هل انتهى عصر البن الأفريقي “الرخيص”؟
ويرجع سبب العودة القوية لزراعة البن خلال عامي 2022 و2023، في بلدان مثل اوغندا وأثيوبيا، إلى انتشار الوعي بثقافة “القيمة المضافة”؛ التي تشير إلى انتهاء عصر البن الأفريقي الرخيص، الذي كان يباع كحبوب خام في الأسواق الخارجية ،بسعر يقل بنحو 75 في المئة عن البن المعالج.
وتزايد خلال العامين الماضيين التوجه نحو الاستثمار في معالجة البن، حيث ضخت جمعيات زراعية ومجموعات استثماربة محلية وأجنبية، أكثر من 900 مليون دولار في مصانع ومنشآت لمعالجة البن في أثبوبيا واوغندا ودول اخرى في شرق افريقيا.
وقادت الصدفة وحدها مزارع البن الأوغندي، نيلسون توجوم، ليصبح واحدا من اكبر الملهمين لاقتصاد بلاده؛ فبعد مشاركة خارجية له في احد معارض البن، قرر أن يعمل على تحسين مداخيل زملائه المزارعين الفقراء من خلال تشجيع إقامة مصانع لإدخال قيمة مضافة لصادرات البن، وهو ما مكن بلاده من الاقتراب من هدف تحقيق عائدات سنوية بقيمة 2.2 مليار دولار، اي بزيادة تصل إلى 60 في المئة عن السنوات السابقة.
وخلال اشهر قليلة، تمكن توجوم من اقناع آلاف المزارعين، بانشاء جمعيات تعاونية لتعزيز جودة الإنتاج ومعالجة محصول القهوة، بما يؤدي إلى مضاعفة اسعارها في الاسواق الخارجية.
وفي ظل تراجع اسعار البن الخام في الأسواق العالمية خلال السنوات الثلاث الماضية، تقلصت مساحات زراعة البن بنسب تراوحت ما بين 20 إلى 30 في المئة لصالح محصولات نقدية اخرى اكثر عائدا، لكن جمعيات معالجة البن رفعت من عائدات المزارعين إلى الضعف تقريبا، بسبب ارتفاع اسعار البن المعالج في الأسواق الخارجية، وهو ما أدى إلى زيادة المساحات المزروعة في نهاية 2022 بأكثر من 40 في المئة.
وبالتوازي مع هذه الجهود الاستثمارية التي يقودها القطاع الخاص، تعمل حكومات بلدان منتجة مثل اوغندا، على توفير التمويل والظروف الملائمة لرفع إنتاج القهوة، من أربعة ملايين كيس وزن 60 كيلوجرامًا إلى 20 مليون كيس، بحلول عام 2030.
كما ضخت الحكومة ايضا مئات الملايين من الدولارات، للتوسع في قطاع معالجة البن من اجل تحقيق قيمة مضافة أكبر.
ويقول توناس اجانجا، الذي يمتلك مزرعة صغيرة على بعد نحو 200 كيلومترا من العاصمة الأوغندية كمبالا، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، “عدنا لزراعة البن خلال السنوات الأخيرة، بعد ان قلصنا المساحات المزروعة لصالح محاصيل اخرى، كانت تدر علينا عوائد اكبر من البن الخام الذي كنا نبيعه للتجار؛ وأكثر ما شجعنا على ذلك هو انتشار منشآت المعالجة، وهو الأمر الذي أدى إلى رفع اسعار انتاجنا من البن إلى الضعف تقريبا، ولم تعد هنالك حاجة للتخلي عن زراعة محصول البن”.
ووفقًا لبيانات غير رسمية؛ يعمل اكثر من 20 مليون شخص في أثيوبيا وأوغندا في مجال إنتاج البن؛ إلا أن نسبة كبيرة منهم تحولوا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة إلى زراعة القات والتبغ ومحصولات أخرى؛ قبل ان يعودوا مجددا لزراعة البن.
وتزايدت خلال الفترة الأخيرة المطالبات بضرورة التدخل الحكومي من أجل الحفاظ على مساحات البن، باعتباره قطاع استراتيجي للاقتصاد الأثيوبي.
ويرى العديد من الخبراء أن من شأن زيادة الاعتماد على التقنيات الحديثة، ووضع سياسات محفزة للمزارعين، أن يسهم في الحفاظ على مساحات البن وزيادة الانتاج.
ويقول سمور تسيهاي، الباحث في مجال التكنولوجيا الحيوية في جامعة “قندر” الأثيوبية، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن هنالك حاجة ملحة لإدخال نهج أكثر علمية لتقليص المخاطر التي تواجه إنتاج البن.
ويوضح تسيهاي، أن من بين اهم التدخلات المطلوبة، العمل على تحسين البذور، وتدريب المزارعين على استخدام التقنيات الحديثة، للتوسع الراسي وزيادة الإنتاج.
وربما تكون القهوة العربية “اربيكا”، الأكثر استفادة من هذه الانتعاشة الجديدة، بعد ان كانت تواجه خطر تراجع الإنتاج بفعل تمدد زراعة القات والتبغ، في نحو 20 في المئة من مجمل مساحات زراعة البن في اوغندا، التي تعتبر اكبر منتج للبن في أفريقيا
واثيوبيا، التي تأتي في المرتبة الخامسة عالميا من حيث إنتاج البن، وتعتبر إحدى أكبر بلدان العالم للقهوة العربية، وتستحوذ على 4.4 في المئة من الإنتاج العالمي للبن بمساحة تقدر بنحو 4 آلاف كيلومتر مربع؛ ويشكل البن 22 في المئة من مجمل صادرات البلد الواقع في شرق أفريقيا والبالغة نحو 5 مليارات دولار سنويا.
ويكتسب إنتاج البن الأفريقي زخما متزايدا مع انتعاش اسواقه خصوصا في الإمارات وبلدان أوروبا والولايات المتحدة وعدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.