ماذا يخفي قرار النيجر تعليق صادرات الذهب واليورانيوم لفرنسا؟
ولم يستبعد الخبراء وجود أسباب أخرى لهذا القرار سياسة واقتصادية ومنها فتح المجال أمام روسيا والصين للمزيد من التمدد في أفريقيا وخصوصاً أن الصين تأتي ثانياً بعد الولايات المتحدة باستهلاك اليورانيوم، وروسيا الرابعة بالاستهلاك بعد فرنسا التي تعد الثالثة عالمياً في استهلاك اليورانيوم في 2020، وفقاً للخبراء.
وكانت تقارير إعلامية أفادت اليوم بإصدار النيجر قراراً بوقف صادرات الذهب واليورانيوم إلى فرنسا، حيث أشارت التقارير إلى أن القرار الصادر عن رئيس المجلس العسكري سيكون ساري المفعول بدءاً من الأحد المقبل.
وتمثل النيجر كنزاً ثميناً لفرنسا باعتبارها أحد أقوى حلفاء باريس في دول الساحل والصحراء، فضلاً عن كونها مصدراً رئيساً للإمداد باليورانيوم المستخدم في إنتاج الكهرباء لملايين الأسر بالبلاد، إذ تصنف رابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم.
في عام 2021، زودت النيجر الاتحاد الأوروبي بنحو 25 بالمئة من إمدادات اليورانيوم، ما ساعد على إنتاج الكهرباء لملايين الأسر، وكان قرابة 35 بالمئة من اليورانيوم المستخدم في المفاعلات الفرنسية عام 2020، يأتي من النيجر.
وفي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال مازن سلهب كبير استراتيجي الأسواق في “BDSwiss MENA” : “قد لا تكون النيجر هي الدولة الأهم في أفريقيا من ناحية صادرات الذهب أو احتياطاته المؤكدة لكنها صدرت ذهباً بقيمة 2.7 مليار دولار في عام 2021 وفقاً للبنك الدولي، كما أن أكبر مناجم الذهب في أفريقيا ليست أصلاً في النيجر، بل في مالي والكونغو وغانا وتنزانيا على التوالي، وفيما يتعلق بالإنتاج، تتصدر غانا القارة الأفريقية بأكثر من 117.6 طن في عام 2021 وجنوب أفريقيا 100 طن والسودان 93 طناً ومالي 64 طناً وأخيراً بوركينا فاسو 45 طناً، علماً أن الإنتاج العالمي للذهب وصل تقريباً 3 آلاف طن في 2021 وفقاً لـ Energy Capital & Power”.
ويمكن القول إن “النيجر المستعمرة الفرنسية السابقة كانت قد حصلت على ما يقارب 100 مليون دولار مساعدات من وكالة التنمية الفرنسية في 2021 حيث تعتبر النيجر من أفقر دول العالم وأكثرهم نمواً سكانياً، دون أن ننسى أن هذه الدولة من حلفاء فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي ولذلك كان لهذا الانقلاب الأخير تأثير في علاقة النيجر مع فرنسا حيث تعتبر بعض الأوساط العسكرية في النيجر أن فرنسا دولة مستعمرة ولابد من توجيه رسالة قوية لقيادتها دون أن ننسى أن شركة أورانو Orano الفرنسية تدير عمليات تعدين يورانيوم مهمة جداً في شمال النيجر”، طبقاً لما قاله سلهب.
ويشير سلهب إلى أن “قادة الانقلاب في النيجر يحاولون توسيع هامش التفاوض للحصول على اعتراف من قبل الدول الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة الأميركية وذلك من خلال تعليق صادرات اليورانيوم إلى فرنسا وهي التي تحتاجه في صناعتها النووية وقطاع الطاقة، حيث كانت أسعار اليورانيوم قد ارتفعت 20 بالمئة تقريباً في عام ووصلت 56 دولاراً للباوند (500 غرام تقريباً)، كما أن النيجر ليست أكبر المنتجين مقارنة مع كازاخستان 46 بالمئة، وكندا 10 بالمئة وأستراليا 9 بالمئة التي تعتبر أكبر المنتجين في العالم وتأتي النيجر سادساً مع 5 بالمئة من الإنتاج العالمي”.
ويحتاج قادة الانقلاب الجديد إلى مصادر لتمويل إدارتهم الجديدة حيث هددت الولايات المتحدة الأميركية بتعليق مساعداتها بمئات ملايين الدولارات، كما أن الاتحاد الأوروبي جهز 500 مليون يورو تقريباً لدعم النيجر بين عامي 2021 إلى 2024, بحسب سلهب، الذي رجح أن يكون قرار تعليق صادرات الذهب واليورانيوم إلى فرنسا، جزءاً من خطتهم لرفع الأسعار وتأمين المزيد من التدفقات النقدية في الوقت الذي يبدو فيه هذا الرهان صعباً وغير مجد في المدى المتوسط والبعيد.
ونفى كبير استراتيجي الأسواق في “BDSwiss MENA” تأثر أسعار الذهب بعمق منذ أن حدث الانقلاب في النيجر، لافتاً إلى أن الذهب يتم تداوله حالياً عند 1960 دولاراً للأونصة مرتفعاً 2 بالمئة تقريباً في شهر كامل، ولكن بتأثير عوامل بعيدة تماماً عن أزمة النيجر.
ويضيف سلهب: “من المهم ألا ننسى عوامل أخرى سياسة واقتصادية في قرار النيجر وقد يكون منها فتح المجال أمام روسيا والصين للمزيد من التمدد في أفريقيا حيث تأتي الصين ثانياً بعد الولايات المتحدة الأميركية باستهلاك اليورانيوم، وروسيا الرابعة بالاستهلاك بعد فرنسا التي تعد الثالثة عالمياً في استهلاك اليورانيوم في 2020”.
من جهته يقول الدكتور ممدوح سلامة خبير الاقتصاد والنفط العالمي المقيم في بريطانيا في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “يأتي قرار النيجر تعليق صادرات الذهب واليورانيوم إلى فرنسا رداً على إرسال فرنسا لقواتها الخاصة إلى مالي جارة النيجر لمهاجمة مجموعات من المتمردين الذين يهددون أمن النيجر ولا سيما صناعة تعدين الذهب وتعدين اليورانيوم في النيجر”.
وأكد الدكتور سلامة أن فرنسا مصممة على حماية صناعة تعدين اليورانيوم في النيجر التي تديرها شركة أريفا الفرنسية، وخصوصاً أن صادرات النيجر من اليورانيوم إلى فرنسا تشكل 75 بالمئة من وقود اليورانيوم الذي تحتاجه الصناعة النووية الفرنسية.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي حسين القمزي أن قرار النيجر تعليق صادرات الذهب واليورانيوم إلى فرنسا قد يكون جاء كردة فعل على تصريحات الاتحاد الأوروبي بأنه لن يعترف الآن ولا في المستقبل بالحكومة الانقلابية، على الرغم من أن النيجر مهمة بالنسبة لفرنسا فيما يتعلق بتعدين اليورانيوم.
ويضيف القمزي: “بصورة عامة النيجر بلد فقير، وفي قاع قائمة الدول النامية اقتصاديا، فإذا لم يتم بيع اليورانيوم لفرنسا، ماذا سيفعلون به؟ فدون تصدير الذهب واليورانيوم سيتحول البلد إلى اقتصاد قائم على الرعي”.