ملف المياه يتصدر أولويات العراقيين خلال زيارة الرئيس التركي
يسعى البلدين إلى تعزيز أطر العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما ومستوى الشراكة والترابط الاستثماري والاقتصادي، ومن خلال تفعيل اللجان المشتركة لمتابعة تنفيذ مذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية بين البلدين الجارين.
يأتي ملف “المياه” على رأس الملفات ذات الأولوية بالنسبة للشعب العراقي، وهو ما يؤكده لدى حديثه مع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” مدير المركز العراقي الاقتصادي السياسي، وسام الحلو، والذي يشير في البداية إلى ما تحظى به زيارة الرئيس التركي إلى العراق من أهمية خاصة، وفي ضوء ما يربط بغداد من علاقات مع الجانب التركي يأمل العراقيون تطويرها بشكل كبير، وأن تكون هذه الزيارة بوابة لحل كثير من الملفات العالقة، أهمها “ملف المياه”.
ويضيف: “على الحكومة العراقية أن تستغل تلك الزيارة من أجل طرح جميع الملفات العالقة مع تركيا بشكل واضح، وأن تعمل على الخروج بنتائج إيجابية مرضية للطرفين وبما يلبي تطلعات العراقيين”، وذلك بالنظر إلى أن عديداً من اللقاءات التي تمت بين المسؤولين بالبلدين في السنوات الماضية لم تسفر عن نتائج عملية، ولم تخرج عنها إلا “تصريحات” دون فائدة، لا سيما فيما يخص ملف “المياه” الذي طال أمد حسمه بشكل كبير.
يُبرز الحلو ملفين رئيسيين يحظيان بأولوية خاصة بالنسبة للعراقيين فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا، وهما:
- أولاً- ملف المياه
يعاني العراق من نقص بالمياه في نهري دجلة والفرات (مع احتجاز تركيا للمياه في السدود التي بنتها).. نواجه اليوم “شبه جفاف” في العراق، ورغم وجود اتفاقات سابقة في السبعينيات والثمانينيات مع الجانب التركي لم يتم التوصل إلى حل عملي يُنهي أزمة المياه في البلد، وفق الحلو الذي يرى أن “قضية المياه هي الشغل الشاغل للعراقيين، وهذا الملف أهم من ملف النفط”.
- ثانياً: التأشيرات
من بين أهم الملفات التي تهم العراقيين في هذا السياق -في تصور مدير المركز العراقي الاقتصادي السياسي- هو ما يتعلق أيضاً بتأشيرات دخول العراقيين إلى تركيا، على اعتبار أنه في السابق كان يتم استخراج الفيزا في غضون يوم أو يومين “أون لاين”، بينما أقرت تركيا تعديلات على إجراءات حصول العراقيين على التأشيرات، وذلك من خلال شركة “غيت واي”، وباشتراطات أشبه باشتراطات الحصول على “الشنغن” ويتم رفض منح التأشيرة للبعض.
ويضيف: “هذه الإجراءات صعبت على العراقيين دخول تركيا، بينما كثير من العراقيين -بحكم القرب الجغرافي بشكل خاص- يفضلون الذهاب إلى تركيا، ومع نشاط تجارة الملابس والحلي والعطور، وزيادة المعاملات التجارية، حتى أصبح استيرادنا شبه يومي على مستوى الفواكه والخضروات وكثير من المواد”. ويوضح أنه رغم أثر الضوابط الجديدة لمنح الفيزا لازالت تركيا تتصدر أعداد السياحة العراقيين وعدد الرحلات الجوية.
ويشير في هذا السياق إلى العلاقات التجارية بين البلدين، لا سيما منذ العام 2003 وحتى اليوم، فضلاً عن الاستثمارات العراقية في تركيا، حتى أن العراقيين يعدون من أكثر مشتريين العقارات في تركيا.
- في العام 2022، سجل التبادل التجاري بين البلدين 15.2 مليار دولار، مقابل 12.8 مليار دولار في 2021.
- 23.6 بالمئة ارتفاعاً في الصادرات التركية لبغداد في 2022 (لتصل إلى 13.8 مليار دولار).
- 14.7 بالمئة نسبة نمو الصادرات العراقية إلى تركيا (بقيمة 1.4 مليار دولار) خلال العام نفسه.
وتكشف بيانات هيئة الإحصاء التركية عن أن العراق أكثر البلدان استيراداً للبضائع من تركيا، لا سيما في قطاعات الملابس والأثاث والمواد الغذائية.
وفي ضوء تطور العلاقات التجارية بين البلدين، رغم الملفات العالقة وعلى رأسها ملف “المياه” والتي يُنتظر حسمها بشكل واضح وبجدول زمني محدد، يرى الحلو أن الفرصة سانحة من أجل التوصل لتفاهمات أوسع من خلال الزيارة المرتقبة للرئيس التركي، ولا سيما في ظل مشروع طريق التنمية الذي يتبناه العراق، ومساهمة تركيا فيه.
ويلفت مدير المركز العراقي الاقتصادي السياسي، إلى البيان الصادر عن مجلس الوزراء أخيراً والذي أورد تفاصيل الاجتماع الذي جمع رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الثلاثاء، مع السفير التركي لدى العراق علي رضا كوناي، وهو البيان الذي أورد مجموعة من التفاصيل المرتبطة بآفاق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، واستعرض أوجه التعاون بين العراق وتركيا وسبل تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها، بما يخدم مصلحة الشعبين الصديقين.
