زلزال تركيا وسوريا: لماذا يجري التحقيق مع صحفيين في أعقاب الكارثة؟
- غريغور اتانسيان و نيهان كاله
- قسم المتابعة في بي بي سي / المعلومات المضللة
عندما ضرب الزلزال المدمر تركيا كان الصحفي المستقل مير علي كوجر في مدينة ديار بكر الواقعة على بعد أكثر من 320 كم من مركز الزلزال.
فما كان منه إلا حمل كاميرته والميكروفون ليجري مقابلات مع الناجين من الكارثة. لكن ذلك أوقعه في مشكلات مع السلطة وقد ينتهي به الأمر به في السجن.
يخضع كوجر الآن للتحقيق بموجب “قانون التضليل” الجديد المثير للجدل في تركيا وقد يواجه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات.
وكوجر ليس الوحيد التي يخضع للتحقيق إذ هناك ما لا يقل عن ثلاثة صحفيين يواجهون نفس المشكلة.
واعتُقل عشرات آخرون أو تمت مضايقتهم أو مُنعوا من الكتابة من المنطقة المنكوبة وفقًا لمنظمات مدافعة عن حرية الصحافة.
لم أستطع كبح دموعي
الصحفي كوجر مراسل مستقل يساهم في المواقع الإخبارية المؤيدة للمعارضة مثل بيانت ودوار ويعيش في مدينة ديار بكر الواقعة في جنوب شرق تركيا ذات الغالبية الكردية، وهو نفسه كردي يبلغ من العمر 34 عاماً.
في ليلة الزلزال كان كوجر يدخن في شرفة شقته عندما بدأ كلباه ينبحان فجأة. تذكر لاحقاً كيف نبحا تماماً مثل ذلك في عام 2020 قبل ثوانٍ من وقوع زلزال أصغر في شرق تركيا.
وأصاف: “شعرت بالاهتزاز. كان المنزل كله يهتز، والتلفزيون فاختبأت تحت طاولة العشاء مع الكلاب ثم اندفعت إلى الخارج”.
غادر كوجر ديار بكر التي سقط فيها 20 مبنى على الأقل، وتوجه إلى غازي عنتاب التي قتل فيها أكثر من ثلاثة آلاف شخص وانهارت آلاف المباني.
دُهِش كوجر من مشاهد الدمار وأعداد الضحايا في البلدات القريبة من مركز الزلزال في ظروف جوية بالغة القسوة.
حصدت الكارثة التي وقعت في السادس من فبراير/ شباط عشرات الآلاف من الأرواح في تركيا وسوريا.
يتذكر كوجر الموقف قائلاً: “عندما كنت أمسك الميكروفون أو أقف خلف الكاميرا أو أمامها لم أستطع حبس دموعي”.
“محرضون”
اثار تدفق المتطوعين وفرق الإنقاذ من غرب تركيا على المنطقة المنكوبة إعجاب كوجر وشارك قصصهم على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.
لكن بعض الناجين من الزلزال قالوا له أنهم لم يتلقوا أي مساعدة رغم مرور عدة أيام على وقوع الزلزال وقد نشرت وسائل الإعلام الموالية للمعارضة شكاوي مماثلة.
تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان أثناء زيارته للمناطق التي ضربها الزلزال بإعادة بناء المدن المدمرة. لكنه وجه لمنتقدي استجابة حكومته للكارثة رسالة مختلفة إذ هدد من ينشرون “أنباء كاذبة” و “يتسببون في فوضى اجتماعية” بالملاحقة القضائية إذا لزم الأمر واصفا إياهم بـ ” مثيري القلاقل”.
وسرعان ما علم كوجر أنه مطلوب للتحقيق، حيث أودعت شرطة ديار بكر مذكرة مراجعة لمركزها لدى بواب العمارة التي يقيم فيها أثناء وجوده في المنطقة المنكوبة بغية إعداد التقارير الصحفية.
