هشام شربتجي: رحيل المخرج السوري “صانع الضحكة” عن 75 عاما
غيب الموت المخرج السوري المخضرم هشام شربتجي في دمشق، الثلاثاء 16 مايو/ أيار 2023، عن عمر ناهز 75 عاما، بعد مسيرة فنية غنية أثرى من خلالها الدراما السورية والعربية بأعمال بارزة ومتنوعة.
وفارق شربتجي الحياة في أحدى مستشفيات دمشق، بعد تراجع حالته الصحية في الفترة الأخيرة، إثر تعرضه لجلطة دماغية قبل نحو عامين.
ونعت نقابة الفنانين في سوريا المخرج الكبير، وجاء في تغريدة لوزارة الإعلام السورية على موقع تويتر: “نقابة الفنانين في سوريا تنعي المخرج الكبير هشام شربتجي الذي توفي صباح اليوم عن عمر يناهز الـ 75 عاما بعد معاناة مع المرض”.
وكتب ابنه يزن على صفحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي: “شكرا على كلّ شيء، الرحمة لروحك”.
وكتب الممثل السوري بسام كوسا: “الرحمة لروح شيخ الكار والمخرج الكبير”. كما نعاه الممثل السوري باسم ياخور الذي شاركه في عدة أعمال، في منشور عبر صفحته على “فيسبوك”، وصفه فيه بأنه “صانع الضحكة” و”معلم المهنة”.
البداية والنشأة
يُعد هشام شربتجي أحد مؤسسي صناعة الدراما في سوريا، وأحد أبرز المخرجين عبر تاريخ الدراما السورية والعربية.
وُلد في 2 مارس/آذار من عام 1948 في حي المهاجرين في العاصمة السورية دمشق.
وذهب إلى مصر ليحقق حلمه في أن يصبح طيارا، وقرر الدراسة في معهد الطيران في إمبابة، لكن المعهد تعرض للدمار بسبب الحرب، مما دفع به لدراسة الفنون والأدب المقارن، وقال شربتجي عن حلمه هذا: “كنت في شبابي أحلم بأن أصبح طيارا، لكن الأقدار شاءت أن أصبح مخرجا”.
درس شربتجي في المعهد العالي للفنون المسرحية في مصر حيث حصل على درجة البكالوريوس، ثم سافر إلى ألمانيا وتابع دراسته الفنية هناك وحصل على ماجستير في المسرح.
وتزوّج شربتجي من سيدة مصرية لكنه انفصل عنها فيما بعد، وأنجب منها ابنته المخرجة رشا شربتجي التي ورثت المهنة عن أبيها وبرزت في مجال الدراما، وابنه المخرج والمصور يزن شربتجي.
في إحدى المقابلات التلفزيونية قال شربتجي إن عمله في مجال الإخراج أفقده الكثير على الصعيد الاجتماعي والأسري: “مشواري الفني منحني محبة الناس، وربما كراهية عائلتي، فقد جعلني أخسر حياتي الاجتماعية”.
وكان متصالحا مع فكرة الموت وقال: “لقد اكتشفت بعد رحلة طويلة أن الحياة أقصر من الحلم، وأنا أحب الحياة، لكني أيضا أحب الموت لأنه شكل آخر للحياة”.
مسيرة حافلة
يعد المخرج السوري هشام شربتجي من مؤسسي نهضة الدراما السورية، وقد قدم أعمالا شكلت علامات فارقة في المشهد التلفزيوني السوري والعربي، إذ أخرج العديد من الأعمال المميزة التي تناولت قضايا مهمة سواء بقالب جدي درامي، أم بأسلوب ساخر ناقد.
وكانت بداياته في إذاعة دمشق، إذ أخرج أعمالا إذاعية عديدة.
وقدم تجربته الإخراجية الأولى في التلفزيون في الثمانينيات من القرن الماضي، وكان أول ما أخرج برنامج “الأنيس والجليس” ثم أخرج مسلسل “تلفزيون المرح”.
في عام 1982 بدأ شربتجي في إخراج سلسلة مسلسل “مرايا” الشهيرة إلى جانب الممثل الكبير ياسر العظمة، وهو مسلسل كوميدي ناقد يتناول في حلقاته العديد من القصص والحكايات بأسلوب كوميدي ساخر، ينتقد فيه الأوضاع السياسية والاجتماعية في سوريا والبلاد العربية.
وقد نعاه رفيقه القديم ياسر العظمة في تغريدة على تويتر قال فيها: “في يوم ميلادي يرحل عنا صديق عزيز بدأنا معا مسيرة الفن الطويل، فاستعذبنا البدايات، رحمة الله عليك يا صديقي الغالي هشام وتعازي الحارة لابنته رشا ولابنه المخرج والمصور يزن ولكافة أسرته وأقربائه، أسكنه الله جنانه، وغفر ذنوبه جميعا وما البقاء إلا لوجه الله”.
حقق مسلسل مرايا نجاحا جماهيريا كبيرا، وقد شارك فيه مجموعة من أهم الفنانين السوريين.
كما في جعبة شربتجي العديد من المسلسلات الكوميدية التي حُفرت في الذاكرة السورية ولاقت رواجا عربيا، أبرزها إلى جانب مسلسل مرايا” مسلسل “عيلة خمس نجوم” ومسلسل”يوميات مدير عام” ومسلسل “بقعة ضوء” ومسلسل “مبروك”.
تميز أسلوب شربتجي بقربه من الواقع، وكان يرى أن عين المشاهد هي الأصدق: “عندما بدأت مسيرتي المهنية جئت إلى بيئة مختلفة تماما عما تعلمته أكاديميا، وكان ينبغي علي التنازل عن كل شيء تعلمته، ووجدت أن الأصدق في الفعل أن أتبع إحساس عين المشاهد لأنها أفضل من عين المخرج، وبالمحصلة فإن المخرج يحاول أن يحقق المعادلة بين تجريد الورق والنصوص، وواقعية الحياة”.
ومن أبرز أعماله الدرامية مسلسل” أسرار المدينة” و” أيامنا الحلوة” و”رجال تحت الطربوش” و”جرن الشاويش” والمفتاح”.
وقد لقب بـ “شيخ الكار” و” ملك الكوميديا” لما له من بصمة لا تمحى وأعمال لا يمكن نسيانها، لكنه لم يكن يحفل بالألقاب وقد قال في إحدى مقابلاته التلفزيونية “لدي ألم لا أريد أن يظهر للناس، أسموني شيخ الكار كذبا، وأسموني ملك الكوميديا كذبا، فبداخلي ألم كبير لا أريده أن يخرج للجمهور، فلندع الناس متفائلين.. لأني للأسف متشائم جدا”.
لكن هشام شربتجي الذي أغنى الدراما السورية والعربية كان يأمل بأن يترك بصمة خاصة ومما لا شك فيه أنه قد حقق أمله: “حاولت أن أقدم محبة… أن أقدم صناعة مهنة أشخاصها يكنون الاحترام لبعضهم البعض، ويكملون بعضهم البعض.. ويكفيني شرف المحاولة… فأنا أحب هذه المهنة”.