لبنان.. صناعات محلية تولد من رحم الأزمة الاقتصادية
تشمل الصناعات البديلة المحلية اللبنانية طيفًا من المنتجات كالأدوية والمستلزمات والمستحضرات الطبية البسيطة.
ووجد أصحاب مصانع في لبنان فرصة لكسب المستهلك اللبناني غير القادر على شراء المنتجات المستوردة، فيما وجد عدد قليل من الصناعيين اللبنانيين في الأسواق الخارجية منفذًا لتسويق منتجات محلية الصنع.
تحتل الصناعات الغذائية صدارة الصناعات المحلية اللبنانية مستفيدة من تميّز أصناف ومذاق المطبخ اللبناني.
لكن أرباب الصناعة اللبنانيين يشكون من تقصير الدولة في تسويق منتجاتهم وتجاهل أهمية التشريعات الحامية للقطاع الصناعي.
ويشكو أصحاب المصانع اللبنانية من عدم وجود دعم حكومي لهم وغياب أي حماية من منافسة المصانع غير المرخصة.
وإذا كانت أوراق الليرة اللبنانية قد تكاثرت بشكل غير مسبوق بعدما فقدت قيمتها النقدية في السوق، فإن بعض أقراص الدواء التي يسوق ويوصف بعضها لخفض الصداع الذي أصاب نفوس بعض اللبنانيين، تتكاثر بسرعة مذهلة لسد احتياجات السوق المحلية وربما غزو أسواق بلدان مجاورة.
عشرات الأدوية تصنّع هنا ويُطَوَّرُ غيرُها في مراكزِ أبحاث شهدت تحديثاً لافتاً منذ أزمة كورونا وانقطاع السبل لتأمين الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب الإغلاقات العالمية.
التقطت المصانع اللبنانية الفرصة فطورت معداتِها الصغيرة واشترت أجهزة ضخمة حتى تتمكن من تصنيع كميات تكفي السوق المحلي وتتجاوزه إلى أسواق دول أخرى.
فرص من رحم الأزمة
يقول كارول أبي كرم، المدير العام لـمصنع “فارمالاين” الدوائي، “منذ تأسيس مصنع فارمالاين كانت الخطة تهدف لصناعة الأدوية بما يواكب المعايير الصحية الدولية. وبعد الأزمة طورنا قسم الدراسات ونجحنا في تطوير 35 مستحضراً طبياً جديدا تتوافر في الأسواق المحلية والخارجية، وارتفعت مبيعات مستحضراتنا منذ عام 2029 إلى اليوم بنحو 63%. نسعى لتصنيع دواء نوعي بطريقة مستدامة، وبأسعار تراعي قدرة اللبنانيين الشرائية”.
انخفضت السيولة من الدولار والعملات الأجنبية في الأسواق، فلجأ أصحاب المعامل إلى تسييل مادة البلاستيك وتصميم عُبُوَّات تُملَأُ بمستحضرات تجميل وعناية صحية.
هذا التحول أنقذ رفوف مراكز السوبرماركت من فراغ تركته منتجات استهلاكية فُقدت من الأسواق بعد تعذر تسديد تكاليف استيرادها.
من عنق الأزمة الاقتصادية، خرجت فرصة استثنائية تلقفها الصناعيون في لبنان الذين لم يستطيعوا كسب المستهلك اللبناني طيلة السنوات.
ولم يعط اللبنانيون ثقتهم للمنتجات المحلية رغم توفّرها قبل سنوات الأزمة.
لكنهم اختاروها مرغمين بعد أن باتت أسعار السلع المستوردة تفوق قدرات مَحَافظ أموالهم المتخمة بعملة محلية ما عادت قيمتها تساوي شيئاً يذكر.
وقد نجح من استطاع أن يخاطب المستهلك المحلي ويلبي تطلعاته في المنتجات التي يسعر إليها. وهو ما ساعد المصنع على استحداث عشرات الأصناف من المنتجات والمستحضرات التجميلية والصحية التي تغطي كامل الجسم. وهو ما غطى حاجة السوق المحلي وتخطاه إلى أسواق عديدة في المنطقة.
العودة إلى الداخل
يقول جوان صراف، وهو رئيس مجلس إدارة مجموعة “ماليا” التجارية، “استفدنا من الأزمة لأنها ولدت طبقة من الناس تسعى لدعم الصناعة المحلية، بالإضافة إلى جزء من المستهلكين الذين اختاروا السلع محلية الصنع مجبرين قبل أن يجدوا أنها تلبي مطالبهم وتنافس أجور المنتجات المستوردة”.
وفي عقود ما قبل الانهيار، بدا واضحاً تقدم قطاع الخدمات في لبنان على حساب تراجع القطاع الصناعي الذي كاد يندثر لولا محاولاتٌ مريرة خاضها عدد قليل من الصناعيين الذي وجدوا في الأسواق الخارجية منفذا لتسويق منتجات لبنانية الصنع.
من ناحيته، يرى بول أبي نصر، وهو عضو في جمعية الصناعيين، أن سياسة تثبيت العملة الوطنية خلال سنوات ما قبل الأزمة أدت إلى رفع قدرتها الشرائية، فجعلت الإستيراد أقل كلفة من التصنيع. “لذلك اليوم، وبعدما تحرر سعر الصرف تحرر معها القطاع الصناعي واستطاع أن يملأ الفراغ في الأسواق الاستهلاكية”.
الطفرة الصناعية التي سجلت في لبنان، أتت في وقت ترفض فيه المصارف إعادة ودائع يمكن أن تشكل اللبنة الأولى لمزيد من المصانع، كما تمتنع عن تقديم قروض لتيسير المراحل الأولى لإنشاء المصانع أو زيادة سِعَاتها.