رحلة إلى العمل وسط الحرب: الانتقال بين سوريا ولبنان
- بروك اندرسون
- كاتبة صحفية
إذا كنت تعتقد أن الرحلة التي تقطعها إلى العمل يوميا غير مريحة، فلك أن تتخيل عبور حدود في حالة حرب لتصل إلى مكان عملك، حيث نقاط التفتيش المسلحة، وأصوات إطلاق النار من حين لآخر، وطوابير اللاجئين الذين يغادرون بلادهم سيراً على الأقدام.
ذلك هو حال رجال أعمال سوريين من أمثال جهاد عوض.
جهاد رجل أعمال سوري اضطر لنقل تجارته إلى لبنان في أوائل عام 2012 بعد أن بدأت الإضطرابات في سوريا، لكنه صمم على مواصلة عمله التجاري في وطنه حتى لو كان الثمن هو تحمل رحلة بالغة المشقة لمتابعة سير العمل والاطمئنان على عشرات الموظفين العاملين لديه.
ولكي يقلل من المتاعب على الحدود، يتحرك جهاد في الصباح الباكر كل يوم اثنين من بيروت إلى دمشق بالسيارة، ليمكث يومين فقط ثم يعود.
وقبل أن تبدأ الاضطرابات والقلاقل في سوريا قبل ما يربو على ثلاث سنوات، كان من المعتاد أن يعبر الناس الحدود في أي وقت من ليل أو نهار لممارسة نشاطهم وأعمالهم التجارية.
لكن هذه الأيام، ومع فرض عقوبات متعددة على الكثير من أنشطة القطاع الخاص، ومع تعطيل الوضع الأمني لكل شيء – في ما عدا الأمور الضرورية للغاية – بات عدد الذين يستطيعون أو يريدون عبور الحدود بشكل منتظم قليل جدا.
وهنا يقول عوض “نحن من المحظوظين”، فشركته في دمشق تعمل في مجال المعدات الطبية والمواد الصيدلية بقدرة تشغيلية تصل إلى 30 في المئة، مقارنة بشركات أخرى.
فقد انهارت العديد من الأعمال الأخرى في أنحاء البلاد تحت وطأة القصف أو الضائقة المالية التي ترتبت على الحرب الأهلية السورية، والتي بدأت بانتفاضة سلمية في مارس/ آذار 2011 وأدت إلى إزهاق أرواح أكثر من 230 ألف شخص، ودمرت القطاع الخاص بشكل شبه كامل.
استثمار طويل الأجل
وتكافح الأعمال التجارية المتبقية كثيراً من أجل البقاء، على حد قول بعض أصحاب الأعمال، وما تتناقله الأخبار.
ويلاحظ عوض أن بعض أصدقائه من حلب ليس لديهم أعمال أو بيوت يعودون إليها. وحلب هي أكبر مدينة في سوريا دُمرت إلى حد كبير بفعل القصف بالقنابل، وأصبحت طرقاتها مليئة بحوادث اختطاف البشر وسرقة السيارات.
ويقول عوض عن أصدقائه: “لقد تقطعت بهم السبل، ولا يستطيعون العودة.”
ينظر بعض رجال الأعمال إلى هذه الرحلة الشاقة ذهابا وإيابا على أنها جزء من إستثمار طويل الأجل على أمل الحصول على عائد في المستقبل، ومنهم مارون شراباتي، وهو مواطن لبناني يدير شركة لإمدادات الطاقة والطاقة المتجددة.
يقول شراباتي إن الإبقاء على مجال عمله في سوريا هو وسيلة لترك الباب مواربا حتى يحل السلام، فالسوق المحتملة “واعدة للغاية” على حد وصفه.
نشأ شراباتي في لبنان إبان الحرب الأهلية (1975- 1990). ويقول إن زياراته المتقطعة إلى سوريا تهدف إلى دعم موظفيه وتشجيعهم على الاستمرار في رحلاتهم المنتظمة.
