ما هي تداعيات رفع الفائدة 2 بالمئة على الاقتصاد المصري؟
رفع البنك المركزي، مساء الخميس، أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس. وحدد سعر فائدة الإقراض لليلة واحدة عند 19.25 بالمئة وفائدة الإيداع لليلة واحدة عند 18.25 بالمئة. كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 18.75 بالمئة.
وقال المركزي المصري، في بيان، إن “التطورات الأخيرة للتضخم أظهرت ارتفاعاً واسع النطاق في بنود الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين، وهو ما يتطلب المزيد من التقييد النقدي، ليس فقط لاحتواء الضغوط التضخمية من جانب الطلب، ولكن أيضاً لتجنب الآثار الثانوية التي قد تنتج عن صدمات العرض، وذلك للسيطرة على التوقعات التضخمية للأسعار”.. ومما جاء في بيان المركزي أيضاً:
- تباطأ معدل نمو النشاط الاقتصادي الحقيقي بشكل طفيف ليسجل 3.9 بالمئة خلال الربع الرابع من العام 2022 مقارنة بمعدل نمو بلغ 4.4 بالمئة خلال الربع الثالث من العام 2022.
- استمر المعدل السنوي للتضخم العام في الحضر في الارتفاع ليسجل 25.8 بالمئة و31.9 بالمئة في يناير وفبراير2023، على الترتيب.
- سجل المعدل السنوي للتضخم الأساسي 31.2 بالمئة في يناير 2023، ووصل إلى أعلى معدل تم تسجيله تاريخياً في فبراير 2023 ليسجل 40.3 بالمئة.
وفي سياق تلك المؤشرات التي بنى المركزي قراره استناداً عليها، يترقب المصريون تداعيات قرار رفع أسعار الفائدة على الأسواق، وسط توقعات بطرح شهادات ادخارية جديدة ذات عائد مرتفع، وتساؤلات بشأن ما إذا كان سيشهد الجنيه المصري خفضاً جديداً تبعاً لذلك.
أعلى معدل تضخم
في هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن قرار البنك المركزي كان متوقعاً؛ نظرا للارتفاع غير المسبوق بمعدل التضخم، والذي وصل إلى 40.3 بالمئة وهو أعلى معدل تضخم في تاريخ الاقتصاد المصري، بينما يستهدف المركزي خفض معدل التضخم خلال الفترة المقبلة إلى حوالي 7 بالمئة، ومن ثم جاء القرار لاحتواء الضغوط التضخمية.
ويضيف أن البنك المركزي يحاول كذلك أن يجذب مزيداً من الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومي. لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن ثمة تحديات ناجمة عن استمرار رفع أسعار الفائدة، مفصلاً تلك التحديات بقوله:
- منذ بداية الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022 تم رفع سعر الفائدة بمقدار 10 بالمئة أي 1000 نقطة أساس.
- هذا المعدل “كبير للغاية”، وربما تكون له تأثيراته السلبية على مناخ الاستثمار المباشر وغير المباشر، وكذلك على زيادة تكلفة الاستيراد، فضلاً عن زيادة حجم الدين الحكومي.
وكان رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، الدكتور فخري الفقي، قد ذكر في وقت سابق أن “رفع معدل الفائدة بواقع 1 بالمئة لمدة عام يؤدي إلى زيادة فوائد الدين العام في الموازنة العامة بواقع 28 مليار جنيه”.
توقعات بطرح شهادات استثمار ذات عائد لا يقل عن 22 بالمئة
وفي معرض حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يشير الإدريسي، إلى التوقعات الخاصة بطرح شهادات ادخارية بفائدة مرتفعة، متوقعاً ألا تقل عن 22 بالمئة “لأنه لو قلت عن هذه النسبة سيتجه المدخرون والمستثمرون إلى سحب أموالهم والتوجه إلى مصادر استثمار بديلة، سواء أذونات الخزانة التي تمنح عائداً حوالي 22.5 بالمئة، أو التحرك لأوجه استثمار أخرى مثل الدولار والذهب”.
وعلى مدار العام الماضي 2022، رفع المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 800 نقطة أساس لتصل حينها إلى 17.25 بالمئة على الإقراض، و16.25 بالمئة على الإيداع. كما رفع نسبة الاحتياطي النقدي التي تلتزم البنوك بالاحتفاظ بها لدى البنك المركزي بواقع 400 نقطة أساس في سبتمبر 2022.
الحاجة إلى التشديد النقدي لتحجيم الضغوط التضخمية
من جانبها، تتفق منى بدير، وهي كبير الاقتصاديين بأحد البنوك الخاصة بالقاهرة، مع تقديرات الإدريسي، وتقول في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “كنا نتوقع أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة في حدود 200 نقطة أساس.. جاء القرار متسقاً بالفعل مع التوقعات في ظل تسارع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، ما يستدعي الحاجة إلى التشدد النقدي لتحجيم الضغوط التضخمية”.
وتعتقد بأن البنك المركزي لم يكن بمقدوره رفع أكثر من 200 نقطة أساس؛ على اعتبار أن رفع سعر الفائدة يتسبب في عديد من الضغوطات، لا سيما على الموازنة العامة من خلال مدفوعات الدين (..) وبالتالي لاحظنا أن المركزي قد أخذ في الاعتبار هذا الجانب، ويعطي لنفسه مساحة لتقييم الآثار خلال الفترة المقبلة”.
وتلفت كبير الاقتصاديين بأحد البنوك الخاصة بالقاهرة، إلى أنه في الوقت ذاته “مسار التضخم غير واضح، ومرتبط بشكل كبير بتحركات سعر الصرف، والتي لم تتضح بعد متى سوف تستقر، فضلاً عن تأثير أسعار الصرف على أسعار المحروقات، ومن ثم كان لابد أن يحافظ البنك المركزي على سياسات التشديد النقدي”.
هل يواجه الجنيه خفضاً جديداً؟
وحول ما إن كانت تداعيات القرار سوف تضمن خفضاً جديداً للجنيه المصري، تلفت بدير إلى أن “هذا الخفض ليس بالضرورة”، لكنها تشير في الوقت نفسه إلى أن “الفترة الماضية شهدت ضغوطاً كبيرة على الجنيه، في ظل طلب كبير على الدولار (..) ونرى السعر الرسمي يختلف كثيراً عن السعر بالسوق الموازية تعبيراً عن هذه الضغوط، في وقت لم يتحرك سعر الصرف الرسمي كثيراً”.
وتردف: “ربما يكون هذا سبباً وجيهاً لإمكانية حدوث خفض جديد في قيمة العملة، لكن هذا إن حدث دون أن تكون هناك تدفقات أخرى من برنامج الطروحات الحكومية على سبيل المثال، سيكون دون فعالية؛ لأن خفض العملة وحده لن يكون حلاً”.
البنك المركزي سيواصل العمل على كبح جماح التضخم
بدورها، تقول الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن البنك المركزي المصري سوف يستمر في العمل على كبح جماح التضخم والوصول إلى النسبة المستهدفة في حدود الـ 7 بالمئة بنهاية العام المقبل 2024، و5 بالمئة مع نهاية العام 2026، وبالتالي البنك يراقب أسعار السوق وأسعار الفائدة بشكل مستمر وفي حال حدوث أية تطورات سيأخذ إجراءاته اللازمة”.
وكان المركزي قد شدد في بيانه الخميس، على ضرورة تقييد السياسة النقدية كشرط أساسي لتحقيق معدلات التضخم المستهدفة، البالغة 7 بالمئة (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من العام 2024، و5 بالمئة (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من العام 2026.
وسوف تتابع لجنة السياسة النقدية عن كثب كافة التطورات الاقتصادية ولن تتوانى عن تعديل سياستها من أجل تحقيق هدف استقرار الأسعار.
وفيما يخص أسعار الصرف، تستطرد الدماطي قائلة: “ما من شك أن الطلب أكثر من العرض، وبالتالي شهدنا انخفاضاً في قيمة الجنيه مقابل الدولار، والبنك المركزي يتعامل مع الأمر بأسلوب تدريجي في تخفيض الجنيه أمام الدولار خلال الفترة الماضية”، معربة عن اعتقادها بأن البنك المركزي سوف يستمر في هذه السياسة أيضاً خلال الفترة المقبلة.
وتعول الخبيرة المصرفية، على الآثار المرتقبة لبرنامج الطروحات الحكومية على سعر الصرف، موضحة أنه بنهاية شهر رمضان سيتم تنفيذ الاستحواذات (طرح شركات حكومية للمشاركة مع المستثمرين).