أخبار العالم

هل يتراجع بنك اليابان عن سياساته التيسيرية؟



يأتي ذلك في خطٍ متوازٍ مع رهانات مديري الصناديق الأجنبية ضد السندات الحكومية اليابانية (التي يُطلق عليها “صانعة الأرامل” نتيجة التداولات المؤدية لنتائج عكسية بشكل متكرر على مدى العقدين الماضيين، في ظل المراهنات الفاشلة) من خلال بيعها على المكشوف، على أمل أن اليابان لن تستطيع تحمل الضغط على سنداتها وسوف تضطر في النهاية لرفع الفائدة.

أدت التكهنات بأن البنك المركزي سيعدل سياسته شديدة التيسير والتخلي عن جهوده للحفاظ على عوائد السندات قريبة من الصفر، إلى ارتفاع عوائد السندات الحكومية اليابانية لأجل عشر سنوات الجمعة إلى أعلى مستوى لها في أربعة أشهر ونصف الشهر.

عوامل مؤثرة

لكن بخلاف تلك التقديرات، لا يعتقد الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، بأن بنك اليابان سوف يتجه للتخلي عن سياسة التيسير التي يتبعها، مرجعاً ذلك إلى عددٍ من العوامل الرئيسية، وأهمها تباطؤ وتيرة رفع الفائدة بالنسبة للاقتصادات الكبرى، لا سيما وأن الفيدرالي الأميركي الذي ثبت معدلات الفائدة في اجتماعه السابق من المتوقع أن يشجع تباطؤ معدلات التضخم اتجاهه للتخلي عن سياسة التشديد النقدي المتبعة، وقد يتم يشهد الاجتماع المرتقب هذا الشهر تثبيت الفائدة للمرة الثانية على التوالي.

وأضاف: “اتجاهات الفيدرالي الأميركي تؤثر على البنوك المركزية والاقتصاد العالمي”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه “بينما البنك اليابان يتبع سياسة التيسير مخالفاً اتجاهات البنوك المركزية الأخرى (التشديد النقدي)، فمن غير المرجح أن يعدل عن سياسته في الوقت الذي تتجه في تلك البنوك نفسها إلى التراجع تدريجياً في المرحلة المقبلة وفي ضوء بيانات التضخم الحالية مع الوصول لذروة رفع الفائدة، وبما يبشر بعدم وجود ارتفاعات شديدة جديدة لأسعار الفائدة، ربما باستثناء الوضع في بعض الاقتصادات الناشئة”.

في اجتماعه السابق في يونيو، أبقى بنك اليابان على أسعار الفائدة دون تغيير، محافظاً على سياسته النقدية التيسيرية. وذكر أنه ثبت معدل الفائدة قصير المدى عند -0.1 بالمئة، بما يتفق مع التوقعات، كما أنه لم يجر تغييرات على ضوابط منحنى العائد، في خط متوازٍ مع اعتقاد المسؤولين بأن التضخم سوف يتباطأ خلال الأشهر المقبلة.

وتعهد وزير المالية الياباني، شونيتشي سوزوكي، في وقت سابق، باتخاذ الخطوات المناسبة في مواجهة الضعف المفرط لـ “الين”، وهو ما اعتُبر بمثابة مؤشر على تدخل محتمل للسلطات اليابانية لدعم العملة.

وفي الوقت نفسه لا يرى بأن الضغوطات التي يواجهها الين الياباني من شأنها أن تدفع المركزي في اتجاه العدول عن سياسته، مشيراً إلى أن معدلات التضخم أقل بشكل واضح من معدلات التضخم في الولايات المتحدة، وهو عامل يدعم بشكل أو بآخر اتجاهات البنك المركزي الياباني، ولا سيما في ضوء مقومات الاقتصاد الياباني الكبيرة والتي تؤهله للمرور من الأزمة التي ترتبط بشكل واضح بضغوطات اقتصادية عالمية.

  • ارتفعت أسعار المستهلكين الأساسية في العاصمة اليابانية بنسبة 3.2 بالمئة الشهر الماضي، على أساس سنوي، طبقاً للبيانات الرسمية، وذلك بعد ارتفاع 3.1 بالمئة في مايو.
  • تجاوزت معدلات التضخم في يونيو (للشهر الـ 13 على التوالي) المستوى المستهدف من قبل بنك اليابان عند 2 بالمئة.
  • أظهرت بيانات منفصلة تراجع إنتاج المصانع أكثر من المتوقع في مايو، وهو ما يعكس المخاطر التي يواجهها الاقتصاد المعتمد على التصدير، وفي ضوء تأثر الطلب العالمي أيضاً.

اجتماع الفيدرالي الأميركي

وذكر كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss، مازن سلهب، في تصريحات سابقة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه “من الصعب على بنك اليابان أن يقرر تغيير السياسة النقدية قبل أن يصدر الفيدرالي الأميركي قراره”.

