كيف تعزز التوترات بين الغرب والصين “البديل الهندي”؟
وفي سياق هذا الصراع، تصبو الهند إلى جني مزيد من المكاسب الاقتصادية، لا سيما في قطاع التكنولوجيا والقطاعات ذات الصلة، بينما تواجه في الوقت نفسه مجموعة من العقبات التي تسعى الحكومة هناك إلى تذليلها، خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية.. فإلى أي مدى يمكن لنيودلهي أن تستفيد من أزمات الصين من خلال تقديم نفسها كبديل قوي؟ وإلى أي مدى يُمكن أن يُترجم ذلك على آفاق اقتصادها الآخذ في النمو؟
يُتوقع أن يصل حجم اقتصاد الهند (التي تستضيف قمة مجموعة العشرين في سبتمبر المقبل) إلى 40 تريليون دولار في 2047.
وتشير المستهدفات الرسمية التي أعلن عنها وزير التجارة والصناعة، بيوش غويال، إلى خطة الوصول لثالث أكبر اقتصاد في العالم خلال السنوات الخمس المقبلة.
تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، أشار إلى أن “التوترات الجيوسياسية بين الغرب وبكين، تجبر المستثمرين على استكشاف وجهات استثمارية بديلة، وفي هذا السياق يريد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تعزيز إمكانات بلاده”.
وفي وقت تسود فيه الاقتصاد العالمي حالة من التشاؤم، يراقب مديرو الشركات والمستثمرون ليروا ما إذا كان الزخم الصعودي حول الهند سيستمر، بعد أن كافحت الدولة منذ فترة طويلة لتحقيق التوقعات الاقتصادية القوية، وفي ظل التقديرات المتكررة بأنها ستستمر في إعادة خلق النمو الاقتصادي الهائل في الصين ونمو الشركات.
- أعلنت الحكومة الهندية عن خطط لزيادة الإنفاق الرأسمالي بمقدار الثلث خلال السنة المالية الجديدة، إلى 10 تريليونات روبية (122 مليار دولار)، بعد زيادات كبيرة مماثلة في السنوات الأخيرة، في محاولة لتحسين البنية التحتية ودفع النمو.
- تضمنت الميزانية أيضاً إعفاءات ضريبية للشركات الناشئة، وخطوات أخرى مصممة لمساعدة الشركات الناشئة.
وتوسع اقتصاد الهند بنسبة 6.9 بالمئة في السنة المالية الماضية، ما يجعلها واحدة من أسرع الدول نمواً بين الدول الكبرى (طبقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية).
كما كان نصيب الفرد من النمو في انخفاض خلال العقد الماضي، وفقاً لتقرير صدر أخيراً عن مركز التقدم الاجتماعي والاقتصادي.
الهند تقدم نفسها للغرب كبديل عن الصين.. فهل تنجح؟
رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، عماد الأزرق، يقول في تصريحات خاصة لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن “الهند تقدم نفسها للغرب على أنها بديل للصين أو مكافئ لها”، موضحاً في الوقت نفسه أن “الولايات المتحدة تتعامل مع الصين على أنها قوة مكافئة لبكين في هذه المنطقة، لا سيما في ظل ما تتمتع به من كتلة بشرية هائلة قرابة المليار و400 مليون نسمة”.
ويتابع: “الهند لديها اقتصاد قوي للغاية، خاصة في مجال البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات، علاوة أن لديها جيش قوي، وكذلك لديها خلافات حدودية مع الصين، وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأميركية تراهن على نيودلهي في تحقيق توازن في هذه المنطقة، ولا سيما أيضاً أن الهند دولة نووية، ويمكن أن تلعب دوراً في تحقيق التوازن، وبما يمكنها من تحقيق مكاسب اقتصادية واسعة من الخلافات القائمة حالياً بين الصين من ناحية والغرب والولايات المتحدة من الناحية المقابلة”.
ويلفت الأزرق إلى أن “الاقتصاد الهندي يتقدم بصورة ملحوظة في عديد من المجالات، وتتمتع نيودلهي بعديد من المقومات الجاذبة، من بينها المساحات الشاسعة من الأراضي والتي يمكن أن تكون محركاً فاعلاً للاقتصاد وعامل جذب رئيسي للاستثمارات”، موضحاً في الوقت نفسه أن كثيراً من المستثمرين في الولايات المتحدة والغرب من الهنود، كما أن كثيراً من مديري شركات البرمجيات والاتصالات يحملون الجنسية الهندية، نظراً لتفوق الهند في هذا القطاع تحديداً.
وبالتالي يعتقد رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، بأن “الهند مع تلك المقومات يمكن أن تكون بيئة خصبة للغاية لمزيد من الاستثمارات الأجنبية، في ظل العقوبات المفروضة على الصين والصراع الحالي بين بكين والغرب.. ويُمكن أن تتركز تلك الاستثمارات الجديدة بشكل خاص في مجال التكنولوجيا والبرمجيات والرقائق الإلكترونية”.
وفي هذا الإطار، تقول الفاينانشال تايمز: “تزدهر في الهند خدمات مثل تكنولوجيا المعلومات، حيث ساعدت المجموعة الكبيرة من المهندسين المهرة الناطقين باللغة الإنجليزية في تحويل الهند إلى مركز تعهيد في العالم”.
الصراعات الدولية تعزز وضعية “قوى بديلة” من بينها الهند
أستاذ الاقتصاد، المستشار السابق بالبنك الدولي، محمود عنبر، يقول في تصريحات لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن الصراعات الحالية بين القوى الاقتصادية الرئيسية الكبرى، أو الصراع بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، يفسح المجال أمام مجموعة من القوى الأخرى لتشكل بديلاً اقتصادياً ملائماً يظهر على الساحة، بدءًا من الفرص التصديرية أمام تلك الدول (ومن بينها الهند) ووصولاً إلى قدرة تلك الدول على جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات مختلفة، في ظل حالة اللايقين المسيطرة على الأسواق.
ويستطرد: “الولايات المتحدة هي القطب الاقتصادي الأوحد منذ الحرب الباردة وعملتها (الدولار) هي السائدة دولياً في التجارة والاحتياطات النقدية، تأتي خلفاً لها الصين كثاني أكبر قوة اقتصادية، وتنضم روسيا كذلك إلى القائمة، بخلاف التكتل الأوروبي.. وبالتالي فإن الصراع بين تلك القوى، وسواء كان في صورته العسكرية أو الاستراتيجية والاقتصادية، ومع استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية كأحد أدوات الصراع، إنما يؤثر بشكل كبير على اقتصادات تلك الدول، وهو ما يتيح فرصة أمام البدائل الأخرى”.
ويستشهد بالهند التي وُجهت إليها الأنظار فيما يخص حجم إنتاجها من القمح، بعد الحرب في أوكرانيا، مردفاً: “في مصر على سبيل المثال، حيث كان الاعتماد بنسبة تصل إلى 80 بالمئة على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا، بعد تفجر الأزمة كانت الهند من بين البدائل الرئيسية للحصول على الحبوب”.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن “واحدة من الآثار السلبية لتداعيات الأزمات الراهنة بين المعسكرين الشرقي والغربي، هي حالة اللايقين المسيطرة على الاقتصادات، والتي تدفع إلى مخاوف واسعة بالنسبة للمستثمرين.. وبالتالي تتجه الأنظار إلى القوى البديلة”.
استثمارات جديدة
في الهند، بدأت شركة “آبل” التي تصنع أجهزة”آيفون” منخفضة الجودة هناك منذ العام 2017، في بناء أحدث طرازاتها في البلاد، لكن العمليات لا تزال في مرحلة مبكرة، وذلك في وقت تستكشف فيه شركات أخرى ما إذا كانت ستحذو حذو آبل، وفق تقرير “فاينانشال تايمز” الذي يستشهد على ذلك بقيام بنك SEB السويدي بترتيب جولة لكبار المديرين التنفيذيين في بلدان الشمال الأوروبي الباحثين عن فرص استثمارية في الهند، والتي تضمنت اجتماعات مع المسؤولين وكبار رجال الأعمال.
ورغم أن تلك الجولة لم تُترجم حتى الآن إلى المزيد من الصفقات، فإن المديرة الاقتصادية في IMA Asia وهو منتدى للمديرين التنفيذيين الإقليميين، بريانكا كيشور، تقول: “عندما يبدأون الحديث عن أي مكان آخر يتحولون إليه.. الهند تبرز بشكل كبير جداً في المحادثات”.
لكن على الجانب الآخر، تبزغ عديد من التحديات من بينها مشاكل “البنية التحتية”، وانخفاض القوة الشرائية هناك مقارنة بالصين. بينما تعمل السلطات الهندية جاهدة لتغيير هذا التصور.
الاقتصاد الهندي “محمي جزئياً” من الصدمات
وفي هذا السياق ومع عمل الحكومة الهندية على تجاوز التحديات، يرى عنبر أن ثمة دولاً محمية جزئياً من تبعات الصراعات الرئيسية باعتبارها ليست طرفاً.. وهو ما يشجع الشركات الكبرى والعملاقة إلى ضخ استثمارات جديدة في تلك الدول، ومن بينها الهند.
يتفق ذلك مع ما ورد في تقرير الصحيفة البريطانية المذكور، والذي اعتبر أن اقتصاد الهند “محمي جزئياً من الصدمات العالمية؛ بفضل سوقها المحلية الكبيرة”. لكن الهند في الوقت نفسه ليست محصنة من تبعات تباطؤ النمو تماشياً مع الاتجاهات العالمية، ومع تعرض القطاعات الموجهة للتصدير، مثل تكنولوجيا المعلومات بشكل خاص.. ومما ذكره التقرير في هذا الصدد:
- تتعرض الشركات الهندية الناشئة أيضاً إلى تباطؤ النمو العالمي، ما دفع المستثمرين الأجانب إلى إعادة توجيه الأموال بعيداً عن الأسواق الناشئة.
- تباطأ تمويل رأس المال الاستثماري الأجنبي للشركات الناشئة الهندية بشكل حاد (انخفض بنسبة 40 بالمئة، إلى 25.7 مليار دولار ، في العام 2022 مقارنة بالعام السابق عليه، وفقًا لمزود البيانات Tracxn)
وبالعودة لتصريحات عنبر، فإنه يوضح أن “انتهاء هذه الصراعات التي يشهدها العالمي من شأنه تشكيل خارطة اقتصادية جديدة وبديلة، وتتبارى الدول التي يمكن أن تشكل البديل لحجز مقعدها في هذا السياق”.
على الجانب الآخر، تحتاج الهند إلى مزيد من النمو في قطاع الصناعة بشكل خاص، على اعتبار أن التصنيع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي اقتصر على 15 بالمئة فقط من الإجمالي منذ تولي رئيس الوزراء منصبه في 2014، ورغم حملة (صنع في الهند) التي تبناها من أجل تعزيز القطاع.