لم تكن قادرة على تلبية الطلب بشكل كامل، ولذلك ساهم الطلب المتزايد في ارتفاع الأسعار ودفع البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة بهدف تخفيض معدل التضخم، ونتيجة لذلك هناك دوافع سياسية تؤثر على أسعار الفائدة المرتفعة ما يؤدي الى تخفيض الطلب الكلي، والحد من برامج السياسات المالية الداعمة للطلب.
* عدم كفاية حزم التحفيز في ظل حالة عدم اليقين المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية ما قد يدفع ألمانيا إلى اتخاذ قرارات صعبة مثل القيام باستثمارات كبيرة، واتخاذ تدابير الدعم العام، وتدابير غير مالية لتحسين مناخ الاستثمار العام وجذب الاستثمار الخاص.
*انخفاض الطلب المرتبط بالاستثمار الخاص نتيجة ارتفاع سعر الفائدة ومن المتوقع ان يظل الطلب على الصادرات ضعيفا بسبب تباطؤ النمو العالمي، لان الطلب المؤثر بشكل إيجابي في النمو هو الطلب العام مع استمرار تنفيذ برامج السياسة المالية.
* زيادة مستوى عدم اليقين وارتفاع تكاليف التمويل سيؤدي الى انخفاض الاستثمار الخاص وتحديدا في مجال البناء مع انتهاء الانفاق المرتبط بظروف الجائحة.
* نمو الأجور الذي يمثل عائقا لمكافحة التضخم.
كيف أثرت أزمة الطاقة وسياسات التشديد النقدي وضعف الشركاء على الاقتصاد الألماني؟
ورداً على سؤال حول كيفية تأثير أزمة الطاقة وسياسات البنك المركزي الأوروبي ودور الشركاء الاقتصاديين على الاقتصاد الألماني يقول الدكتور الشناوي: “بالنسبة للعامل الأول يمكن القول إن أزمة الطاقة أدت إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في ألمانيا، حيث أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى إعاقة الإنتاج الصناعي والتضخم، ويعني ذلك أن المواطنين سيشترون أقل، لكن الاقتصاد صمد بشكل جيد في نهاية عام 2022 ما دفع الحكومة إلى توقع أنه سيتجنب الركود المتوقع على نطاق واسع”.
وعن العامل الثاني يشير إلى السياسة النقدية لها تأثير في كبح جماح الطلب على الرغم من أنها ضرورة لمواجهة تحدي التضخم ما يعني أن لدينا نمواً أقل، أما عن العامل الثالث تجدر الإشارة إلى أن هناك ضرورة لإزالة المخاطر في العلاقات مع الصين التي تمثل أكبر شريك لألمانيا إلا ان الأمر ليس سهلاً حيث تعتبرها الشركات سوقاً حيويا ومورداً للمنتجات الوسيطة.
كما أن زيادة التجارة مع القوة الاقتصادية الآسيوية جعلتها ثاني أهم وجهة للصادرات الألمانية ومورداً رئيسيًاً لقطاع التصنيع لديها، ومع ذلك فإن إعادة الفتح الصعبة للاقتصاد الصيني هذا العام بعد رفع قيود كوفيد 19 أظهرت الجانب السلبي في العلاقة، حيث بدأت الشركات الألمانية في إعادة التفكير في كيفية اعتمادها على الصين، سواء كسوق لبضائعها أو كمورد لمصانعها، وتطلب الحكومة من الشركات معالجة هذا الاعتماد، ذلك أن حيث أن كيفية إدارة أو تقليل الاعتماد على الصين سيستغرق وقتاً طبقاً لما قاله الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي.