أخبار العالم

نظام عالمي جديد للقروض.. أهداف استراتيجية للصين



هذا “النظام العالمي الجديد للقروض” والذي ينافس المؤسسات الراسخة التي يسيطر عليها الغرب، تحدثت عنه دراسة حديثة نشرها مختبر “إيد داتا” للأبحاث والابتكار، عبر موقعه الإلكتروني في الثامن والعشرين من شهر مارس الجاري، تناولت تفاصيل قروض الإنقاذ عبر الحدود التي قدّمتها الصين للدول التي تعاني من أزمات مالية.

قام الباحثون في الدراسة ببناء مجموعة بيانات جديدة وشاملة حول عمليات الإنقاذ الخارجية للصين بين عامي 2000 وحتى نهاية 2021 وتوصلوا إلى رؤى جديدة مفاجئة:

  • شبكة خطوط المقايضة العالمية لبنك الشعب الصيني تم استخدامها بكثافة كآلية إنقاذ مالي، بأكثر من 170 مليار دولار أميركي في دعم السيولة الطارئة للدول التي تواجه أزمات.
  • البنوك والشركات الصينية المملوكة للدولة قدمت 70 مليار دولار أميركي إضافية في شكل قروض إنقاذ لدعم ميزان المدفوعات.
  • تتوافق عمليات الإنقاذ الصينية في الخارج مع أكثر من 20 بالمئة من إجمالي إقراض صندوق النقد الدولي على مدى العقد الماضي، وتنمو مبالغ الإنقاذ بسرعة.

قروض الإنقاذ الصينية

وطبقاً للدراسة نفسها، تختلف قروض الإنقاذ الصينية عن قروض المقرضين الدوليين الراسخين كملاذ أخير من حيث أنها:

  • غير شفافة.
  • لديها معدلات فائدة مرتفعة نسبياً.
  • تستهدف بشكل حصري تقريباً المدينين بمبادرة الحزام والطريق الصينية.

هذه النتائج لها آثار على النظام المالي والنقدي الدولي، الذي أصبح “متعدد الأقطاب وأقل مؤسسية وأقل شفافية”، بحسب تعبير المدير التنفيذي لـ aiddata برادلي باركس، في تقديمه للدراسة المنشورة.

خبير الشؤون الآسيوية، الدكتور جلال رحيم، يقول في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن ثمة علاقة لتلك القروض بـ “المناكفة” أو التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين حول النفوذ.

ويشير في الوقت نفسه إلى عددٍ من العوامل التي تتمتع بها الصين والتي تعزز دورها في هذا السياق، أهمها حضور الصين الواسع في منظمات إقليمية ودولية، أهمها:

  • منظمة شنغهاي التي تأسست في العام 2001 وتمثل الدول المنضوية تحتها 44 بالمئة من سكان العالم، و30 بالمئة من الاقتصاد العالمي.
  • تجمع البريكس الذي تمثل الدول العاملة فيه 41 بالمئة من سكان العالم وأكثر من 25 بالمئة من الاقتصاد العالمي، وتلعب الصين دوراً رئيسياً فيه بحيث يمثل ذراعاً صينياً مهماً تتمتع فيه بكين بالقيادة.
  • عضوية الصين في تلك التجمعات والموقع القيادي والريادي بها، توفر لبكين منافذ اقتصادية ومالية وجيوسياسية مهمة جداً.

دبلوماسية “فخ القروض” الصينية

ويوضح أن الصين من خلال سياسة الإقراض أو ما يعرف بـ “دبلوماسية فخ الديون”، تسعى لاستثمار عديد من الفرص، ولا سيما في إطار البرنامج الصيني الحزام والطريق، وبما أغرق دولاً فقيرة في فخ الديون الصيني، مع توسع إقراض بكين لدول متعثرة في العقود الماضية.

ويضيف: “المشروع الصيني الذي بدأ سنة 2013 لإعادة مشروع طريق الحرير القديم، يشكل برنامجاً اقتصادياً في ظاهره ولكنه برنامج جيواستراتيجي، يشكل ذراعاً لتمديد النفوذ الاستراتيجي في العالم، ومن ثمَّ يقلق هذا المشروع الولايات المتحدة الأميركية ويمثل التهديد الفعلي الأكثر جدية لنفوذ واشنطن”.