ويضيف:”عندما يفتح السوق أبوابه، ستكون هناك الكثير من أعمال البناء والإعمار، وسيتنافس الجميع على مثل تلك الأعمال.”
ولا يفكر شراباتي في إنهاء أنشطته التجارية في سوريا نظرا للوقت والمال الذي أنفقه من أجل تطوير تجارته والتي بدأها في بيروت قبل 20 عاما، واستمر في توسيعها حتى وصلت إلى سوريا قبل 12 عاما.
رحلة متكررة وطويلة
ويعد طريق دمشق السريع الذي يربط بين معبر مصنع الحدودي اللبناني ومعبر الجديدة السوري هو أكثر الطرق آمانا، وأكثرها استخداما أيضا للخروج من سوريا، كما أنه يخضع لسيطرة الحكومة السورية.
وفي الوقت الذي إعتاد فيه سائقو سيارات الأجرة على نقل الركاب من بيروت إلى نقاط محددة في سوريا، مثل دمشق وحلب وحمص، وبراً إلى تركيا، تقلصت تلك الرحلات بنسبة 80 في المئة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الحرب، كما يقول السائقون في مرآب شارل حلو في بيروت.
فمعظم رجال الأعمال الذين كانوا يستقلون تلك السيارات سافروا للعمل في أوروبا أو في دول الخليج، والقلة المتبقية من الذين يواصلون العودة إلى سوريا هم من طبقة العمال الذين يحملون بعض الأموال لأسرهم هناك.
ولربما يكون عوض أحد رجال الأعمال القلائل الذين لا يزالوا يقطعون هذه الرحلة الشاقة إلى سوريا.
ويقول عوض: “إن ما تراه على الحدود أمر صادم.” فما أن تدخل إلى سوريا حتى تُذكرك نقاط التفتيش بحالة عدم الاستقرار. وبات من المعتاد أن تمر بطوابير طويلة، بالإضافة إلى التفتيش الدقيق للمركبات وسيارات المسافرين والسائقين، إلى جانب سيل لا ينقطع من الأسئلة.
ويقول عوض إنه بمجرد أن تصل إلى دمشق يصبح واضحا أمام عينيك أن السكان قد تبلدت مشاعرهم ازاء أصوات القصف المعتادة.
خيارات المستقبل
يقول عوض من مقهى في وسط بيروت: “بوسعي أن أدير العمل من هنا لكني أذهب إلى سوريا لأظهر التضامن والتعاطف مع الموظفين والعمال في شركتي، ولكي أظهر للزبائن في سوريا أنني لست بعيدا، وأنني واحد منهم”.
وبالمثل، يُضطر شادي خوري، وهو سوري يعمل مديرا إقليميا في الشرق الأوسط لشركة إيطالية متخصصة في توريد الماكينات اللازمة لتصنيع الأدوية، إلى أن يدير معظم أعماله من بيروت.
ويقول خوري الذي ذهب إلى حمص – أكثر المدن دمارا وخطورة أيضا – في رحلة عمل قبل ثلاثة أشهر: ” هذا واجبي بالطبع، وإذا لم أواصل الذهاب إلى هناك فلن يجد الناس الدواء.”
ويضيف خوري أنه من الصعب عليه أن يشعر بإرتياح في أي من البلدين، فمع عدم الاستقرار في سوريا، يقول خوري إن هناك شعورا بالكراهية إزاء السوريين في لبنان.
أما عوض فيعتبر وجوده في لبنان ورحلاته المكوكية المنتظمة إلى سوريا وسيلة مهمة للإبقاء على نشاطه التجاري، والتي انخفضت بنسبة 80 في المئة كما يقول، لكنه يؤمن بأنه “عندما يعود الاستقرار إلى سوريا، سيكون كل شخص هناك بحاجة إلى تلك الإمدادات الدوائية.”