سيناريوهات مخيفة.. هل يستبدل الذكاء الاصطناعي صناع السينما؟
بطل “كاست آواي” و”فورست جامب”، قال عبر بودكاست آدم بوكستون، إنه قد يظل يظهر في الأفلام الحديثة حتى بعد وفاته، بينما الفضل يعود في ذلك إلى “استخدام أدوات التكنولوجيا لإعادة إنتاج صوره”.
يأتي هذا التصور جنباً إلى جنب وعديد من السيناريوهات “المُذهلة” و”المرعبة” في آن واحد بالنسبة لصناع الفن عموماً، حول إلى أي مدى يمكن توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في الصناعة، وحدود تأثيراتها على العاملين بها عموماً، وكثير من الأسئلة التي يثيرها التطور المذهل لتلك التقنيات في فترة وجيزة.
وبرغم الضجة الكبيرة التي تثيرها هذه الأدوات الحديثة، إلا أنها لا تزال في بداياتها، وسط تطورات متسارعة وابتكارات ثورية مُذهلة استفاد منها صناع الفن عموماً بشكل أو بآخر ضمن أعمالهم، ويتوقعون مزيداً من التأثيرات المستقبلية التي قد تعني الكثير بالنسبة لهم (إيجاباً وسلباً).. فهل يمكن أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية “حصان رهان” رئيسيا في مستقبل صناعة السينما؟.
يقول الأستاذ المشارك بكلية الصحافة والاتصال قسم الإنتاج الإعلامي بجامعة فلوريدا، المخرج جيمس بابانيكوس، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”:
- أنا مقتنع بأن الذكاء الاصطناعي سيشارك بشكل كبير في مستقبل صناعة السينما. إحدى الطرق هي بالضبط ما يلمح إليه توم هانكس.
- لا يوجد سبب يجعل ممثلاً مثل توم هانكس (أو أي نجم عالمي كبير آخر) يمكنه الاستمرار في التمثيل في الأفلام (والإعلانات التجارية) بعد فترة طويلة من وفاتهم. إن الذكاء الاصطناعي المزيف العميق يجعل هذا ممكناً بالفعل!.
- أعتقد بأن الأمر الأكثر غرابة هو أن الذكاء الاصطناعي يمكنه إنشاء “ممثلين” غير موجودين في الحياة الواقعية، وهم مجرد إبداعات صور محوسبة، لذلك لا يتعين عليهم الحصول على أموال.. ولكن هل سيعرف الجمهور ما إذا كانوا قد صنعوا صوراً أم أناسًا حقيقيين؟ ليس عليهم ذلك.
- ربما سيكون هناك موقع ويب يحتوي على حياة مزيفة تم إنشاؤها لكل من هؤلاء الممثلين المزيفين (الذين تم إنشاؤهم بواسطة الكمبيوتر)؟ إنه مخيف بعض الشيء!.
دور المخرج
ومن ناحية أخرى: هل تشكل أدوات الذكاء الاصطناعي تهديدًا لوظائف صناع السينما؟ يجيب الأستاذ المشارك بكلية الصحافة والاتصال بجامعة فلوريدا: “لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يشكل تهديدًا لكتاب السيناريو على الأقل حتى الآن”، مشيراً إلى أنه:
- في الوقت الحالي، ونظراً لوجود ChapGPT، يمكن للكتاب استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء المسودات الأولى للمشاهد، وبعد ذلك يمكنهم تحسين تلك المسودات الأولى وجعلها تستحق التصوير.
- يمكنك أن تجعل الذكاء الاصطناعي يقوم بإنشاء نص برمجي الآن، هذا النص كفء، لكنه ليس جيداً. لذلك الكتاب لا يزالون مهمين للغاية.
- ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي في مراحله الأولى.. ومن يدري كيف ستبدو نصوص الذكاء الاصطناعي في 5 أو 10 سنوات؟
وفي السياق ذاته، وفيما يتعلق بأبرز الاستخدامات في صناعة السينما التي يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل في “الذكاء الاصطناعي”، يشدد على أنه “من السابق لأوانه معرفة أهم استخدامات الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأفلام”.. ويضيف:
- أعتقد أنه على المدى الطويل، سيكون ثورياً -إن لم يكن أكثر من ذلك- من CGI (الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر).
