روسيا وأوكرانيا: من هي السياسية ماريا بيلوفا المطلوبة لدى المحكمة الجنائية الدولية؟
- نينا نزاروفا وكاترينا خينكولوفا
- بي بي سي – الخدمة العالمية
أظهرت مذكرة توقيف أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عزم لاهاي على مقاضاة موسكو بتهمة “ارتكاب جرائم حرب”، بسبب “الترحيل غير القانوني” للأطفال الأوكرانيين إلى روسيا.
إلى جانب الرئيس بوتين، تم تحديد اسم السياسية ومفوضة حقوق الأطفال ماريا لفوفا بيلوفا، التي لم تكن معروفة قبل الآن خارج روسيا.
من هي هذه المرأة وما دورها في عمليات نقل الأطفال، التي تزعم المحكمة الجنائية الدولية حدوثها منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي؟
“إجلاء” أطفال أوكرانيين إلى روسيا
يقول المسؤولون في كييف إن هناك ما يقرب من 20 ألف طفل أوكراني بدون آبائهم في روسيا، وتم ترحيل الكثيرين منهم بالقوة.
وتقول الحكومة الأوكرانية إن هناك حالات كثيرة تحتاج فيها الأسر لجمع شملها على وجه السرعة. وقد تم بالفعل إعادة حوالي 300 طفل إلى أوكرانيا في الأشهر القليلة الماضية.
تؤكد أوكرانيا وحلفاؤها أن نقل القاصرين من الأراضي المحتلة إلى دولة أخرى يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، بهدف تدمير الأمة الأوكرانية، حيث يتم منح الأطفال الجنسية الروسية. وهذا ينتهك اتفاقية جنيف لعام 1949 التي تهدف إلى حماية المدنيين في مناطق الحرب.
وقامت العائلات الروسية برعاية حوالي 380 طفلاً أوكرانياً، وهذا يعني أنه لم يتم تبنيهم بشكل رسمي، لكن استعادتهم تظل حتى الآن أمراً معقداً.
وتقول المحكمة الجنائية الدولية: “إن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن المفوضة الروسية لحقوق الطفل ماريا لفوفا بيلوفا، مسؤولة شخصياً عن عمليات الترحيل والنقل غير القانوني، بعد قيامها بهذه العمليات بشكل مباشر أو بمساعدة آخرين”.
لا تنكر روسيا أن العديد من الأطفال الأوكرانيين انتهى بهم المطاف في روسيا منذ بدء “العملية العسكرية الخاصة” – المصطلح الروسي الرسمي للحرب في أوكرانيا.
لكنها قدمت أعداداً أقل من أوكرانيا، حيث أشارات إلى حوالي 2500 طفلاً في أكتوبر/تشرين الأول 2022 .
طلبت بي بي سي من مكتب لفوفا بيلوفا الحصول على أحدث الأرقام، لكنها لم تتلق الرد بعد.
وتقول السلطات الروسية وبيلوفا إن الأطفال الذين انتهى بهم المطاف في روسيا ليسوا سوى يتامى تم إجلاؤهم من أوكرانيا حفاظاً على أمنهم وسلامتهم وإنهم لم يؤخذوا رغماً عن إرادتهم.
أصبحت ماريا لفوفا بيلوفا، التي تتمثل مهمتها في تشكيل سياسات الدولة الروسية تجاه الأطفال، واجهة عامة لعمليات النقل هذه، ودافعت عنها مبررة ذلك بأنها محاولة لإنقاذ الأطفال الأوكرانيين من مناطق القتال النشطة ودمجهم في روسيا، على حد تعبيرها.
وفي منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي وخطاباتها العامة، زعمت أن اصطحاب الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا يخدم مصلحتهم المثلى وشددت على أن الأطفال سعداء في روسيا وأن كثيرين منهم لا يرغبون بالعودة.
سيناتورة سابقة وزوجة كاهن وأم بالتبني ووصية
في فصل الصيف الماضي، قامت ماريا بيلوفا بنفسها برعاية طفل أوكراني من مدينة ماريوبول الواقعة في جنوب أوكرانيا، والتي سيطرت عليها القوات الروسية بعد شهور من القتال المرير.
وتقول السلطات الروسية إن المراهق فيليب جولوفنيا يتيم الأبوين.
وتنشر بيلوفا صوراً له بين الحين والآخر في صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي وتقول إنها كانت تعلم أنه “لها” عندما وقعت عينيها عليه لأول مرة بعد وقت قصير من إحضاره إلى منطقة في موسكو مع مجموعة من الأطفال الأوكرانيين الآخرين.
فيليب ليس الإبن الوحيد لـ لفوفا بيلوفا، فهي حالياً أمٌ لعشرة أبناء، خمسة منهم بيولوجيون وخمسة بالتبني أو تحت رعايتها. والبعض منهم الآن بلغوا سن الرشد.
تأرجح عدد الأطفال الذين كانوا تحت رعايتها على مر السنين، وورد أن عدد الأطفال الذين رعتهم وصل في إحدى المرات إلى 18 طفلاً.
أصبحت ماريا لفوفا بيلوفا، البالغة من العمر 38 عاماً، مفوضة حقوق الأطفال في روسيا في أكتوبر 2021.
تنحدر بيلوفا من بينزا، وهي مدينة تقع على بعد 750 كيلومتراً جنوب شرق موسكو.
قبل ذلك كانت تمثل منطقتها في مجلس الشيوخ في الدوما. وهي ناشطة في الحزب الحاكم في روسيا “روسيا الموحدة”.
بيلوفا متزوجة من كاهن أرثوذكسي وغالباً ما يتم تصويرها في المناسبات الدينية وهي ترتدي الحجاب.
انخرطت لأول مرة في العمل الاجتماعي الذي يركز على الأطفال والشباب في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما أسست منظمة محلية سمتها “حي لويس” نسبة إلى الموسيقي الأمريكي لويس أرمسترونغ، الذي ولد لأم مراهقة ونشأ في حالة فقر.
أدارت العديد من المشاريع المماثلة الأخرى قبل الانتقال إلى المجال السياسي.
رفض الاتهامات
تعرضت ماريا لفوفا بيلوفا لعقوبات دولية منذ المراحل الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا لدعمها الصريح للرئيس بوتين.
وعقب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقها في 17 مارس / آذار، رفضت الاتهامات الموجهة ضدها تماماً وقالت: “لا نعرف ما هي القضايا التي تأخذها المحكمة الجنائية الدولية في الاعتبار. فالحجج واهية ولا توجد أسماء أو ألقاب أو عناوين، وبالتالي لا يمكننا التحقق من هذه المعلومات”.
وأضافت: “إذا تم فصل الأطفال، فسنبذل قصارى جهدنا لردهم إلى أسرهم”.
وتحدثت عبر صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي بكلمات “دافئة من الدعم والتضامن التي تلقتها من الزملاء والأهالي والشركاء في كل ركن من أركان البلاد”.
وكتبت: “ليس لدينا ما نخفيه، فالحقيقة في صالحنا، روسيا لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية ولا معنى لقراراتها بالنسبة لنا”.
في الوقت نفسه، تشير المحامية ناتاليا سيكريتاريفا، التي تعمل في منظمة “ميموريال” لحقوق الإنسان، إلى أن روسيا من الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف، وبالتالي فإن “رفض اتهامات المحكمة الجنائية الدولية لن يصمد طويلاً”.
وقع الرئيس بوتين الصيف الماضي مرسوماً يُسهّل عملية منح الجنسية الروسية للأطفال الأوكرانيين.
تداول مسؤولون روسيون من ضمنهم ماريا لفوفا بيلوفا، تقارير إخبارية ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال أوكرانيين يستلمون وثائق روسية.
وقال خبراء من داخل روسيا تحدثت معهم بي بي سي، إن تسليم جوازات سفر روسية إلى الأوكرانيين يحدث “على نطاق واسع وشامل”.
ومن جهتها وصفت أوكرانيا منح جوازات سفر روسية للأطفال الأوكرانيين بأنه “اختطاف قانوني”.
حذرت لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة في تقريرها من أن منح الأطفال الأوكرانيين لأسر روسية ومنحهم الجنسية الروسية قد يكون له عواقب وخيمة في الحفاظ على هويات هؤلاء الأطفال.
لكنَّ ماريا لفوفا بيلوفا شددت في مناسبات عديدة على أن الأطفال الأوكرانيين يحتاجون إلى الجنسية الروسية لأسباب عملية، كأن يتمكنوا من الحصول على الرعاية الصحية وتلقي المساعدات الأخرى، على حد قولها.