ما هي البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي وسبل الحد منها؟
وفيما تمتلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي إمكانية تحسين فهم الناس للتغيرات المناخية وتقديم حلول في ذلك الصدد، إلا أن الوجه الآخر لتلك التطبيقات ينطوي على آثار بيئية متناقضة تماماً مع تلك الأهداف، وذلك بالنظر إلى ما يعرف بـ “البصمة الكربونية” للذكاء الاصطناعي نفسه، والتي تتضخم كلما زادت تجارب تعلم الآلة وفي ظل المنافسة القوية بين الشركات العاملة في هذا القطاع حالياً.
- البصمة الكربونية هي التأثير البيئي للأنشطة البشرية، مثل استهلاك الطاقة والانبعاثات، ما يسهم في تغير المناخ والتدهور البيئي.
- البصمة الكربونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي هي مجموعة من الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي تتركها هذه التقنيات على البيئة والمجتمع والاقتصاد.
- يشير هذه المصطلح إلى الأثر البيئي الكلي لعمليات تطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، والذي يشمل مجموعة من العوامل منها استهلاك الكهرباء والموارد، فضلاً عن عمليات تدريب وبيانات نماذج الذكاء الاصطناعي التي تتطلب كميات ضخمة من البيانات يمكن أن تؤدي بدورها إلى زيادة الحاجة إلى تخزين البيانات ونقلها، مما يستدعي مرافق تقنية مكثفة وبنية تحتية تكنولوجية، جنباً إلى جنب وعمليات تصميم الخوارزميات التي يمكن أن تؤثر على كفاءة استخدام الموارد.
وبينما لا توجد بيانات شاملة لحجم البصمة الكربونية الإجمالية للذكاء الاصطناعي، في ظل صعوبات تقدير ذلك نظراً لتشعب العمليات، فإن عديداً من الدراسات قد تناولت جانباً من الآثار البيئية التي تبرز تلك البصمة الكربونية بالتطبيق على نماذج توليدية بعينها.
البصمة الكربونية
من جانبه، يقول المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن تقنيات الذكاء الاصطناعي تعد من بين أهم الابتكارات التكنولوجية في عصرنا الحالي، وتشمل مجموعة واسعة من التطبيقات التي تؤثر على حياتنا اليومية. ومع الاستخدام المتزايد لهذه التقنيات، تزايدت أيضاً المخاوف بشأن بصمتها البيئية، المعروفة باسم البصمة الكربونية.
ويحدد بانافع أبرز الآثار البيئية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، على النحو التالي:
- استهلاك الطاقة: يعد استهلاك الطاقة مساهماً بارزاً في البصمة الكربونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي. يتطلب تدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة قوة حسابية كبيرة، مما يؤدي إلى استهلاك كبير للطاقة.
- البنية التحتية الرقمية: يتطلب تمكين تطبيقات الذكاء الاصطناعي بنية تحتية رقمية متقدمة بما في ذلك مراكز البيانات الكبيرة ومتطلبات الاتصالات عالية السرعة. وهذا يتطلب أيضاً استهلاكاً إضافياً للطاقة واستخدام الموارد الطبيعية في البناء والصيانة.
- الإلكترونيات وإعادة التدوير: تتضمن صناعة الذكاء الاصطناعي استخدام المواد الإلكترونية وأجهزة الكمبيوتر، مما يتطلب استخراج الموارد وإنتاجها، مما يسهم في الانبعاثات واستهلاك الموارد.
ويشار هنا أيضاً إلى التأثير الاجتماعي، والمرتبط بأن استخدام التقنيات الذكية الاصطناعية يمكن أن يؤثر على سوق العمل وبما يتطلب إعادة تأهيل القوى العاملة، مما يؤثر على الاقتصاد والمجتمع، وبما لذلك من اثار على البيئة. وذلك بالإضافة أيضاً إلى التأثير على الصناعات، فقد تحل تقنيات الذكاء الاصطناعي محل العمل البشري في بعض الصناعات، ما يؤثر على وظائف ومعيشة عديد من الأشخاص.