ويعقد الفيدرالي الأميركي اجتماعه في 25-26 يوليو الجاري، فيما من المقرر أن يعقد بنك اليابان اجتماعه القادم للسياسة النقدية يومي 27 و28 يوليو.

وفيما أشار إلى أنه “إذا ما استمر الين في التراجع، وإذا ظل التضخم في ارتفاع، سيكون بنك اليابان مجبراً على أن يتدخل (..)”، شدد على أن البنك “لن يغامر بجر البلاد إلى الركود ورفع الفائدة.. ربما من مصلحة اليابان حالياً الإبقاء على الين الضعيف بدون مبالغة، والإبقاء على السياسة النقدية متكيفة ومتساهلة”.

ويحوم الين بالقرب من مستوى 145 الرئيسي مقابل الدولار، وهو المستوى الذي استدعى تدخل السلطات اليابانية في سبتمبر الماضي. ويعادل الدولار حالياً حوالي 139 ين ياباني.

الميزان التجاري

من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادي، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الاقتصاد الياباني يمثل حالة مختلفة نسبياً، لا سيما أنه يواجه مجموعة من التحديات الخاصة علاوة على التحديات المرتبطة بالضغوطات الاقتصادية الناجمة عن التطورات الأخيرة مثل الصراع الروسي الأوكراني.

ويضيف: “تعتمد طوكيو بشكل واسع على الصناعة، فيما تستورد كثيراً من الموارد الاقتصادية الأولية لتشغيل تلك الصناعة، وهنالك تقارب نسبي بين إجمالي حجم الواردات وإجمالي الصادرات”، في إشارة إلى تأثر القطاع الصناعي الذي تعتمد عليه البلاد بالتداعيات الخارجية الممتدة وانعكاساتها على معدلات التضخم المرتفعة حول العالم.

ويشدد الخبير الاقتصادي على أن اليابان تعرضت لتحديات واسعة مرتبطة بالأزمات العالمية مثل ارتفاع أسعار الخامات، وكذلك أسعار النفط العام الماضي (التي وصلت في فترة من الفترات إلى أكثر من 115 دولاراً للبرميل، وكذلك القفزة بأسعار السلع ومن بينها القمح الذي تجاوز سعره في فترة من الفترات 500 دولار للطن، وارتفاع الشحن والتكاليف.. إلخ).

وفيما يواجه قطاع الصناعة في اليابان تحديات خاصة خلال العام الجاري، تشير البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية في اليابان عن العام الماضي 2022، إلى أن:

  • قيمة الواردات قفزت بنسبة 39.2 بالمئة إلى مستوى قياسي بلغ 118.16 تريليون ين (حوالي 918.74 مليار دولار)، بسبب ارتفاع أسعار واردات النفط الخام والفحم والغاز الطبيعي المسال.
  • ارتفعت قيمة الصادرات بنسبة 18.2 بالمئة إلى 98.19 تريليون ين (763.47مليار دولارً)، وهو ارتفاع قياسي أيضاً، مدعومة بزيادة صادرات السيارات والحديد الصُّلْب.

وبحسب شعيب، فإنه بموازاة تلك الضغوطات تعاني طوكيو من تحديات داخلية مرتبطة بانخفاض عدد السكان وارتفاع المعدلات العمرية ونقص القوى العاملة، ناهيك عن الدين العام الذي وصل إلى حوالي 250 بالمئة من حجم الناتج.

لكنه رغم تلك التحديات مضى بنك اليابان في سياساته التيسيرية من أجل تنشيط الأسواق، مستغلاً ما يتمتع به الاقتصاد الياباني من مقومات مختلفة، وقدرته على سداد أي أعباء خارجية، ولا سيما أيضاً أن معدلات التضخم عند مستوى 3.2 بالمئة وتقترب من المستهدف عن 2 بالمئة، وبالتالي فإن “التضخم لا يزال في الحدود الآمنة للدول الكبرى”.

ويضيف: “معدلات التضخم في اليابان بلغت مطلع العام الجاري أعلى مستوى لها في نحو 40 عاماً، عند 4.2 بالمئة، وكانت في ديسمبر عند 4 بالمئة، ثم تراجعت حتى بلغت 3.2 بالمئة وحدث نوع من الاستقرار النوعي في الشهور الأخيرة، وبالتالي فإن بنك اليابان وإن كان يفكر في التراجع عن سياساته لكان من الأحرى به أن يتراجع عنها بشكل قوي في وقت سابق، بينما الآن وهناك استقرار في معدلات التضخم، وتراجع من أعلى مستوى مُسجل، فمن غير المرجح أن يتراجع عن سياساته رغم الضغوط”.

ويردف: “صحيح أن الين الياباني في وضع مقلق، لكننا نتحدث عن اقتصاد يعتمد على الصناعة وهناك توازن بين الصادرات والواردات.. وما يحدث حالياً هو وضع عرضي لن يستمر، ولا أعتقد بأن صانعي السياسات النقدية في اليابان سوف يغيرون سياساتهم ويتبعون سياسة تشديدية في منح الائتمان وأسعار الفائدة”.

 





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى