ما هي العوامل التي دعمت ارتفاعات أسهم التكنولوجيا؟
ورغم النظرة المستقبلية الإيجابية لاتجاهات تلك الأسهم، في ظل ما تتمتع به الشركات من أداء مالي قوي، إلا أن بعض المحللين يرون أن أداء تلك الشركات “غير مستدام” ولا يستبعدون إمكانية أن تمثل هذه الارتفاعات القياسية “فقاعة” جديدة على غرار فقاعة الإنترنت.
بينما على الجانب الآخر، يراهن آخرون على استدامة تلك الارتفاعات والأداء القوي لهذه الشركات وفي ضوء ما يلقاه القطاع من دعمٍ رسمي واسع النطاق.
- حقق مؤشر ناسداك مكاسب قوية خلال النصف الأول من العام الجاري، بدعم من الأداء القوي لأسهم شركات التكنولوجيا في الأسواق الأميركية.
- بلغت نسبة مكاسب المؤشر حوالي 40 بالمئة.
- خلال النصف الأول، استطاع المؤشر الحفاظ على أربعة أشهر متتالية من المكاسب في أطول موجة مكاسب شهرية مستمرة في ثلاثة أعوام.
- سجل ناسداك مكاسب شهرية خلال يونيو الماضي بلغت 6.59 بالمئة.
بينما على الجانب الآخر، حقق مؤشر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 مكاسب بواقع 16.2 بالمئة خلال النصف الأول، كما سجل مؤشر داو جونز ارتفاعا بنسبة 3.88 بالمئة فقط.
أبرز العوامل
أستاذ الاقتصاد في مدرسة Kogod للأعمال بالولايات المتحدة، جيفري هاريس، يشرح في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أبرز العوامل التي تدعم الأداء القوي لشركات التكنولوجيا، على النحو التالي:
- استمرت شركات التكنولوجيا في تحقيق ارتفاعات كبيرة؛ لأنها تميل إلى تحقيق أرباح عالية الجودة بمرور الوقت.
- لقد قامت كثير من الشركات بعمل جيد في إدارة التكاليف مع صنع منتجات شعبية وقوية للسوق.
- طالما أن هذه الشركات يمكنها الاستمرار في إنتاج منتجات مبتكرة ومفيدة ، أتصور أنها سوف تستمر في الأداء الجيد بسوق الأوراق المالية.
- بهذا الصدد، لا أرى الارتفاع الأخير على أنه فقاعة بالضرورة، ولكنه نتيجة للأداء الجيد (والمستمر).
لكنه يضيف: “تعتبر شركات التكنولوجيا أيضاً أكثر خطورة من القطاعات الأخرى (..) لديها أيضاً تقلبات أكبر في الأسهم من معظم القطاعات الأخرى”، موضحاً أن “قطاع التكنولوجيا العام قوي بالنسبة لشركات التكنولوجيا التي تنتج المنتجات، بينما المجال الوحيد الذي قد يثير القلق هو شركات التكنولوجيا التي اعتمدت أكثر على الخدمات بدلاً من المنتجات”.
ويتابع الأكاديمي الأميركي: ” إذا بدأ الاقتصاد في التعثر ، فقد يُنظر إلى الخدمات (سواء كانت من شركة إلى شركة أو من شركة إلى مستهلك) على أنها أكثر تقديرية، لذا فإن التباطؤ الاقتصادي الواسع قد يضر جانب الخدمة في التكنولوجيا أكثر من ذلك بكثير”.
يتفق معه أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، أريس بروتوباباداكيس، والذي يشير في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن:
- عديد من شركات التكنولوجيا تحتل موقع الصدارة في الابتكارات، وسترتفع قيمة تلك التي تنجح منها بشكل عام.
- لكن ستكون هنالك عديد من الشركات التي ستفشل أيضاً.
- هذا الارتفاع في الأسعار لا يبدو وكأنه فقاعة على الإطلاق.
وكان قطاع التكنولوجيا قد شهد تصحيحاً قوياً منذ نهاية العام 2021، كما شهد مؤشر ناسداك انخفاضاً لافتاً في عام 2022 ومن ثم شهد مع بداية عام 2023 تعافياً قوياً لكنه لم يصل بعد إلى القمة التي وصلها في ديسمبر 2021.
الذكاء الاصطناعي
وفي السياق، يشير المدير التنفيذي بشركة VI Markets أحمد معطي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن “الارتفاعات التي تشهدها أسهم التكنولوجيا تأتي على خلفية تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي من المتوقع لها أن تشهد في السنوات المقبلة طفرات واسعة في هذا المجال، وهو المجال الرائد الذي تبني عليه الولايات المتحدة الآمال القادمة للحفاظ على دورها كرائدة في الاقتصاد العالمي”.
ويضيف: “تبعاً لذلك رأينا الشركات تسعى للتوسع وافتتاح مصانع جديدة في السوق الأوروبية، فأخيراً على سبيل المثال أعلنت انتل عن إنشاء مصنع في ألمانيا للرقائق باستثمارات أكثر من 30 مليار دولار.. بدأت الشركات الأميركية والأوروبية تنافس الصين بشكل واسع فيما يتعلق بالرقائق ولمنع بكين من الحصول عليها، لضمان ريادة الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي”.
ويوضح أن “المستثمرين يرون تلك المعطيات وبدأوا في بناء آمالهم وقراراتهم في هذا المجال، لا سيما في ضوء الدعم الحكومي من جانب الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لهذا التوجه (..)”، مشيراً إلى أن عددأ محدداً من الشركات تقود هذه الطفرة على رأسها (مايكروسوفت وانفيديا وميتا والفابيت وإنتل) علاوة على شركة (آبل).
ولا يعتقد المدير التنفيذي بشركة VI Markets بأن هذه الارتفاعات التي تحققها أسهم التكنولوجيا بالولايات المتحدة الأميركية تمثل فقاعة، لا سيما أن الذكاء الاصطناعي هو المجال الذي تبني عليه الدولة الأميركية آمالها للحافظ على قيادتها للعالم ومنع التوسع الصيني (في إشارة إلى الدعم الحكومي للقطاع).
ويلفت في الوقت نفسه إلى أن أي تراجعات “ستكون تصحيحات طبيعية، وسنرى مزيداً من الارتفاعات بعد ذلك”.
ويضيف معطي سبباً آخر للطفرة التي تحققها تلك الأسهم، يرتبط باعتبار المستثمرين ذلك القطاع على أنه “ملاذ آمن” خاصة في ظل التراجعات التي تشهدها أسعار الذهب والعقارات والعملات المشفرة، وبالتالي لم يبق أمام المستثمرين ملاذ لحماية أموالهم من التضخم سوى السندات والأسهم الأميركية”.
النصف الثاني من 2023
وفي السياق، يقول محلل أسواق المال، العضو المنتدب لشركة IDT للاستشارات والنظم، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” ، إن شركات التكنولوجيا -مع تحييد الظروف الاقتصادية العالمية المتوقع أن تؤثر على الاقتصاد الأميركي، بما في ذلك خطر الركود الاقتصادي- من المتوقع أن تواصل أداءها الإيجابي ليس فقط في النصف الثاني من العام الجاري، إنما بشكل مستدام لسنوات.
ويوضح استشاري نظم المعلومات، العوامل التي تدفع إلى ذلك، بالإشارة إلى أن ثمة عوامل ترتبط بكل شركة على حدة؛ فعلى سبيل المثال فإن شركة مثل انفيديا، فقد استفادت بانخراطها في العملات المشفرة وإطلاق معالج مخصص لتعدين العملات، وقد حققت نتائج أعمال كبيرة على مدار السنوات الماضية. كما استفادت كذلك من الحاجة الى طاقة حاسوبية عالية لمعاجة نماذج الذكاء الاصطناعي.
ارتفع سهم الشركة الرائدة في صناعة الرقائق بالذكاء الاصطناعي، انفيديا -الأفضل أداءً في S&P 500 هذا العام وفقًا لبيانات FactSet- بنسبة 190 بالمئة في النصف الأول (وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في مايو).
كما ارتفعت أسهم “آبل” بنسبة نحو (50 بالمئة)، ومايكروسوفت (43 بالمئة)، وألفابيت (36 بالمئة)، وأمازون (55 بالمئة)، وتسلا (113 بالمئة) وميتا (138 بالمئة).
ويضيف سعيد: “شركات أخرى استفادت من الطفرة التي يشهدها الذكاء الاصطناعي في نمذجة اللغة المتطورة، مثل (شات جي بي تي).. وفي ضوء الطفرة المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في تخليق المحتوى وبما يرفع من استخدامات التكنولوجيا في الفترات المقبلة (..)”.
وبخلاف أثر الذكاء الاصطناعي فضلاً عن الطفرة المحققة بالنسبة لمصنعي المعالجات والمعالجات المساعدة، يلفت خبير أسواق المال في الوقت نفسه إلى شركة “آبل” على الجانب الآخر كنموذج فريد في صناعته، ولا تزال منتجاته تحتل الصدارة في القطاع.
عامل مهم أسهم في الأداء القوي لمؤشر شركات التكنولوجيا الأميركي، وهو أداء سهم شركة “آبل”، التي تخطت قيمتها السوقية حاجز الـ 3 تريليونات دولار، لأول مرة في التاريخ.
السهم حقق مكاسب خلال يونيو بلغت 9.39 بالمئة، و19.41 بالمئة خلال الربع الثاني، وارتفع بقوة منذ بداية العام بـ 51 بالمئة.
شركات التكنولوجيا الأخرى شهدت أداءً إيجابياً أيضاً بدعم من ثورة الذكاء الاصطناعي التي اجتاحت العالم، فرفعت الطلب بقوة على المنتجات المتعلقة بهذا الأمر، وخصوصا الرقائق الإلكترونية، لتقفز بذلك القيمة السوقية لشركة “إنفيديا” فوق مستوى التريليون دولار خلال النصف الأول من العام.
فقاعة!
لكن على الجانب الآخر، يقول المؤسس وكبير الباحثين في The Problem Lab بجامعة واترلو الكندية، لاري سميث، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
“تجدر الإشارة إلى أن عدداً قليلاً فقط من شركات التكنولوجيا تطير عالياً بسبب رؤوس أموالها الضخمة، الأمر الذي انعكس على مؤشر التكنولوجيا عموماً”. ويشير إلى أن “معظم شركات التكنولوجيا الأخرى (الصغيرة) تعمل بشكل أقل أو تكافح”.
ومن هذا المنطلق، يعبر سميث عن شكوكه بشأن الاستدامة المستقبلية لشركات التكنولوجيا الناجحة، مشدداً على أهمية مراعاة دروس التاريخ في تقييم استثماراتها، قائلاً: “السؤال الذي نوجهه للمستثمرين الآن: لماذا تعتقدون بأن الشركة التي نمت بشكل كبير خلال تعطل السوق لا يمكن أن تتعطل بدورها؟”.
منافسة شرسة
من جانبه، يلفت أخصائي التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن “طفرة الذكاء الاصطناعي غيّرت بشكل كبير شركات التكنولوجيا، والتي تشهد قفزات واسعة بالأرباح، سواء بالنسبة للشركات المشاركة في تطوير تلك التقنيات والمستثمرة فيها”.
ولا يعتقد بأن تلك الارتفاعات تشكل “فقاعة”، في إشارة للاستدامة المتوقعة لأداء الشركات على ذلك النحو من الارتفاع، مستنداً في ذلك إلى “التنافس القوي” بين القوى الدولية الكبرى (الولايات المتحدة والصين وأوروبا) على تقنيات الذكاء الاصطناعي “ذلك أن كل جبهة من تلك الجبهات تعمل من أجل أن يكون لها حضور أكبر في ذلك القطاع، وبما يعزز فرص التنافس، وكلما زادت المنافسة زادت الشراسة بسوق العمل على تقديم الأفضل والأسرع، وبالتالي الشركات العاملة في القطاع تستفيد من ذلك بشكل كبير”.
وتبعاً لذلك فإنه يتوقع أن تكون هنالك “قفزات كبيرة” في قيمة شركات التكنولوجيا العالمية، بمجرد دمج تقنيات جديدة للذكاء الاصطناعي بمنتجاتها وخدماتها المختلفة.
لكنه في الوقت نفسه، يلفت إلى أثر نمو تلك الشركات والتوسع في تقنيات الذكاء الاصطناعي على الوظائف، كون الذكاء الاصطناعي يهدد عديداً من الوظائف التي تتطلب مهارات خاصة، وبما يعني تخفيف الأيدي العاملة والموظفين”.