معضلة الصعود والهبوط بأسواق المال.. لماذا يسيء البعض فهمها؟
وفي هذا السياق، يُنصح عادة باستشارة المدير المالي لفهم نوعية الاستثمار الملائمة لكل شخص، وتحديد حجم المخاطرة وحدودها، لا سيما أن الكثير من المبتدئين في عالم المال -ربما حتى بعض المتعاملين بالفعل منذ فترة- يسيئون فهم معضلة الصعود والهبوط على نحوٍ واضح يستطيعون من خلاله تحديد حجم المكسب أو الخسارة.
تمرين حسابي بسيط ربما يُمكنه توضيح الصورة، وهو التمرين الذي شاركه المخطط المالي المعتمد تيد جينكين كالتالي:
- لنفترض أن شخصاً ما يستثمر 10 دولارات في سهم، ثم تنخفض قيمته إلى 8 دولارات (أي خسارة بنسبة 20 بالمئة).. ثم انتعشت قيمة السهم بعد ذلك بنسبة 20 بالمئة.
- هل يعني ذلك أن الشخص قد عاد لنقطة الأساس وحافظ على الـ 100 دولار بذلك (هبوط 20 بالمئة، ثم صعود 20 بالمئة)؟
- الإجابة “لا”.. يؤدي هذا الصعود الأخير بنسبة 20 بالمئة إلى إرجاع قيمة السهم إلى 9.60 دولار وليس 10 دولارات.
- سوف يتطلب الأمر زيادة بنسبة 25 بالمئة لاستعادة الخسارة الأولية البالغة 2 دولار بالكامل (على اعتبار أن نسبة الزيادة الـ 20 بالمئة هي زيادة على سعر السهم الجديد بعد الخسار، أي زيادة على الـ 80 دولاراً).
يحتاج الكثيرون إلى مزيد من التركيز لفهم هذا التمرين الحسابي البسيط وإدراك هذه المعضلة، وبالتالي بناء قراراتهم الاستثمارية بناءً على ذلك الفهم.
يمكن هنا تطبيق هذا التمرين على نموذج واقعي بالفعل مرتبط بمؤشر S&P 500، فقد انخفض المؤشر (الذي يضم أسهم أكبر 500 شركة مالية أميركية من بنوك ومؤسسات مالية) في الأيام الأولى من جائحة كورونا بنسبة 43 بالمئة، من 3386.15 نقطة في 19 فبراير 2020 إلى 2237.40 نقطة في 23 مارس 2020.
استعاد المؤشر قيمته بحلول 18 أغسطس من ذلك العام، عندما أغلق عند 3389.78 نقطة، محققاً مكسباً بنسبة 52 بالمئة من النقطة المنخفضة في مارس (أي أنه لتعويض خسارة الـ 43 بالمئة، احتاج لارتفاع 52 بالمئة).
قواعد أساسية للتعامل مع المكسب والخسارة
في السياق، تُحدد خبيرة أسواق المال بالقاهرة، حنان رمسيس، لدى حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، عدداً من القواعد الرئيسية لفهم طبيعة الاستثمار والتعامل مع معضلة الصعود والهبوط في أسواق المال، على النحو التالي:
- مع اتخاذ قرار الاستثمار يتعين أولاً قياس مدى القدرة على تحمل المخاطر، فإذا لم يكن الشخص لديه هذه المقدرة، فتكون القناة الأمثل بالنسبة له هي الإيداع البنكي والابتعاد عن المخاطر. أما إن كان يتمتع بالقدرة على المخاطرة فيُمكنه دخول أسواق المال.
- يُنصح في البداية باستثمار “الفائض” المالي المتوفر (عدم المغامرة برأس المال الأساسي) مع الأخذ في الاعتبار أن السوق تتعرض لتقلبات، وتبعاً لذلك يتعين إدراك سيناريوهات المكسب والخسارة.
وتُجيب رمسيس في معرض حديثها عن عددٍ من الأسئلة فيما يخص حسابات المكسب والخسارة، وصعود وهبوط الأسواق.
