واشنطن تزج بـ “كوريا الجنوبية” في “حرب الرقائق”
يأتي ذلك في وقت تسعى فيه واشنطن إلى فرض حصار خانق على بكين. وتحاول الولايات المتحدة في هذا الصدد توظيف أدواتها وحشد قواها كافة لإرباك الحسابات الصينية، بما في ذلك حث دول أخرى على اتباع نفس النهج الأميركي فيما يخص صراع أشباه الموصلات.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة “فاينانشال تايمز” عن أن الولايات المتحدة طلبت من كوريا الجنوبية حث صانعي الرقائق على عدم سد أية فجوة في السوق الصينية إذا حظرت بكين شركة Micron Technology Inc MU.O من بيع الرقائق.
جاء ذلك في خطٍ متوازٍ مع زيارة رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، إلى الولايات المتحدة، في الفترة من 24 إلى 29 أبريل، وهي أول زيارة دولة يقوم بها زعيم كوري جنوبي إلى الولايات المتحدة منذ العام 2011 وتصادف الذكرى السبعين لتحالف الدولتين.
طلب أميركي
طلبت واشنطن من سيول تشجيع Samsung وSK Hynix على التراجع عن زيادة المبيعات إلى الصين إذا تم حظر Micron نتيجة تحقيق أجرته بكين، حسبما أضافت فاينانشال تايمز نقلاً عن مصادر مطلعة.
وكانت هيئة تنظيم الفضاء الإلكتروني في الصين، قد أعلنت في مارس عن أنها ستجري مراجعة أمنية لمنتجات ميكرون المباعة في البلاد. وقالت الشركة المصنعة للرقائق الشهر الماضي إنها تتعاون مع الحكومة الصينية وأن عملياتها في البلاد طبيعية.
لم يعلق البيت الأبيض على تقرير فاينانشيال تايمز، لكنه أضاف أن إدارتي بايدن ويون بذلتا جهوداً لتنسيق الاستثمارات في قطاع أشباه الموصلات، وتأمين التقنيات الحيوية.
تايوان وكوريا الجنوبية
خبير تكنولوجيا المعلومات، الدكتور حسين العمري، يقول إن الرقائق الإلكترونية نوعان (الرقائق الدقيقة جداً أو المتطورة، والرقائق العادية)، مشيراً إلى سيطرة تايوان على إنتاج الرقائق الإلكترونية الدقيقة، حيث تسيطر شركة “تي إس إم سي” التايوانية، على 65 بالمئة من أشباه الموصلات في العالم، و90 بالمئة من الرقائق المتقدمة. وفي مرتبة تالية تأتي “كوريا الجنوبية”، حيث ثاني أكبر الشركات المصنعة للرقائق الإلكترونية وهي شركة “سامسونغ”.
ويشير العمري في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن كلا البلدين (تايوان وكوريا الجنوبية) من الناحية الاقتصادية ليس لديهما استعداد لتقليص تعاملهما مع الصين فيما يخص الرقائق الإلكترونية، لا سيما أن “الصين تمثل زبوناً كبيراً بالنسبة لهما، بالنظر إلى تفوق بكين في مجال التصنيع التكنولوجي والأجهزة والمعدات”.
الاستجابة للإملاءات الأميركية
وبالتالي لا يعتقد بأن البلدين من الناحية الاقتصادية يُمكن أن يخضعا لهذه الرغبة الأميركية، على أساس أن الدخول في حرب مع الصين يمثل تداعيات خطيرة على الشركات العاملة في القطاع، مشدداً على أن الأمر يبدو في مجمله ضغوطات مُمارسة من قبل الولايات المتحدة في سياق حربها مع بكين، وهي الحرب التي بدأت منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بشكل واسع.
ويلفت إلى أن “بكين تخوض تلك الحرب بطريقة ذكية من خلال الضغط على تايوان وبمصالحها الاقتصادية معها، بينما الولايات المتحدة تفكر بالعقلية العسكرية، وهو محل انتقادات داخل واشنطن”.
وتتطلع كوريا الجنوبية إلى تعزيز نفوذها في صناعة الرقائق الإلكترونية، في وقت تشير فيه التقديرات إلى سيطرتها على حصة 15 بالمئة من الإنتاج العالمي للرقائق خلفاً لتايوان.
- كوريا الجنوبية كانت قد أعلنت في وقت سابق من العام الجاري، عن ضخ استثمارات بقيمة 230 مليار دولار لإنشاء مجمع ضخم لصناعة الرقائق الإلكترونية في العاصمة سول، بدعم كبير من شركة سامسونغ.
- المبلغ الذي قررت كوريا الجنوبية استثماره في تطوير صناعة الرقائق الإلكترونية، يوازي المبلغ الذي خصصته أميركا لاستعادة السيطرة على هذه الصناعة وجذب المنتجين إلى أراضيها.
- أعلنت كوريا الجنوبية أيضاً عن أنها ستقوم بمراجعة قانون حماية التكنولوجيا الصناعية، بهدف حماية الملكية الفكرية الخاصة بها.
الحرب التجارية
أستاذ الاقتصاد، المستشار بالبنك الدولي، محمود عنبر، يقول في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:
- الصراع الدائر يصنف كأزمة مالية عالمية تقارن مع الازمات السابقة، وربما هي الأخطر في المرحلة الحالية بين المعسكرين الشرقي والغربي.
- مكمن الخطورة يتمثل في استخدام العقوبات الاقتصادية كسلاح بالصراع الدائر بين المعسكرين.
- يتم استخدام الأدوات الاقتصادية بشكل غير مسبوق في إدارة الصراع، وهو ما يظهر بقوة من خلال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين بشكل خاص.
- الولايات المتحدة تستخدم بعض السياسات التجارية التي تشكل تحولاً لافتاً في الأيدلوجية الاقتصادية لواشنطن والمرتبط بالحرية الاقتصادية وحرية عبور السلع دون قيود.
- فرضت واشنطن قيوداً على الواردات الصينية، أو ما يطلق عليه الحمائية التجارية، علاوة على العقوبات الاقتصادية كسلاح، وهو ما يشكل تهديداً للتبادلات التجارية.
ويشدد عنبر على أن “الرقائق الإلكترونية” أو “أشباه الموصلات” تأتي كحلقة في سياق هذه الحرب الدائرة بين المعسكرين، وتسعى الولايات المتحدة لمحاصرة بكين في هذا الملف، في إطار الصراع العام الذي يُمهد لخريطة اقتصادي جديدة سوف تظهر ملامحها تدريجياً ولا أحد يستطيع التكهن بها، في ظل المؤشرات الحالية والتعقيدات الاقتصادية مع استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية.
وفرضت الولايات المتحدة سلسلة من ضوابط التصدير على تكنولوجيا صناعة الرقائق إلى الصين؛ خشية استخدامها لإنتاج رقائق للتطبيقات العسكرية. وقد أدرجت في القائمة السوداء عدد من أكبر شركات الرقائق في الصين ، بما في ذلك منافس ميكرون Yangtze Memory Technologies Co Ltd.