من المزادات إلى السلالات النادرة: جولة داخل عالم مربي الحمام في الأردن
- ربيع الحمامصة
- بي بي سي نيوز عربي – عمان
تطير مجموعات الحمام الملون في أشكال دائرية فوق العاصمة الأردنية عمّان كل يوم مع ساعات الصباح الباكر وساعات الغروب. وتعود ملكية هذه المجموعات أو الأسراب إلى مربي الحمام أو من يعشقون هواية الاحتفاظ بالطيور وسلالاتها.
تتزين بعض أسطح منازل مربي الطيور والحمام في ضواحي عمّان الشرقية بالأقفاص المعدة للحفاظ على الحمام بمختلف سلالاته وأشكاله وألوانه، وليس من الغريب لعشاق تربية الحمام رؤية “الكَشّيش” أو “الزّقّيق” يُلَّوِحُ بعمود خشبي طويل من أعلى منزله لإبقاء سربٍ من الحمام في السماء، أثناء محاولته إطعام مئات من الحمام الموجود على سطح منزله.
يستفيد بعض مربي الحمام مادياً من خلال عمليات البيع والشراء، حيث يجتمع مربو الحمام في أحد المقاهي في عمان للمشاركة في مزادات الطيور، إذ يمكن أن يصل سعر الطائر من السلالة الفريدة والمميزة في المزاد إلى 20 ألفَ دينار أردني، أي ما يعادل 28 ألفَ دولار أمريكي.
تزخر بلاد الشام عموماً، والأردن خصوصاً بسلالات متنوعة من الحمام يطلق عليها اسم “الحمام الشامي” أو “الحمام البلدي” والتي تتمتع بصفات شكلية وسلوكية مختلفة عن أنواع الحمام الأخرى كالزاجل مثلاً.
مصطلح “الكَشّيش” أو “الزّقّيق”
من يتجول في وسط عمّان – “وسط البلد” كما يطلق عليه سكان المدينة – لابد له أن يمر بجوار محلات بيع وشراء الحمام القريبة من المدرج الروماني، حيث توجد أقفاص الحمام بشتى أنواعها داخل هذه المحلات التي يرتادها “عُشاق الحمام” من مختلف المحافظات الأردنية.
يمتلك عالم مربي الحمام في بلاد الشام قاموساً خاصاً به للمصطلحات، لا يعرف معانيه إلا من هو منخرط في هذا العالم، كما يقول لبي بي سي أحد مربي الحمام وصاحب محل لبيع وشراء الحمام، صبحي أبو يوسف: “تربية الحمام كغيرها من أنواع تربية الحيوانات الأخرى، نستخدم فيها كلمات وعبارات تشير إلى أشياء بعينها ونحن نعرف المعنى من وراءها، وعالم الحمام له مصطلحاته الخاصة به”.
ويضيف أبو يوسف: “تشير كلمة “كشّيش الحمام” إلى الشخص الذي يشتري الحمام كهواية له، ويقوم على رعايتها وتزويدها بالغذاء والدواء. بالنسبة للكشيش، الهدف من شراء الحمام هو الحصول على “متعة العين” عندما يراها تطير بمجموعات وتحلق في السماء. أما بالنسبة لمصطلح “الزّقّيق”، فيُقصد به الشخص الذي يشتري الحمام لفترة معينة ثم يبيعها من أجل التربح، ولكن هو الآخر بدوره يقوم برعاية طيوره وإطعامها ومعالجتها أيضاً”.
لطالما ارتبط من ينتمي لعالم مربي الحمام بصور مجتمعية نمطية غير إيجابية، فالبعض حتى يومنا هذا ينظر الى مربي الحمام نظرةً سيئة من خلال وصفهم “بالعاطلين عن العمل” أو “أصحاب أسبقيات”، وهو ما ينفيه أبو يوسف جملةً وتفصيلاً، قائلاً:” تَجْمَعُ تربية الحمام الجميعَ من مختلف الطبقات التي ينتمون إليها، فتجد المحامين والأطباء والمهندسين وأشخاصاً من الطبقة الغنية والمتوسطة والفقيرة في عالم تربية الحمام”.
المزاد وسلالات الحمام الفريدة
تزدحم محلات بيع طيور الحمام بالمئات من محبي ومربي تلك الطيور مساء كل يوم خميس أو جمعة من كل أسبوع للمشاركة في المزاد الأسبوعي لبيع وشراء الحمام، حيث توضع مجموعة من الحمام من مختلف السلالات في قفص ذهبي أمام الحضور، ليبدأ مُنظم المزاد العلني بطرح الأسعار والعروض للمهتمين من الحضور.
تختلف أسعار الحمام باختلاف أنواعها وسلالاتها وعمرها أيضاً، قد يصل سعر بعضها إلى آلاف الدنانير والبعض الآخر لا يتجاوز العشرة دنانير، ما يعادل 15 دولاراً أمريكياً. لكن إقامة المزاد الأسبوعي بحضور جمهور تأثر بشكل كبير بعد انتشار وباء كورونا، ما حدى بمحبي ومربي الحمام بإقامة المزاد الإسبوعي عبر الإنترنت من خلال صفحات مواقع التواصل الإجتماعي.