في مركز الشرطة علم الصحفي أنه يخضع للتحقيق بموجب قانون نشر “الاخبار المضللة” الصادر مؤخراً. وقال كوجر إن الشرطة استجوبته بشأن منشوراته من مركز الزلزال واتهمته بنشر معلومات كاذبة.
تم إعتماد القانون التركي الجديد الذي يجرم النشر العلني للمعلومات المضللة في أكتوبر/ تشرين الأول. ويمنح القانون الدولة سلطات واسعة للرقابة على المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وانتقدت أحزاب المعارضة القانون ووصفته بـ “قانون الرقابة”. وقالت “اللجنة الأوروبية للديمقراطية عن طريق القانون” التي تعرف بلجنة البندقية، وهي هيئة مراقبة قانونية لمجلس أوروبا، إن القانون يقيد حرية التعبير.
“إنهم لا يحبون النقد”
يصر كوجر على أنه كان “دقيقاً” في عمله وأجرى مقابلات مع جميع الأطراف من الناجين من الزلزال إلى الشرطة والدرك وعمال الإنقاذ. ويقول: “لم أنشر معلومات دون بحث وتحليل دقيقين”.
ووصفت منظمة “مراسلون بلا حدود” التحقيق مع كوجر بأنه “سخيف” ودعت السلطات على إسقاط الدعوى ضده. لكن حالته ليست فريدة من نوعها إذ يواجه ما لا يقل عن ثلاثة صحفيين آخرين تهماً جنائية وفقاً للجنة حماية الصحفيين المعنية بالدفاع عن الصحفيين.
من بين هؤلاء المتهمين مردان ينارداغ وأنور آيسفر المعلقين السياسيين البارزين المقيمين في إسطنبول اللذين لهما عدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي وانتقدا جهود الإنقاذ الحكومية.
الصحفي الآخر الذي يخضع للتحقيق هو محمد غولَش، الذي يعيش في ديار بكر والقي القبض عليها بتهمة “التحريض على الكراهية” بسبب إجرائه مقابلة مع متطوع انتقد جهود الإنقاذ الحكومية. تم إطلاق سراح غولش لاحقًا وفقًا لمنظمة مراسلون بلا حدود.
من غير الواضح عدد الصحفيين الآخرين الذين يخضعون للتحقيق. وقالت الشرطة قبل أيام قليلة أنها اعتقلت 134 شخصا على خلفية “منشورات استفزازية” وصدرت أوامر إعتقال بحق 25 منهم لكن لم يتم الكشف عن اسمائهم.
يبدو أن بعض المعتقلين كانوا ينشرون أخباراً كاذبة مثل الادعاء أن المهاجرين الأفغان يغزون الأحياء التيدمرها الزلزال.
لكن الخبراء يقولون إن السلطات ذهبت أبعد من وقف نشر المعلومات المضللة أو خطاب الكراهية.
يقول خبير حقوق الإنترنت يمان أكدينيز الذي يدّرس في جامعة بيلغي في إسطنبول: “تحاول الحكومة منع انتشار المعلومات الواردة من منطقة الزلزال”.
وجاءت الاعتقالات بعد أن حذر مدير الاتصالات في الرئاسة التركية من وقوع “هجمات تضليل مميتة تعرض جهود الإنقاذ للخطر”. كما أطلقت المديرية تطبيقاً على الهواتف الذكية يسمى” خدمة الإبلاغ عن المعلومات المضللة ” لتشجيع الناس على الإبلاغ عن المنشورات المضللة وغير الدقيقة حول الزلزل.
تقول الصحفية المقيمة في اسطنبول أرزو غيبولا والتي تهتم بالقمع والرقابة الرقمية: “المسؤولون الأتراك والحكومة لا يحبذون انتقادهم، إنهم لا يحبون ذلك” وربما كان “هذه المرة كان النقد أكثر حدة”.
اتصلت بي بي سي بالمديرية الاتصالات في الرئاسة التركية بخصوص الصحفيين الذين يجري التحقيق معهم ودعوات جماعات الدفاع عن الحريات الصحفية لوقف ملاحقة الصحفيين ولم نتلق ردا منها.