وفي سياق مجابهة العراقيل التي تواجه (الحزام والطريق) في البلدان التي تشملها المبادرة، عمدت الصين على التوسع في تقديم برامج إنقاذ مالي لعديد من تلك الدول، بحسب ما تُظهره البيانات التي توصلت إليها الدراسة، على النحو التالي:

  • 128 عملية “إنقاذ مالي” قامت بها الصين من مطلع الألفية وحتى نهاية سنة 2021.
  • بلغت قيمة قروض الإنقاذ المالي التي قدّمتها الصين لـ 22 دولة (خلال الفترة المذكورة) حوالي 240 مليار دولار.
  • 104 مليارات دولار قدمتها الصين لتلك الدول من 2019 حتى سنة 2021 فقط.
  • ارتفعت القروض الصينية للبلدان التي تعاني من ضائقة ديون من 5 بالمئة (من محفظة الإقراض الخارجي) في 2010 إلى 60 بالمئة في 2022.
  • الأرجنتين تصدرت القائمة كأكبر حصة من القروض (111.8 مليار دولار)، ثم باكستان (48.5 مليار دولار) ومصر ( 15.6 مليار دولار).

الأهداف الاستراتيجية لسياسة الإقراض

وجاءت تلك العمليات بعد سلسلة متصلة من عمليات إعادة هيكلة الديون، في ضوء عجز عديد من تلك الدول عن الوفاء بالتزاماتها تجاه سداد ما تم إنفاقه على المشاريع المرتبطة بالبنى التحتية.

وبحسب رحيم، فإن الصين ومع عجز بعض الدول عن سداد الديون المستحقة على ذلك النحو، فإنها “تتدخل مقابل التأثير السياسي أو الحصول على موارد وأسهم استراتيجية”، وهو ما يعد أحد الأهداف الاستراتيجية لسياسة الإقراض بصفة عامة، ويضيف مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الأخرى، بقوله:

  • أحد أهم الأهداف الاستراتيجية من سياسة الإقراض الصينية للدول المتعثرة أيضاً يتمثل في السيطرة على موانئ في المحيط الهندي لحل معضلة مضيق ملقا الذي تمر منه أكثر من 80 بالمئة من واردات الصين من الطاقة.
  • هذه السياسة الصينية تأتي دائماً لتقويض التحالف الإقليمي بين هذه الدول المستهدفة والولايات المتحدة الأميركية التي تجمعها علاقات تاريخية واستراتيجية بها.

يستدل رحيم على ذلك بـ “جزر المحيط الهادئ” والتي حصلت على عديد من القروض الصينية، وبما يتماشى وأهداف تمدد النفوذ الاقتصادي الصيني في مناطق النفوذ الأميركي، وهو ما يعبر عنه الاتفاق الأخير بين الصين وجزر سليمان، وهو الاتفاق الأمني الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة واعتبرته تهديداً وسابقة خطيرة تهدد نفوذ واشنطن في منطقة كانت تعدها الحديقة الخلفية لها.

  • الدراسة التي نشرها “إيد داتا” بالتعاون مع كل من البنك الدولي، وكلية كينيدي ومعهد كيل الألماني، حذرت من أن ما تمثله الصين من ملاذ أخير بالنسبة لتلك الدول ومع تمتعها بنفوذ كبير هناك إنما يشكل تهديداً واضحاً لـ “المؤسسات التي يقودها الغرب” من نهاية الحرب العالمية الثانية، في إشارة لصندوق النقد الدولي.

أدوات السياسة الخارجية

رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، المتخصص في الشؤون الصينية، عماد الأزرق، يشير في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن “القروض تعتبر آداة من أدوات السياسة الخارجية الصينية، تستخدمها في إطار مبادرة الحزام والطريق، والتي تمثل الذراع الأساسية للسياسة الخارجية الصينية منذ إطلاق المبادرة في العام 2013”.

ويضيف أن “هذه القروض تأتي بهدف تحسين التواجد الصيني في هذه الدول التي تشملها المبادرة؛ باعتبار أن أغلبها دولاً نامية وليست لديها ملاءة مالية تستطيع من خلالها تمويل خططها التنموية، وبالتالي توفر الصين هذه القروض لتحسين تواجدها الاقتصادي هناك”.

ويلفت إلى عامل التنافس الكبير بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، في وقت تنظر فيه واشنطن إلى بكين باعتبارها المهدد الأول لقيادتها للنظام الدولي، وتعتبر الصين أحد العناصر الفاعلة التي تعمل على تغيير طبيعة النظام الدولي القائم على الأحادية القطبية، وبالتالي “تحاول الولايات المتحدة بشتى الطرق عرقلة هذه المحاولات، من خلال إثارة المشاكل والأزمات في وجه الصين والضغط عليها على سبيل المثال في ملف تايوان وفي المحيطين الهندي والهادئ”.

قوة اليوان الصيني

ويتحدث رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، في ختام تصريحاته لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عن أثر تلك التوجهات المرتبطة بالقروض على “اليوان” الصيني، وذلك ضمن الأهداف الاستراتيجية التي تصبو إليها بكين، باعتبار أن “استخدام دبلوماسية القروض يحقق التقارب الاقتصادي مع الدول النامية بشكل كبير وبما يؤهل الجانبين في مراحل لاحقة للتعامل بالعملات الوطنية، وبما يعزز من وضعية وشأن اليوان كعملة دولية”.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى