زلزال تركيا و سوريا: ما قصة ثناء من حلب و اليمامة “شام” ؟
هذه واحدة من أكثر القصص الإنسانية التي وجدت خلال عملي على اكسترا بودكاست “ما بعد الزلزال” وأكثرها قربا إلى القلب. في الأوقات العادية، قد لا تعدو هذه أن تكون إلا قصة لطيفة عن تعلق سيدة بعصفورة، فكثير منا يحب العصافير ويربيها (في قفص)، لكن في الظروف والأماكن التي قد تأكل إنسانية الناس، مثل أن تجتمع الحرب وكارثة طبيعية كالزلزال عليهم مع ما تجرهما عليهم من بؤس وفاقة وشعور مطلق ومستمر بعدم الأمان، يكون متوقعا أن يصبح هم الفرد إنقاذ نفسه وأطفاله فقط، أي “نفسي نفسي مثل أهل الآخرة” كما كانت تقول والدتي رحمها الله عندما تريد وصف ركض الناس وراء مصالحهم ، لكن دون أي حكم أخلاقي في هذه الحالة، ذلك أن قدرة أحدهم على التعلق بمن هو خارج شخصه وأطفاله لا يمكن إلا أن يثير الدهشة والإعجاب في آن لأن الإنسانية لا تمتحن في الرفاهية بل في الضيق، وإليكم ما أعنيه في تفاصيل هذه القصة.
إذا كان لنا أن ننظر إلى القصص باستخدام زر تكبير أو “زوم” لنرى المنظر العام الذي يعيش فيه أبطالها، سنرى في هذه القصة أولا مساحة رمادية كبيرة من الخراب، أعمدة دخان هنا وهناك بين الحين والآخر، صوت طائرات حربية في الجو، شرر ناري ينزل من السماء أحيانا، وغمام داكن من الخوف والحزن يغرق المكان المليء ببيوت وخيم منتشرة كيفما اتفق، وكلما رفعنا درجة التكبير اتضحت صورة الأزمة التي يعيشها الناس في إدلب منذ أكثر من عقد والتي يكفي وصف المختصين لها ببوتقة الصراع السوري لنفهم عمقها ومأساتها.
نقرب الصورة أكثر الآن إلى الحدود التي تسمح لنا برؤية وسماع ما يحدث، فنرى بطلة قصتي : أم شابة اسمها ثناء بيراقدار، من حلب ، ذات عيون خضراء جميلة، جاءت مع عائلتها إلى إدلب بسبب الصراع في بلدها، هاهي تمشي في طريقها كما اعتادت وهاهي فجأة تتوقف أمام شيء صغير مرمي على الأرض، تقترب فإذا به فرخ لا يكاد يكسوه زغب تفحصه فتجد فيه نبض حياة، تفتش عن “أمه وإخوته” لا تجد له أحدا فتقرر أنها ستكون له الأم وستمنحه إخوة، وهكذا كان حقا!
- الأم ثناء وابنتها اليمامة
حمل ثناء الطائر الصغير إلى بيتها، وهناك ستسعفته بما تملك من وسائل بسيطة، تقطر له الماء في منقاره وتغطيه وتغدق عليه من حنانها حتى بدأ يتعافى، تسأل الباعة حولها عما يحب اليمام أكله وتشتري له الحبوب كي تطعمه بما تيسر عندها من مال، تربي ثناء يمامتها في الحرية بعيدا عن القفص وتمنحها اسما كما منحت أطفالها وقد اختارت لها اسم شام. أصبحت شام فردا أساسيا في العائلة يحسب حسابها ليس في الأكل والشرب والنوم وحسب بل حتى في المشاوير العائلية، قالت لي ثناء إنها لا تتحمل أن تبتعد عن البيت أكثر من ساعة لأنها تريد العودة إلى يمامتها لتلبية حاجاتها.
تفتح ثناء الشرفة لشام نهارا لتأخذ حاجتها من الهواء والضوء والحرية دون محاولة الهروب
قالت لي ثناء إنها لم تحاول مرة حبس شام ولو في قبضة يدها، وعودتها في المقابل على رفع أصبع يدها إليها لتحط عليه أو تحط على كتفها “وهي تضرب بجناحيها” عندما ترى اليمامة صاحبتها عادت إلى البيت بعد غياب قصير.
“ولما أشوفها فرحانة بشوفتي أحس بقلبي يفرفر من الفرح، حتى أن ابني قال لي: إمي شام بتشبهك عيونها مثل عيونك” ذلك أن عيون اليمامة صفراء عسلية أقرب إلى لون عيون ثناء الخضراء.
- “أنت مجنونة غامرت لإنقاذ طائر”
لا غرابة أبدا أنه ليلة الزلزال المدمر، إنقاذ شام كان من إنقاذ الأطفال جميعا، فاليمامة أصلا تنام معهم في الغرفة داخل سلة تغطيها ثناء لأنها تعرف بأنها لا تتحمل البرد ولا تحب الضوء ليلا، وهكذا “ليلة الزلزال لا أعرف من أين جاءتني القوة، توضأت بعد أن أيقضت أطفالي وزوجي ثم تأكدت بأن الجميع نزل حملت شام في سلتها ونزلت. زوجي قال:
“أنت مجنونة غامرت لإنقاذ طائر.”
لكن ترك شام لم يكن ممكنا أبدا بالنسبة لثناء. “ليلة الزلزال كان كتير برد ومطر غطيتها وخبيتها في أماكن بعيدة عن المطر حتى ما تمرض.”
سبعة أشهر من العلاقة ولا تصغر المحبة بين ثناء وشام بل تكبر، ثناء تعتقد أن “الله سلمنا بفضل شام” وتقول بأن كل شيء جميل يحدث لها ولعائلتها سببه إنقاذها لليمامة وتشعر بأن ما فعلته “إنجاز عظيم.”
استمعوا إلى قصة ثناء و يمامتها شام و قصص أخرى أرويها لكم في إكسترا بودكاست “ما بعد الزلزال” على هذا الرابط.