يقول خالد أيوب وهو أحد مربي الحمام لبي بي سي: “بسبب الوباء قمنا بعرض الطيور من خلال صفحات فيسبوك عبر خدمة البث المباشر، ولكن للأسف الشعور لا يمت بصلة للمزاد بشكل شخصي، لأنك لا تستطيع رؤية الطير بذات الطريقة ولمسه والتأكد من سلالته”.
لايزال الكثير من مربي الحمام في الأردن يعقدون المزاد الأسبوعي عبر الإنترنت من خلال مواقع التواصل الإجتماعي، رغم إنتهاء القيود المفروضة بسبب وباء كورونا في الأردن. ويتمنى أيوب عودة المزاد الأسبوعي بشكله القديم من خلال الحضور الشخصي و”الطبيعي” كما كان في السابق.
تحتوي المزادات بنوعيها؛ عبر الإنترنت أو التي تعقد في محلات بيع الطيور، على أنواع حمام تنتمي إلى سلالات فريدة ونادرة من حيث العدد أو الصفات الشكلية أو السلوكية، ومن بين هذه السلالات سلالة “الحمام الشامي” أو “الحمام البلدي”، والتي يأتي منها طير يطلق عليه “المُسَوْد”، والذي يمتلك لونَ ريش أسود لامعاً. ويعدُ المسود من الطيور كبيرة الحجم نسبياً، إذ يصل وزنه إلى 700 غرام.
يسافر معظم مربي الحمام في الأردن الى سوريا ولبنان من أجل الحصول على سلالات الحمام الشامي والعودة به إلى عمان من أجل عرضه للبيع مستفيدين من فارق العملة عند الشراء والبيع.
جمعية مربي سلالات طيور حمام بلاد الشام
تأسست أول جمعية للطيور والحمام في الأردن ومنطقة بلاد الشام في عام 2014، تحت مسمى الجمعية الأردنية التعاونية لمربي طيور الحمام وطيور الزينة. تمحور الهدف من تأسيس هذه الجمعية حول إقامة المعارض العربية والدولية لسلالات طيور حمام بلاد الشام وسلالات طيور الحمام الأجنبية وذلك من أجل إبراز مصطلح “تربية سلالات طيور الحمام في الأردن ومنطقة بلاد الشام”.
وفي مقابلة لبي بي سي، يقول مؤسس الجمعية ورئيس اتحاد جمعيات مربي طيور الحمام وطيور الزينة في الأردن، ناصر الهندي:”جاء الهدف من تأسيس الجمعية لتغيير الفكر بين أفراد المجتمع حول مصطلح “تربية طيور الحمام” من خلال تعريف أفراد المجتمع أن تربية طيور الحمام هي عبارة عن هواية كغيرها من الهوايات الأخرى”.
ويضيف الهندي: “مربو طيور الحمام هم شريحة من أفراد المجتمع المحترمين، منهم المهندس والمحامي والطبيب والسياسي، ومن أهدافنا نشر الوعي بين مربي طيور الحمام من أجل العمل على تحسين الإنتاج والحفاظ على السلالات الفريدة وانتاج سلالات جديدة وتطويرها إلى الأفضل”.
جاء تأسيس اتحاد جمعيات مربي طيور الحمام طيور الزينة والحيوانات الأليفة في الأردن عام 2019 للتواصل مع مربي الحمام والسلالات الفريدة في الوطن العربي لتوحيد الجهود من أجل القيام بعمل ندوات ودورات إرشادية وتعليمية وتوعوية لتبادل المعلومات واكتساب المعرفة والعلم في مجال تربية الطيور والحمام.
تأثير اقتناء سلالات الحمام على اندثار السلالات الفريدة
تشير العديد من الدراسات العلمية الحديثة إلى أن اقتناء سلالات الحمام الفريدة أو التجارة بها قد يكون عاملاً رئيسياً في انقراضها من جهة، والتأثير على التوازن البيئي من جهة أخرى.
تقول عالمة الأنثروبولوجيا والباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا، الدكتورة بيرين لاتشينال لبي بي سي: “إن اقتناء الحمام والطيور بمختلف أنواعه وسلالاته من قبل مربي الطيور ومحبي الحمام، أمرٌ يؤثر على نقاء سلالة الطيور والحمام من الناحية الجينية، ما قد يخلق أنواعاً وسلالات جديدة تكون ضعيفة جينياً وتساهم في اندثار السلالات الأصيلة”.
وتضيف الدكتورة لاتشينال:”ما يدق ناقوس خطر الاحتفاظ بسلالات الحمام والطيور، إمكانية نقل عدوى الأمراض البيكتيرية والفيروسية من الحمام الموجود لدى مربي الحمام إلى الحمام البري، والذي سينقل العدوى بشكل أكبر لوجوده في بيئته الطبيعية وهي البرية.”
قد تواجه السلالات التي يحتفظ بها مربو الحمام خطر ضياع تاريخ الطائر وموطنه، وذلك بسبب عدم قيام بعض مربي الحمام بتوثيق معلومات الطائر من خلال سجل يدوي أو حتى إلكتروني، وفقاً للدكتورة لاتشينال.
يذكر أن الطيور البرية وطيور الزينة من أكثر الكائنات الحية تأثراً بالتغير المُناخي بسبب خسارتها لمواطنها الأصلية بفعل الحرائق والفيضانات والبراكين والزلازل ونقص مصادر الغذاء الطبيعي لها.