روسيا وأوكرانيا: موسكو “تستغل” المراهقين في الدعاية الإعلامية المضللة لحربها في كييف
- فيتالي شيفتشينكو
- قسم المتابعة الإعلامية – بي بي سي
بينما كان مرتزقة فاغنر الروس ذو السمعة السيئة في مقدمة جبهة القتال في بلدة باخموت المنكوبة شرقي أوكرانيا، شارك أحد المقربين من زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين في معركة أخرى، لكسب قلوب وعقول الناس في المناطق التي سيطرت عليها موسكو خلف الخطوط الأمامية.
ساعد ألكسندر مالكفيتش في إنشاء محطات تلفزيونية موالية لروسيا في المناطق الرئيسية التي استولت عليها منذ بدء الغزو الشامل في فبراير/شباط 2022.
ومن خلال علاقته ببريغوجين، شارك الرئيس الإعلامي في مشاريع لبسط النفوذ الروسي من أفريقيا إلى الولايات المتحدة، وهو يخضع لعقوبات غربية لنشره معلومات مضللة.
من الناحية الرسمية، تتمثل وظيفة مالكفيتش في إدارة القنوات التلفزيونية التي تمولها الدولة في مدينة سان بطرسبرغ، مسقط رأس بريغوجين. لكن في صيف عام 2022، انتقل إلى المناطق التي كان مسيطرا عليها آنذاك في أوكرانيا، جاعلا من مدينة خيرسون الجنوبية مقرا له.
كانت مهمته الرئيسية إنشاء محطات تلفزيونية موالية لروسيا في المناطق التي استولت عليها منذ بداية الغزو الشامل؛ فأنشأ قناة “تافريا تي في” في خيرسون و “زا تي في” في ميليتوبول و “ماريوبول 24” في منطقة دونيتسك الشرقية.
وتردد القنوات الإعلامية روايات الكرملين الدعائية. فعلى سبيل المثال، قام برنامج حديث بثته قناة “تافريا تي في” بتذكير مشاهديه بالأسباب التي ساقتها موسكو سببا لشن حربها ضد أوكرانيا. وجاء في البيان “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول إن العملية العسكرية الخاصة كانت خطوة إجبارية؛ لأن موسكو لم يكن أمامها خيار آخر. لقد وُجدت مثل هذه المخاطر الأمنية لتهديد روسيا بما لا يمكّنها من أي رد فعل آخر”.
كانت إحدى العقبات الرئيسية التي واجهت مالكفيتش النقص الحاد في الكوادر المستعدة والقادرة على العمل في قنواته.
ولتدريب العاملين، افتتح “مدرسة إعلامية” في خيرسون، وأصبح رئيسا لقسم الصحافة في الجامعة المحلية، وألف كتابا مرجعيا للعاملين في مجال الإعلام المتطلعين إلى العمل في المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، بعنوان “الصحافة الروسية الحقيقية للمناطق الجديدة”.
وقد انضم بعض طلابه إلى محطاته التلفزيونية، قبل أن يَبلغوا السن القانونية. اثنتان من بين المراسلين بدأتا العمل في “زا تي في” و “تافريا تي في”، وعمرهما 16 عاما فقط. وقررت بي بي سي عدم تحديد هوية الفتاتين لحداثة سنهما.
لكن الفترة التي قضاها مالكفيتش في خيرسون لم تدم طويلا. فقبل فترة وجيزة من استعادة القوات الأوكرانية المدينة في نوفمبر/تشرين الأول، لاذ بالفرار مع بعض المعدات والعاملين.
أثناء الإخلاء، تعرضوا لإطلاق النار، وقُتل أحد الصحفيين الروس الذي كان يعمل سابقا في صفوف الأمن الفيدرالي الروسي.
وأصيب أحد المراسلين المراهقين بجروح خلال القصف، قبل أن يسلمه الرئيس بوتين في وقت لاحق وسام الشجاعة، في حفل أقيم في الكرملين.
عُرف اسم مالكفيتش لأول مرة تقريبا في عام 2018، عندما أطلق موقع “يو إس إيه ريلي” وهو موقع إلكتروني أنشئ في الولايات المتحدة بواسطة المنظمة الإعلامية “آر آي إيه فان”، التي بدورها تعد أبرز وسيلة إعلامية تمارس التضليل الدعائي المرتبطة بيفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة فاغنر الذي أُطلق عليه لقب “طباخ بوتين”؛ حيث كان يزود الكرملين بالطعام.
نشأت “آر آي إيه فان” من اللجان الإلكترونية سيئة السمعة لبريغوجين، التي نشرت وجهات النظر المؤيدة للكرملين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت من مكاتب في سان بطرسبرغ.
لكن الولايات المتحدة فشلت حقا في محاصرتها، واحتجزت السلطات الأمريكية مالكفيتش واستجوبته لفترة وجيزة، قبل أن يعاقب لاحقا على “تسهيل عمليات التأثير العالمي لبريغوجين”.
بعد مرور عام على إطلاق “يو إس إيه ريلي”، عاد مالكفيتش إلى سان بطرسبرغ، حيث أسس مشروعا دعائيا آخر، وهو مؤسسة، يقال إنها بمشاركة مستشار إعلامي على صلة بيفغيني بريغوجين.
أرسلت مؤسسة حماية القيم الوطنية رجلا يدعى مكسيم شوغالي إلى ليبيا، كانت مهمته المعلنة استطلاع الرأي العام. هذا الرجل، كان متورطا في العام السابق في تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية في مدغشقر، حيث عرض على أحد المرشحين حقيبة مليئة بالنقود، وفقا لتحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية.
أثناء وجوده في ليبيا، تضمنت إحدى مهام شوغالي لقاء مع سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الراحل العقيد معمر القذافي. وبعدها بوقت قصير، وتحديدا في مايو/أيار 2019، قُبض عليه للاشتباه في تدخله في الشؤون الليبية نيابة عن بريغوجين.
وقال ضابط مخابرات ليبيّ لبي بي سي: “لو أكملت روسيا مشوارها، لاستمعنا إلى سيف القذافي وهو يلقي خطاب فوزه في ساحة الشهداء الشهيرة بطرابلس”.
في ديسمبر/ كانون الأول 2020، أُفرج عن شوغالي، وزعم في مقابلة أن الإفراج عنه كان بسبب إرسال بريغوجين “عدة آلاف من المقاتلين” إلى طرابلس.
أثناء توليه إدارة مؤسسة الدعاية، نظم مالكيفيتش حملة للإفراج عن ماريا بوتينا، وهي عميلة روسية حُكم عليها بالسجن 18 شهرا في الولايات المتحدة، لمحاولتها التجسس على مجموعة من السياسيين الأمريكيين.
وعندما عادت إلى روسيا، أصبحت بوتينا “خبيرة” في المؤسسة، أما شوغالي، فبعد عودته من ليبيا عقب الإفراج عنه، حل محل مالكيفيتش كرئيس للمؤسسة.
لكن صلات مالكفيتش بمنظمات بريغوجين ظلت قائمة. على سبيل المثال، استمر برنامجه المصور لـ”آر آي إيه فان”، المسمى “دقيقة واحدة”، حتى سبتمبر/أيلول 2022 على الأقل، وأجرى آخر مقابلاته العديدة للقناة بتاريخ فبراير/شباط 2023.
لم تتجاهل الحكومة الروسية عمل مالكفيتش في أوكرانيا؛ ففي كانون الثاني (يناير) 2023، حظى بتكريم رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين على “تنظيم البث التلفزيوني في المناطق التي تتحرر”.