الضغط على شبكات الكهرباء
وطبقاً لمقال نشرته شبكة “بلومبرغ” للكاتب المتخصص في التكنولوجيا، تيم كولبان، فإن “تزايد الاهتمام بتبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفاقم الضغط على شبكات الكهرباء عالمياً”، وأن عملية واحدة في سياق تنفيذ البيانات وتحليلها عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تفرز 500 طن من الانبعاثات (ما يعادل 10 أضعاف الانبعاثات الصادرة أثناء عمليات تدريب النموذج).
يحدث ذلك بينما لا تزال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مراحل مبكرة، وفي ظل وجود 12 شركة تكنولوجية حول العالم تتخذ خطوات في تطوير المنتجات التوليدية، تتنافس جميعها في الحصول على معالجات متعطشة للطاقة لتحليل وتوليد البيانات.
- المقال المذكور تناول إشكالية أن أنظمة الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تدخل في منافسة شديدة مع عملية تعدين البتكوين بالنسبة للاستهلاك الهائل للطاقة.
- كما يتناول استخدام معالجات “إنفيديا” الرسومية في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وكيف أن هذه المعالجات تستهلك طاقة عالية، في وقت يشهد فيه الطلب على هذه المعالجات نمواً كبيراً بسبب تزايد الاستخدامات التوليدية.
- كذلك يشير المقال إلى دراسة تجريبية توضح أن تدريب نموذج ضخم للذكاء الاصطناعي يستهلك طاقة كبيرة ويُسبِّب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ويُظهِر أيضًا أن عمليات الاستفسارات بعد التدريب تتسبب في استهلاك طاقة إضافي.
- استعرض المقال التحديات المستقبلية، مثل استمرار منافسة شركات التكنولوجيا واستمرار تزايد الاستهلاك الكهربائي، مع التأكيد على أنه لا يزال هناك وقت لتقديم حل مستدام لاستخدام الطاقة في مجال الذكاء الاصطناعي.
الحد من البصمة الكربونية
ولمواجهة هذه التحديات، ثمة عديد من الجهود المبذولة والتي تهدف إلى تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي أكثر فعالية من حيث استهلاك الموارد والطاقة، وتعزيز استدامة تطبيقاتها من خلال استخدام مصادر طاقة متجددة وتطبيق ممارسات بيئية أكثر فاعلية.
وفي السياق، يتحدث المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، عن الأدوات والسياسات التي يمكن من خلالها التخفيف من البصمة الكربونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، على النحو التالي:
- تحسين كفاءة الحوسبة: يمكن أن يؤدي تعزيز كفاءة الحوسبة من خلال تحسينات تصميم الأجهزة وتطوير خوارزميات أكثر كفاءة إلى تقليل استهلاك الطاقة.
- التدريب النموذجي الفعال: يمكن تقليل استهلاك الطاقة للتدريب النموذجي عن طريق تحسين العمليات، وتقليل دورات التدريب، واستخدام تقنيات لتحسين تدريب الشبكة العصبية.
- استخدام الحوسبة الموزعة: يمكن أن يؤدي استخدام شبكات أجهزة الكمبيوتر المترابطة إلى تقليل استهلاك الطاقة عن طريق توزيع المهام الحسابية عبر أجهزة متعددة.
- البنية التحتية الخضراء: إنشاء البنية التحتية الرقمية التي تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمكن أن يقلل من البصمة الكربونية لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
- إعادة التدوير والتخلص السليم: إن تشجيع استخدام المواد القابلة لإعادة التدوير في تصنيع الذكاء الاصطناعي وتطوير طرق للتخلص السليم من النفايات الإلكترونية يمكن أن يقلل من التأثير البيئي.
- البحث والابتكار: يمكن أن تسهم الأبحاث الجارية في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءة واستهلاكًا للموارد في تقليل البصمة الكربونية.
ويختتم بانافع تصريحاته بقوله: يسلط الوعي المتزايد بالأثر البيئي لتقنيات الذكاء الاصطناعي الضوء على أهمية اعتماد استراتيجيات مستدامة للتخفيف من بصمتها الكربونية. ومن خلال التحسين المستمر والتفكير الإبداعي، يمكن للمجتمع العالمي الاستمرار في الاستفادة من التقنيات الذكية دون المساس بالبيئة والأجيال القادمة.