غزو العراق: قصة الدبلوماسي الذي كان بإمكانه منع الحرب
- فرناندو دوارتي
- بي بي سي – الخدمة العالمية
اُطيح بالدبلوماسي البرازيلي السابق خوسيه موريسيو بستاني بشكل مثير للجدل من وظيفته على رأس أكبر هيئة مراقبة للأسلحة الكيماوية في العالم، وذلك في إطار التحضير للعملية العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة في الوقت الذي كان يتفاوض فيه على إنضمامالعراق إلى معاهدة حظر استخدام تلك الأسلحة. في حديثه إلى بي بي سي، تحدث بستاني عن شعوره “الدائم بالإحباط”.
في الذكرى العشرين لغزو العراق لم يتجاوز خوسيه موريسيو بستاني، الدبلوماسي البرازيلي السابق البالغ من العمر 77 عامًا، هذا الملف حيث يطارده الدور الذي يعتقد أنه كان يمكن أن يلعبه في منع نشوب الصراع.
وقال بستاني لبي بي سي: “مشاعري لم تتغير منذ 20 عاما”.
ويضيف قائلا: “كانت حرباً عبثية أسفرت عن مقتل عدد كبير من الناس من الجانبين، والشيء الوحيد الذي أثبته هذا الصراع هو أنه يمكنك التلاعب بالمجتمع الدولي بالقوة المطلقة”.
لقد كان الدبلوماسي البرازيلي السابق بطل الرواية في واحدة من أكثر الحلقات إثارة للجدل – وإن كانت منسية – في التحضير لحرب العراق. في أبريل/نيسان من عام 2002، تم فصله من منصب المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية(أو بي سي دابليو) بعد ضغوط مكثفة من واشنطن.
تعهد من بغداد
كان بستاني في ذلك الوقت يحاول إقناع العراق بالانضمام إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والتي بموجب المعاهدة ستلزم نظام صدام حسين بالسماح للمفتشين بالوصول الكامل إلى أي أسلحة كيميائية تحت تصرفه.
كانت الادعاءات بأن صدام لديه “مخزون” من هذه الأسلحة هي القضية الرئيسية للحرب التي قدمتها إدارة جورج دبليو بوش لتبرير غزو العراق.
و يتذكر الدبلوماسي السابق قائلا: “تلقيت رسالة من الحكومة العراقية في نهاية عام 2001 قالت فيها إنها مستعدة لقبول اتفاقية الأسلحة الكيماوية وعمليات التفتيش في البلاد، لقد كانت لحظة سعادة مطلقة بالنسبة لي، لكن الأمريكيين لم يعجبهم الخبر على الإطلاق”.
جرت المراسلات مع بغداد قبل فترة قصيرة من خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه بوش في يناير/ كانون الثاني من عام 2002، وكان الأول بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. وأشار فيه إلى أن إيران والعراق وكوريا الشمالية تمثل دول “محور الشر” واتهم نظام صدام بالتآمر لتطوير أسلحة كيماوية ونووية.
وقال بستاني، الذي كان مسؤولاً عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية منذ عام 1997 وأعيد انتخابه بالإجماع لولاية ثانية في عام 2000 ، لبي بي سي إن المنظمة كانت لديها “معلومات استخباراتية كافية” بأن الأسلحة الكيماوية العراقية قد دمرت بعد حرب الخليج 1990-1991، وأن البلاد “ليست لديها القدرة” على تجديد مخزوناتها من هذه الأسلحة بفضل العقوبات الشديدة التي كانت تخضع لها منذ ذلك تلك الحرب.
وأضاف قائلا: “أعتقد أن واشنطن كانت لديها بالفعل خطة انتقامية لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول، لأنهم كانوا مقتنعين بأن صدام له صلة بالهجمات، وبمجرد أن أخبرتهم عن العراق، بدأت حملة للإطاحة بي”
تحول موقف واشنطن
اشتكت الحكومة الأمريكية من “أسلوبه في الإدارة”، وأضافت لاحقًا اتهامات له بـ “سوء الإدارة المالية” و “التحيز” و “المبادرات غير المدروسة”. لقد كان تحولًا دراماتيكيًا عن التأييد الذي تلقاه من وزير الخارجية آنذاك كولن باول ، الذي كتب في عام 2001 إلى بستاني ليشكره على عمله “الرائع جدا”.
وبصفتها المساهم الرئيسي في ميزانية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، هددت الولايات المتحدة بسحب دعمها المالي للوكالة.
وفي 21 أبريل/ نيسان من عام 2002، وبناءً على طلب من الولايات المتحدة، عُقد اجتماع خاص حسم مصير الدبلوماسي البرازيلي في تصويت خاص حيث أيدت 48 دولة عزله، مع 7 معارضين، وامتناع 43 عن التصويت.
وقال مسؤول أمريكي لصحيفة واشنطن بوست في 23 أبريل/ نيسان: “لقد شعرت عدة دول بالقلق بشأن أسلوب إدارته منذ فترة، وقررنا جميعًا إقناعه بالذهاب بهدوء وإيجاد مخرج مناسب لكنه اختار عدم القيام بذلك”.
وأشار المقال نفسه إلى أنها “كانت أكثر حملة علاقات عامة مرارة من قبل الولايات المتحدة لإجبار مسؤول دولي كبير على ترك منصبه منذ أن منعت إدارة كلينتون إعادة انتخاب الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي في عام 1996
خلال السنوات الخمس التي قضاها في المنصب، أشرف بستاني على توسع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من 87 إلى 145 دولة عضو، وكما ذكرت بي بي سي في ذلك الوقت، جرى تدمير نسبة كبيرة من منشآت الأسلحة الكيماوية في العالم. وقد شغل لاحقًا منصب سفير البرازيل لدى بريطانيا وفرنسا، وتقاعد في عام 2015.
وقال الدبلوماسي السابق مازحا: “كانت بريطانيا واحدة من الدول التي صوتت لفصلي من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لكن الوقت الذي امضيته هناك لم يكن غير مريح كما قد يتصور المرء”.
لقد فاز بقضية فصل تعسفي ضد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تحكيم من قبل منظمة العمل الدولية( آي إل أو)، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة، وقد تبرع بستاني بتعويضاته لميزانية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
لا هذا النصر ولا عدم العثور على الأدلة على وجود أي أسلحة دمار شامل في العراق وقت الصراع كانا لهذه الدبلوماسي البرازيلي مصدر شعور بالرضا أو عزاء له.
وقال بستاني: “هذا لا يجلب لي العزاء، فبعد عقدين من الزمان ما زلت أشعر بالإحباط لأنه نشبت حرب غير ضرورية أثرت على العالم بأسره، كنت أفضل أن أكون على حق ويتم تجنب هذا الصراع، وما زلت أعتقد أن ذلك كان ممكنا”.