مخاوف عالمية من سقف الديون الأميركية
دخلت مؤسسات دولية على خط أزمة سقف الديون الأميركية، مبديةً تخوفها من تداعيات عالمية للأزمة تتخطى حدود الولايات المتحدة، فيما قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، إنه لا يزال هناك عدم يقين بشأن متى ستنفد السيولة اللازمة لسداد ديون الحكومة، لكنها ستُبقي الكونغرس على علم بأي تغيير في الموعد الذي قد يكون في الأول من يونيو (حزيران) تقريباً.
وعلى هامش حضورها اجتماعاً لوزراء مالية مجموعة السبع في مدينة نيغاتا اليابانية، قالت يلين لتلفزيون «بلومبرغ» إنها ستلتقي مع كبار المصرفيين في «وول ستريت» للحديث عن سقف الدين الأسبوع المقبل، ورأت أنه من المناسب أن يتحدثوا عن كيفية تأثير الجدل الخاص بسقف الدين على الاقتصاد الأميركي.
وأكدت مجدداً أن عدم رفع الكونغرس سقف الدين البالغ 31.4 تريليون دولار سيؤدي إلى كارثة اقتصادية ومالية. وأبلغت يلين المشرعين، الأسبوع الماضي، أن وزارة الخزانة لن تكون على الأرجح قادرة على دفع جميع فواتير الحكومة بحلول الأول من يونيو إذا لم يتم رفع سقف الدين الاتحادي.
وشددت يلين على أن «ما تحتاج إليه الأسواق العالمية والأسر والشركات الأميركية هو أن يروا أن لدينا (كونغرس) يلتزم بسداد الفواتير». وتابعت: «حال لم يفعل الكونغرس ذلك، فإنه سوف يعوق تصنيفنا الائتماني».
وأكد صندوق النقد الدولي، يوم الخميس، أن التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة الناجم عن الإخفاق في رفع سقف ديونها ستكون له «تداعيات خطيرة للغاية» على الاقتصاد الأميركي وكذلك الاقتصاد العالمي، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الاقتراض المحتملة.
وحث الصندوق كلاً من الديمقراطيين والجمهوريين في واشنطن على الوصول إلى اتفاق بشأن رفع سقف الدين العام. ونقلت «بلومبرغ» عن جولي كوزاك، المتحدثة باسم الصندوق، القول إن العواقب المحتملة نتيجة تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها ستشمل زيادة أسعار الفائدة واضطراب الأسواق المالية على نطاق واسع، مضيفةً أن هذه المشكلات ستضاف إلى الصدمات التي تعرّض لها الاقتصاد العالمي خلال السنوات القليلة الماضية بما في ذلك جائحة فيروس كورونا المستجد والحرب في أوكرانيا.
كما قالت كوزاك، في إفادة صحافية، إنه يتعين على السلطات الأميركية توخي الحذر بشأن نقاط الضعف الجديدة في القطاع المصرفي الأمريكي، بما في ذلك البنوك الإقليمية، التي يمكن أن تظهر في ظل الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة.
ولا يزال الخلاف مستمراً بين الرئيس جو بايدن وحزبه الديمقراطي وبين الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب حول الحاجة إلى رفع سقف الدين الذي يعكس الأموال الاتحادية التي سبق إنفاقها. ويصر بايدن على أن الكونغرس عليه واجب دستوري لرفع سقف الدين دون شروط، فيما يصر الجمهوريون على ربط أي رفع بتخفيضات شاملة في الموازنة.
كما قال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، إن احتمال تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها يزيد من المشكلات التي يواجهها الاقتصاد العالمي المتباطئ، وذلك في الوقت الذي تتراجع فيه الاستثمارات اللازمة لزيادة الإنتاج نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة ومستويات الديون. وقال مالباس لـ«رويترز»، (الجمعة): «هذا واضح، الأزمة التي يتعرض لها أكبر اقتصاد في العالم ستؤثر بالسلب على الجميع. ستكون التداعيات سيئة ما لم يتم ذلك»، مشيراً إلى ضرورة رفع سقف الدين الأمريكي.
وفي واشنطن، أرجأ الرئيس جو بايدن، ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثي، اجتماعاً بشأن سقف الدين، كان مقرراً (الجمعة). وقالت مصادر مطلعة على المحادثات إن التأجيل هو علامة على أن المحادثات على مستوى العاملين بدأت تحرز تقدماً.
وبخلاف معظم البلدان المتقدمة، تضع الولايات المتحدة سقفاً لحد الاقتراض ويجب على المشرعين بشكل دوري رفع هذا السقف لأن الحكومة تنفق أكثر من إيراداتها. وتجنبت يلين الرد على سؤال عما إذا كانت وزارة الخزانة ستواصل سداد مدفوعات الأوراق المالية إذا تم تجاوز سقف الدين – وهو احتمال أُثير خلال مناقشة سابقة لسقف الدين. وقالت إنه لا يوجد خيار جيد سوى أن يرفع الكونغرس سقف الدين كما فعل 80 مرة تقريباً منذ عام 1960.
وأشارت إلى أن وزارة الخزانة قد تكون قادرة على تقديم إيضاحات أكثر دقة حول الوقت المحدد لنفاد السيولة اللازمة لسداد فواتير الحكومة مع اقتراب الموعد.
ورفضت يلين الإفصاح عمّا قد تفعله وزارتها حال لم يرفع الكونغرس السقف، أو حال تعليق سقف الدين، قبل أن تجد الخزانة نفسها عاجزة عن تغطية كل الالتزامات الحكومية.
وبشأن أزمة كبرى أخرى، قالت يلين إن معظم البنوك الأميركية، بما في ذلك تلك التي تتراجع أسهمها، ستكون قادرة على سداد أموال المودعين غير المؤمَّن عليها، مضيفةً أن وزارة الخزانة تراقب الوضع عن كثب.
وذكرت يلين أن البنوك الأميركية الثلاثة التي انهارت في الأشهر القليلة الماضية كانت تعاني خسائر كبيرة ونسبة عالية جداً من الودائع غير المؤمَّن عليها، لكنّ النظام المصرفي بشكل عام يتمتع برأس مال جيد ولا يزال يحقق «أرباحاً قوية للغاية».
وعلى الصعيد الدولي، قالت وزارة الخزانة الأميركية إن يلين التقت وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر، يوم الجمعة، وأكدا أهمية العمل معاً للتصدي للتهرب من العقوبات الغربية على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا.
وقالت وزارة الخزانة، في بيان، إن «الوزيرة يلين أعربت عن تقديرها للتنسيق الألماني الوثيق بشأن تنفيذ العقوبات الروسية، وناقشت أهمية تنسيق الجهود للتصدي للتهرب من العقوبات».
وقدمت الولايات المتحدة وتحالف واسع من دول أخرى مساعدات اقتصادية وأمنية وإنسانية كبيرة لأوكرانيا، وفرضت في الوقت نفسه عقوبات وقيوداً على التصدير لتكبِّد روسيا تكاليف اقتصادية باهظة بسبب الحرب.
وقالت وزارة الخزانة إن يلين شددت أيضاً في اجتماعها مع ليندنر على أهمية بناء سلاسل توريد طاقة عالمية نظيفة وآمنة وقادرة على الصمود أمام التحديات، وأكدت الالتزام المشترك بشراكة قوية فيما يتعلق بالتعاون العالمي في مجال الضرائب.