كيف تؤثر عادات الاستهلاك على الاقتصاد والبيئة؟
يعتمد الاقتصاد الاستهلاكي على تعزيز وزيادة استهلاك السلع والخدمات، لتؤثر عادات الاستهلاك على الاقتصاد من خلال تحديد الطلب على المنتجات وبالتالي يؤثر على الإنتاج والوظائف، بينما لا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يؤثر أيضًا على البيئة من خلال زيادة الانبعاثات والاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية، ما يستدعي تحسين الوعي بأثر الاستهلاك واتباع عادات أكثر استدامة تسهم في تقليل الأثر البيئي وتحسين الاقتصاد بشكل عام.
ويلعب الاستهلاك دورًا أساسيًّا فى تحريك الاقتصاد، فمن أبرز تأثيراته في هذا الصدد:
- الطلب والعرض: عادات الاستهلاك تحدد مدى الطلب على المنتجات والخدمات، فزيادة الطلب تحفز الإنتاج والإنفاق، ما يؤدي إلى حدوث نمو اقتصادي، بينما على الجانب الآخر، تراجع الطلب يمكن أن يؤثر سلبًا على الإنتاج والوظائف.
- الاستثمار: اعتمادًا على عادات الاستهلاك، يقرر المستثمرون ما إذا كانوا سيستثمرون في توسيع الإنتاج وتطوير المشروعات الجديدة أم لا.
- القطاعات الاقتصادية: تؤثر عادات الاستهلاك على أداء القطاعات المختلفة، مثل التجزئة، الصناعة، والخدمات.
- التوظيف: زيادة الاستهلاك قد تؤدي إلى زيادة الإنتاج وبالتالي زيادة فرص التوظيف، في حين أن تراجع الاستهلاك يؤدي إلى تقليص الوظائف.
وأوضح مختصون في تصريحات منفصلة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، كيفية تأثير العادات الاستهلاكية على الاقتصاد والبيئة، وأيضًا كيفية التغلب على تلك التأثيرات.
نشاط اقتصادي
في البداية، ذكر رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، الدكتور رشاد عبده، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه بالرغم من أن زيادة الاستهلاك ترفع من معدلات التضخم، إلا أنها تزيد الرواج وحركة الأسواق وتؤدي لانتعاش السوق.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأميركية عندما فرضت عقوبات اقتصادية على الصين، اضطرت بكين إلى تشجيع مواطنيها على استهلاك السلع المحلية، ما أدى إلى زيادة الطلب على منتجات الشركات الصينية، لذلك لم تتأثر بتلك العقوبات، بل أدى ذلك لانتعاش الاقتصاد الصيني بصورة كبيرة بعد زيادة الاستهلاك.
وأكد أن زيادة الاستهلاك ترفع من اقتصاديات الدول، فكلما زاد الاستهلاك المحلي كلما تقدمت الدول، موضحًا أن زيادة الطلب على منتجات الشركات تزيد من خطوط إنتاجها، ما يؤدي بدوره إلى زيادة عدد المصانع والتصدير للخارج ومن ثم إدخال عملة أجنبية للدولة.
من جانبها، أوضحت خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن العادات الاستهلاكية تختلف ما بين دولة وأخرى وما بين طبقة اجتماعية وأخرى، حسب مواردها المتاحة وظروفها الاقتصادية.
وأشارت إلى أنه على سبيل المثال في بعض المناطق الغنية بالثروات النفطية يسود نمط الاقتصاد الاستهلاكي، بسبب وجود وفرة مالية مع انخفاض نسب التضخم، لافتة في الوقت ذاته إلى أن كثيرا من تلك البلدان بدأت في تخفيض الاستهلاك الذي ينتج عنه جزء كبير من الهدر.
وذكرت أن ارتفاع معدلات التضخم في منطقة شمال أفريقيا على سبيل المثال أيضا، ولاسيما مصر، خفضت القوة الشرائية للعملات الوطنية، وبدأ المواطنون في هذه الدول في تحديد أولوياتهم، مشيرة إلى أن العادات الاستهلاكية عند المواطن المصري تختلف بحسب الطبقة التي ينتمي إليها، فبعد تعويم سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار أكثر من مرة في الفترة الأخيرة، تقلصت الطبقة الوسطى والتي كانت داعما أساسيا للنشاط الاقتصادي في مصر وباتت لا تستطيع أن تكفي احتياجاتها بشكل كامل فأصبحت تستغني عن بعض العادات الاستهلاكية.
أضافت خبيرة أسواق المال، أن استقرار سعر الصرف والرخاء المعيشي، إضافة إلى الاعتماد على الموارد الداخلية للدولة في مناطق أخرى عمل على زيادة الاستهلاك بشكل كبير، ويختلف في هذا الأمر في بلدان أخرى بسبب الأحداث السياسية غير المستقرة والتي تؤثر بدورها على العادات الاستهلاكية، موضحة أن المتغيرات السياسية الموجودة في المنطقة العربية والأزمات الاقتصادية العالمية جعلت المواطن يهتم بالادخار وتنمية مدخراته واستثمارها وتقليل استهلاكه.
تأثيرات بيئية
على الجانب الآخر، للعادات الاستهلاكية تأثيرات بيئية قوية، وقد يصل الأمر إلى تهديد الثروات، ما يستدعي تحسين تلك العادات والانتقال إلى أنماط استهلاك أكثر استدامة، تحقق توازنًا بين الاقتصاد والبيئة، ومن أبرز تأثيرات الاستهلاك على البيئة، كما يشرحها محللون لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- الانبعاثات والتلوث: زيادة الاستهلاك تؤدي إلى زيادة الإنتاج وبالتالي زيادة في انبعاثات الكربون والتلوث، ما يسهم في تغير المناخ وتدهور البيئة.
- استنزاف الموارد: الاستهلاك المفرط يستنزف الموارد الطبيعية مثل المياه والوقود الأحفوري، ما يؤدي إلى نقصها على المدى الطويل.
- النفايات: زيادة الاستهلاك تولد كميات كبيرة من النفايات، بما في ذلك المواد البلاستيكية التي تلوث البيئة.
- التنوع البيولوجي: الاستهلاك الزائد يؤثر سلبًا على التنوع البيولوجي والنظام البيئي من خلال تغيير استخدام الأراضي وتدمير المواطن الطبيعية.
وفي هذا السياق، أوضح عضو البرلمان العالمي للبيئة، وفيق نصير، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الاقتصاد الاستهلاكي يشير إلى نمط الاستهلاك المتزايد في عديد من الدول، والذي يؤثر على البيئة من خلال استهلاك السلع والخدمات والموارد الطبيعية، مشيرًا إلى أن هذا النمط من شأنه أن يؤدي إلى عديد من التحديات البيئية، من بينها:
- استنزاف الموارد الطبيعية: يؤدي الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية إلى استنزافها، ما يؤثر على البيئة والاقتصاد.
- تلوث البيئة: يؤدي الاستهلاك المفرط للسلع والخدمات إلى توليد كميات كبيرة من النفايات والتلوث، ما يؤثر على الصحة العامة والبيئة.
- تغير المناخ: يؤدي الاستهلاك المفرط للوقود الأحفوري والطاقة إلى انبعاثات غازات الدفيئة، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة تغير المناخ وتأثيراته السلبية.
وللتغلب على هذه التحديات، شدد الخبير البيئي على ضرورة تشجيع الاستهلاك والإنتاج المستدامين، من أجل تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة، لافتًا إلى أن ذلك سيتحقق من خلال تحسين كفاءة استخدام الموارد وتطوير تقنيات جديدة وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية الخضراء والتنمية المستدامة.
زيادة المخلفات
وهو ما اتفق معه استشاري التغيرات المناخية، ماهر عزيز، الذي أكد أن زيادة استهلاك السلع والخدمات تؤدي إلى زيادة بالمخلفات، ما يؤدي إلى الإخلال بالنظام البيئي، مشددًا على ضرورة التخلص من النفايات بشكل نظامي وفقًا للقوانين المتبعة حتى لا تتراكم وتسبب الانبعاثات الكربونية.
وأوضح خلال حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن ارتفاع نسبة النفايات الناتجة عن زيادة الاستهلاك والإنتاج تجعل نظام إدارة المخلفات غير قادر على جمعها كاملة، مشيرًا إلى أن دول بعينها غير قادرة على جمع أكثر من 60 بالمئة من النفايات لديها، وتبقى ملقاة في الشوارع، الأمر الذي يؤدي إلى تلوث البيئة وبما يسبب خطورة على صحة الإنسان.
واستكمل حديثه موضحًا أن المخلفات العضوية تتفاعل مع بعضها وتنتج غاز الميثان، وبالتالي تنطلق إلى طبقات الجو العليا وتشارك في زيادة تركيز الغازات الدفيئة في جو الأرض، مضيفًا أن زيادة الاستهلاك تؤدي لاستنزاف الموارد الطبيعية، وهو ما يتعارض مع التنمية المستدامة التي تهدف إلى تقليل الاستهلاك وإعادة تدوير مخلفات الاستهلاك والإنتاج لترشيد الموارد الطبيعية.
خطر جسيم
وإلى ذلك، قال أستاذ اقتصاديات البيئة بجامعة عين شمس، الدكتور علاء سرحان، إن ثقافة الاستهلاك السائدة بعديد من المجتمعات تتمثل في اعتقاد المستهلك بأنه يستهلك سلعة لإشباع رغباته، وعندما يكتفي بالغرض من هذه السلعة يستغني عنها ومن ثم تتحول إلى نفايات، وبالتالي يتم التخلص منها إما عن طريق الهواء أو المصادر المائية أو التربة.
وأكد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الاقتصاد السائد يعتبر اقتصاد خطي، وهو عبارة عن إنتاج أكبر كم من السلع واستغلال المصنعين الموارد الطبيعية بصورة استنزافية، واستهلاكها في تصنيع السلع، ما يتسبب في زيادة مخلفات الإنتاج والاستهلاك، الأمر الذي يشكل خطرًا جسيمًا على البيئة، بالإضافة إلى أن عدم تدوير هذه المخلفات تعمل على زيادة الانبعاثات الكربونية.
وأوضح أن الاقتصاد الخطي عكس فكر الاقتصاد الدائري والذي يتعين أن يتم تطبيقه في كل الدول، وهو يتبنى فكرة إعادة استخدام المواد المصنعة بعد انتهاء عمرها الافتراضي، بحيث يتم تصنيع السلع بطريقة تسمح بإعادة تدويرها وإعادة تصنيعها، ما يسمح بتقليل النفايات وانبعاثات الكربون، وبالتالي تصبح جميع النفايات مادة تصلح لعملية إنتاجية أخرى.