- أستطيع أن أرى كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للمخرجين لاختبار كيف ستبدو اللقطة دون إطلاقها أولاً.
- أستطيع كذلك أن أرى كيف يمكن تحسين أداء الممثل إذا لم يكن عاطفياً بدرجة كافية، على سبيل المثال.
- استطيع أن أرى كيف يمكن إعادة صياغة المشاهد أو إعادة إنشائها بعد انتهاء التصوير باستخدام تقنية مزيفة عميقة ومع عدم وجود الممثلين في الموقع، وأيضاً عدم وجود مجموعة على الإطلاق!
- أستطيع أن أرى كيف يمكن كتابة المسودة الأولى للنص باستخدام الذكاء الاصطناعي، وفي المستقبل القريب يمكننا تقديم ملاحظات الذكاء الاصطناعي حول هذا البرنامج النصي وكتابة مسودة ثانية ستتحسن كثيراً، ثم مسودة ثالثة ورابعة حتى نحصل على مسودة نهائية يسعد الجميع بها.
ويختتم حديثه مع موقع “سكاي نيوز عربية” قائلاً: “أخشى أن يكون الذكاء الاصطناعي قادراً على كتابة نص برمجي مع الوقت الكافي، وأن يكون قادراً على إنشاء ممثلين ومجموعات رقمية لإنتاج هذا النص، وتجهيزه للجمهور لمشاهدته دون الحاجة إلى عمل أي شخص على الإطلاق عليه، باستثناء الأشخاص الذين يعملون مع الذكاء الاصطناعي.. أعتقد أنه سيكون يوماً حزيناً جداً لنا جميعاً”.
هل هي فرصة لصانعي الأفلام؟
من جهته، يقول الأستاذ المشارك بقسم الإذاعة والتلفزيون والسينما بجامعة نورث وسترن الأميركية، إريك باتريك، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”:
- لا يزال الذكاء الاصطناعي التوليدي في مهده.
- ستشكل تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي مساعداً جيداً لصانعي الأفلام.
- لكنها أيضاً ستجعل بعض الوظائف قديمة، بنفس الطريقة التي جعلت بها أجهزة الكمبيوتر والبرامج مثل”آفتر إفكتس” والمؤثرات الخاصة أسهل على الجميع.
ويشير إلى أن “الذكاء الاصطناعي في هذا السياق جعل الرسوم المتحركة في متناول الأشخاص الذين لم يكونوا قادرين على فعل ذلك من قبل (..) سيساعد ذلك الأفراد على إنشاء رؤاهم بشكل أسهل، مع جعل صناعة الأفلام أكثر صعوبة لكسب المال”.
ويوضح أن التوقعات على المدى الطويل ربما أكثر قتامة إلى حد ما، مردفاً: “أتوقع أن تتساءل معظم الصناعات بما في ذلك صناعة السينما عن وجودها في المستقبل في ضوء الذكاء الاصطناعي”.
ويتابع: “سيعتمد الكثير من هذه الأمور بشكل أساسي على السياسات العامة (البيئة المنظمة لاستخدامات وتوظيف الذكاء الاصطناعي)، ولكن مع الوضع في الاعتبار أنه من المتوقع أن لا تتحفز معظم الحكومات على عدم تنظيم الذكاء الاصطناعي لأنها لا تريد أن تتخلف عن الآخرين في سباق الهيمنة، وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لحقوق العمال”.
دور مهم
من جانبه، يلفت الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لـ”سكاي نيوز عربية”، إلى أنه “من المؤكد أن أدوات الذكاء الاصطناعي لديها القدرة على لعب دور مهم في مستقبل صناعة السينما، بحيث يمكن لهذه الأدوات إنشاء محتوى جديد، بما في ذلك الصور والشخصيات ومقاطع الفيديو وحتى المشاهد بأكملها، بناءً على بيانات التدريب”.
وفيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن تكون بها أدوات الذكاء الاصطناعي “حصان رهان” في صناعة السينما:
- إنشاء المحتوى والتفكير:
يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تساعد صانعي الأفلام في توليد أفكار ومحتوى جديد، من خلال تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على أفلام أو نصوص أو أعمال إبداعية أخرى، يمكنهم إنشاء مشاهد أو شخصيات أو قصص جديدة تتوافق مع معايير محددة.
ولهذا السبب، قال توم هانكس إن أعماله ستعيش بعد وفاته. يمكن أن يساعد ذلك في إلهام صانعي الأفلام وفتح آفاق جديدة لسرد القصص.
- الإنتاج الافتراضي:
تتبنى صناعة الأفلام بشكل متزايد تقنيات الإنتاج الافتراضية؛ حيث يتم استخدام العرض في الوقت الفعلي والبيئات الافتراضية أثناء التصوير. ويمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تسهم في إنشاء مجموعات افتراضية مفصلة أو مناظر طبيعية أو مدن أو حتى حشود، بما يعزز التجربة الغامرة، ويقلل من الحاجة إلى الإنتاج المادي.
- إضفاء الطابع الواقعي:
يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تساعد في إضفاء الطابع الواقعي، الأمر الذي يسمح لصانعي الأفلام بفهم أفضل لكيفية ظهور المشهد قبل بدء الإنتاج، وذلك من خلال إنشاء تصورات تقريبية استناداً إلى أوصاف السيناريو أو القصص المصورة، كما يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تساعد صانعي الأفلام على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن زوايا الكاميرا والإضاءة وتركيبات اللقطات.
- التحليل الآلي للنصوص:
يمكن لهذه الأدوات تحليل النصوص، وتحديد هياكل القصة، واكتشاف الأنماط، وتقديم رؤى حول عناصر مثل تطوير الشخصية والحوار والوتيرة. كما يمكن أن يساعد ذلك صانعي الأفلام في تقييم النصوص واتخاذ قرارات مستنيرة خلال مرحلة ما قبل الإنتاج.
- إنشاء “محتوى إجرائي”:
يمكن لهذه الأدوات أيضاً إنشاء محتوى إجرائي؛ مثل المناظر الطبيعية أو المدن أو المخلوقات، بناءً على معايير أو قواعد معينة. وتبعاً لذلك يمكن أن يكون هذا مفيداً بشكل خاص لأفلام الخيال أو الخيال العلمي التي تتطلب عوالم فريدة وخيالية. كما يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي إنشاء اختلافات وتكرارات لهذه العناصر، مما يوفر لصانعي الأفلام مجموعة من الخيارات للاختيار من بينها.
- التجارب المتخصصة:
يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تحليل بيانات المستخدم والتفضيلات لإنشاء تجارب أفلام مخصصة. من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي يمكن لصانعي الأفلام تعديل عناصر الفيلم ديناميكياً مثل الشخصيات أو خطوط الحبكة؛ لتلبية تفضيلات المشاهدين الفرديين، مما يحتمل أن يعزز المشاركة والمتعة.
ويوضح بانافع في معرض حديثه مع موقع “سكاي نيوز عربية” إلى أنه “بينما يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي زيادة وأتمتة جوانب معينة من صناعة الأفلام، فمن غير المرجح أن تحل محل الأدوار الإبداعية للكُتاب بالكامل”.
“تتضمن صناعة الأفلام اتخاذ قرارات معقدة ورواية قصص عاطفية ورؤية فنية، وهي مجالات يتفوق فيها الإبداع البشري. يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تعمل كمساعدين قيّمين، لكنها لا تستطيع تكرار وجهات النظر الفريدة والخيال الذي يجلبه الكتاب والمخرجون إلى حرفتهم”، بحسب بانافع.
ويلفت إلى أنه “من المرجح أن يكون الذكاء الاصطناعي مكملاً للإبداع البشري ويعزز الإنتاجية بدلاً من استبدال صانعي الأفلام تماماً. كما هو الحال مع التطورات التكنولوجية السابقة، قد تظهر أدوار وظيفية جديدة، وقد يحتاج صانعو الأفلام إلى اكتساب مهارات إضافية للاستفادة من إمكانات أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال”.