أولاً: “ما الذي يُحدد المكسب والخسارة؟”
- قناعة الشخص بحجم المكسب والخسارة (وضع حدود معينة) هي التي تحكم هذا الأمر، فعلى سبيل المثال إذا ما ارتفعت الأسهم بنسبة 10 أو 15 بالمئة هناك من يكتفي بهذا القدر وفق قناعاته لحدود المكسب، ويبدأ في جني الأرباح، بينما على الجانب الآخر هناك من يتطلع لصعود أعلى.
- ضرورة إدراك أنه لا يمكن لأسهم أن تصعد إلى ما لا نهاية، فمن الطبيعي أن تصل إلى نقطة تزداد معها العروض، وبالتالي ينخفض السعر.
ثانياً: “ماذا يحدث لو انخفض السعر؟ كيف يمكن استيعاب الخسائر؟”
- طالما أن المستثمر لم يقدم على البيع فإنه “لم يخسر بعد” وتظل الخسائر هي خسائر دفترية (وكذلك بالنسبة للمكاسب تبقى مكاسب دفترية مادام لم يتم البيع).
- حال انخفاض السعر، يمكن إذا كانت هناك سيولة كافية شراء أسهم أخرى، ليتم بعدها الخروج من الأسهم بناءً على متوسطات محسوبة لتعويض الخسارة.
- إذا لم تكن هناك سيولة متوفرة لشراء أسهم جديدة وتحديد متوسط للخروج، يتعين احترام نسبة الخسارة كما نسبة المكسب.
- يمكن أيضاً في حالة عدم توافر السيولة تحويل الأسهم إلى “استثمار طويل الأجل” إذا كانت الشركات مستقرة وتمنح كوبونات أرباح، ولديها خطة لزيادة النشاط والتوسع من خلال فتح أسواق جديدة، وبالتالي تكون تلك الأسهم “أسهماً استراتيجية” في محفظة المستثمر.
وتنصح خبيرة أسواق المال في جميع الحالات (الصعود والهبوط) باستشارة مدير الاستثمار الخاص، فضلاً عن متابعة دقيقة للأسواق، لمعرفة ما يدور من تطورات على الأصعدة كافة، وفي ظل تأثر أسواق المال بالأخبار والتطورات المختلفة.
ثقافة الاستثمار
من جانبه، يلفت الخبير الاقتصادي المصري الدكتور السيد خضر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى العامل المرتبط بـ “الثقافة الاستثمارية”، مشيراً إلى أن ثقافة المستثمر تلعب دوراً رئيساً في إدراك معضلة الصعود والهبوط في أسواق المال وبالنسبة للاستثمارات غير المباشرة.
ويلفت إلى أن ثقافة المستثمر تغيب عن البعض، وبما يؤثر على الأسواق، موضحاً أن شيوع الثقافة الاستثمارية يسهم بشكل كبير -سواء على مستوى الأفراد العاديين أو المستثمرين الكبار- في توسيع القاعدة الاستثمارية، وبالتالي من الأهمية بمكان التوسع في التوعية بأساليب العمل في سوق المال.
ويقدم خضر في هذا السياق مجموعة من النصائح، على النحو التالي:
- عدم المخاطرة باستثمارات كبيرة في البداية، حتى فهم السوق وطرق التعامل فيما يخص الربح والخسارة.
- الحرص على تنويع المحفظة الاستثمارية، لتضم أسهماً في قطاعات مختلفة، دون أن يتم تركيز الاستثمارات كلها في قطاع واحد (لا تضع البيض في سلة واحدة).
- فكرة التنوع تلك تسمح بالمحافظة على الاستثمارات، لجهة أنه في حالة ما إن خسر قطاع معين فإن قطاعاً آخر يعوض الخسائر التي مُني بها الفرد في القطاع الآخر.
- التركيز على الشركات التي تتمتع بمستوى استقرار مناسب في البداية.
- رسم تنبؤات مستقبلية للقطاعات في ضوء التطورات الجارية، للاستفادة من الفرص التي قد يشهدها أي من القطاعات في ضوء تلك التطورات.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى دور الشركات المعنية في تقديم المشورة الاستثمارية وشركات التداول، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة أن تكون لدى الفرد ثقافة الشراء من خلال رؤية مستقبلية وبناءً على المعلومات.