- شهد اللقاء التباحث بشأن الزيارة المرتقبة للرئيس التركي إلى العراق، وإقامة منتدى العمل الاقتصادي المشترك بين البلدين في البصرة.
- تناول اللقاء مساهمة تركيا في مشروع طريق التنمية إلى جانب بقية دول الجوار.
- كما تناول كذلك ملف المياه المشتركة وخطط إقامة مركز قياس مشترك على الحدود العراقية التركية.
- أكد السوداني، خلال اللقاء، دعمه للتوجه الاقتصادي والتجاري بين البلدين، بما يطور مستوى الشراكة والترابط الاقتصادي والاستثماري، وضرورة تفعيل اللجان المشتركة لمتابعة تنفيذ مذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية بين البلدين الجارين.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي العراقي، عادل الدلفي، لدى حديثه مع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الزيارة المرتقبة للرئيس التركي إلى العراق تأتي لحل بعض المشاكل العالقة، من بينها استئناف ضخ النفط عبر خط أنابيب كركوك-جيهان، المغلق منذ شهر مارس الماضي.
وينقل خط الأنابيب المذكور 500 ألف برميل يومياً من النفط من إقليم كردستان إلى ميناء جيهان في تركيا، وتترقب سوق النفط إعادة استئناف العمل به. فيما يلفت الخبير الاقتصادي إلى أن تركيا تضررت جراء هذا التوقف.
ويشير الدلفي إلى أن “هذا الأنبوب متوقف منذ أشهر نتيجة عدم التزام حكومة كردستان بسداد مستحقات النفط وعائداته للعراق، بعد أن توصل الطرفان في اجتماع سابق لإمداد بغداد بـ 250 ألف برميل يومياً عن طريق شركة تسويق النفط العراقي.
ويُبرز الخبير الاقتصادي في الوقت نفسه ملف “المياه” باعتباره من أهم الملفات الرئيسية، مشيراً إلى الجفاف جنوب العراق، وأثر ذلك بشكل ملحوظ على الثروة السمكية والحيوانية في الجنوب، وعلى الواقع الزراعي في العراق عموماً في ظل افتقاد المياه، بينما اعتماد بغداد الرئيسي على نهري دجلة والفرات اللذان ينبعان من تركيا.
كما يشير في السياق نفسه إلى المساعي العراقية التركية من أجل التوصل لحلٍ، مردفاً: “يجب استغلال تلك الزيارة.. نحن نعاني في العراق من قلة المياه.. الزاعة توقفت.. وأصبحنا نعاني حتى فيما يتعلق من شرب المياه في بعض المناطق التي توقفت فيها مخطات الضخ في الجنوب”.
ومن بين أهم الملفات التي تتضمنها الزيارة، ما يشير إليه الدلفي بخصوص إنشاء مدينة اقتصادية في جنوب العراق، وهذه المدينة “يجب أن تكون متكاملة وأن تكون هنالك تفاهمات بين الجانبين العراقي والتركي”، مردفاً: “يتعين على رئيس الوزراء العراقي استغلال الفرص ذات التأثير الاقتصادي على الجانب التركي في المفاوضات القادمة بين الجانبين، لتقوية موقف المفاوض العراقي”.
ويتابع: “هناك تعامل تفوق الـ 15 مليار دولار سنوياً بين البلدين (في إشارة لحجم التبادل التجاري).. ويدخل تركيا يومياً من ألف إلى ألفين سائح عراقي، يتم منحهم 3 آلاف دولار من قبل الحكومة (في إشارة إلى حصة الدولار المتاحة للمسافرين العراقيين) وهذه المبالغ (سواء المرتبطة بعوائد التبادل التجاري وكذلك القطاع السياحي) تدعم الاقتصاد التركي بشكل كبير.. وتبعاً لذلك يتعين أن يكون المفاوض العراقي قوياً”.
ويضيف إلى تلك الملفات ما يتعلق بطريق التنمية الذي دعا إليه السوداني، والذي سيصل إلى أوربا عبر تركيا، وبالتالي فإن “العلاقات بين البلدين تمر بمرحلة انتعاش مهمة وسط ملفات ومشاريع مشتركة يجرى التباحث بشأنها”.وذلك بخلاف الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية.
ويختتم الخبير الاقتصادي حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بالإشارة إلى أهمية التحركات التي يقوم بها رئيس الوزراء السوداني من أجل استعادة مكانة العراق وحضوره، ويقول:
- السوداني منذ تسلمه منصب رئاسة الوزراء عمل على إعادة العراق للصف العربي والإقليمي والدولي.
- زار السوداني عدداً من الدول في منطقة الشرق الأوسط، من بينها السعودية والإمارات وإيران والأردن ومصر، ضمن جولات ولقاءات مختلفة تؤكد انفتاح بغداد على العالم.
- خطوات السوداني تأتي في الاتجاه الصحيح، من خلال تطوير العلاقات الإقليمية والدولية، وهذا ضروري جداً لإنعاش العراق وإعادته لحيث ما كان.
- الجانب التركي بحاجة إلى هذه الزيارة المهمة جداً؛ لأن الانفتاح العراقي على العالم وإعادة العراق لمكانته الحقيقية يعني الكثير بالنسبة للمنطقة.