دليلك إلى أفضل أماكن مشاهدة النجوم في مصر
«وادي الجمال» و«سيوة» و«الصحراء البيضاء» مقصد هواة «السياحة الفلكية»
تمضية إجازة تحت السماء الصافية ليلاً، ورصد الكواكب والنجوم والمجرات، يشكلان متعة حقيقية لكثير من السياح حول العالم؛ الراغبين في الاستمتاع بأجواء هادئة بعيداً عن ضجيج المناطق الحضرية المعتادة.
وإذا كنت تخطط لرحلة من هذا النوع، لا سيما في الفترة من مارس (آذار) حتى سبتمبر (أيلول)، حيث تنتعش «السياحة الفلكية» في هذا التوقيت، فيمكنك إضافة الوجهات البيئية الفسيحة ذات الظلام الحالك والسماء شديدة النقاء ليلاً إلى خططك، لكن في الوقت نفسه، عليك أن تعرف أنك بصدد مغامرة من نوع خاص، ستقيم خلالها في الغالب في مخيمات صحراوية، بعيدة عن رفاهية المنتجعات والفنادق.
سياحة رصد النجوم تجذب السياح من مختلف الجنسيات (تصوير: الرحالة أحمد الششتاوي)
ونقدم لك مجموعة من أفضل أماكن السياحة الفلكية في مصر؛ سواء بالعين المجردة أو التلسكوب أو كاميرات التصوير، حيث الصحراء الممتدة ذات الطبيعة المعزولة واتساع السماء المظلمة:
القاهرة
المفاجأة أنه ليس عليك بالضرورة الخروج من العاصمة المصرية رغم ازدحامها كي تمارس هواية الرصد الفلكي، فكل ما عليك هو أن تختار ما بين مكانين؛ الأول هو محمية «وادي دجلة»، وهناك ستقضي وقتك في وادٍ ممتد من الشرق إلى الغرب بطول نحو 30 كم، يمر بصخور الحجر الجيري الذي ترسب في البيئة البحرية بالصحراء الشرقية منذ ملايين السنين، وإذا كنت من عشاق الصحراء هناك فستكتشف جانباً آخر لروعتها حين تتأمل تكوينات الصحراء مع خلفية السماء ومشهد النجوم في الليل، وكلها تتداخل معاً.
لذلك لا تجتذب هواة سياحة الفلك وحدهم، إنما تجتذب المصورين أيضاً، وفق الفنان الرحالة أحمد الششتاوي الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «وادي دجلة من أرخص الأماكن وأقربها، ويمكنك القيام بكثير من النشاطات داخلها؛ وليس فقط رصد النجوم، حيث تستطيع أن تمشي نهاراً لمسافات طويلة، وتمتاز بجوها المعتدل، وتشاهد أثناء ذلك عدداً من الحيوانات النادرة مثل الغزلان والأرانب البرية والثعلب الأحمر والماعز الجبلي والسلاحف والطيور، وتتناول الطعام والشراب على الطريقة البدوية أو تقيم حفل شواء».
وتقع المحمية في «زهراء المعادي»، أي على بعد نحو 5 كم من طريق الأوتوستراد، تصل إليها بالسيارة الخاصة بك، أو تركب حافلة عامة من موقف «عرب المعادي» وتنزل في نهاية الخط وتسير على قدميك في نحو 10 دقائق حتى بوابتها، سعر تذكرة الدخول 25 جنيهاً (الدولار يعادل نحو 30 جنيهاً)، وتستمر من 7 صباحاً حتى الخامسة مساءً، أما تذكرة المبيت لمشاهدة النجوم والرصد الفلكي فهي 50 جنيهاً.
لحظات ممتعة في أماكن تتميز بروعة الطبيعة (تصوير: الرحالة أحمد الششتاوي)
أما المكان الآخر في القاهرة فهو «هضبة الأهرامات»؛ حيث روعة وجمال الأجواء ليلاً، وبرغم الإحساس بالهيبة أو الخوف في الظلام، فإنك ستكون في أمان، حيث يقف أبو الهول حارساً لك وكل ما يحتضنه المكان! وهناك يمكنك مشاهدة مجرة «درب التبانة» التي تضيء السماء فوق الأهرامات بكل زخرفتها وتوزيعاتها.
وكي يكتمل استمتاعك احرص بشكل مسبق على اختيار يوم يقام فيه عرض الصوت لتستمع إلى قصة أبو الهول. والأسعار هناك تصل إلى 20 دولاراً أميركياً.
محمية وادي الجمال
إلى جانب كونها وجهة سياحية معروفة، وبها مناطق ذات تصنيف عالمي بفضل شواطئها الجميلة وتنوعها البيئي، فهي أيضاً أحد أفضل المواقع لمراقبة السماء والنجوم؛ بسبب انخفاض نسبة التلوث؛ وصفاء السماء ليلاً، لذلك إذا كنت تبحث عن سفر لا يخلو من الإلهام، فاتجه إلى محمية «وادي الجمال»؛ جنوب محافظة البحر الأحمر، لتنظر إلى النجوم وتتأمل مجرة «درب التبانة».
الصحراء البيضاء
تتمتع الصحراء البيضاء، جنوب غربي مصر (500 كيلومتر من القاهرة)، بجمال مناظر الكثبان الرملية والتكوينات الجيولوجية لصخور الأحجار الجيرية والطباشيرية ناصعة البياض، يقول الششتاوي: «هي توأم المريخ؛ إذ إن سطح الأرض في تلك المنطقة هو الأكثر شبهاً بسطح هذا الكوكب، وهي تتميز بأنه يمكن لزوار المكان مشاهدة النجوم بوضوح، بل ورؤية كوكب الزهرة، حيث تعد المنطقة من أفضل المواقع لمتابعة نجوم مجرة درب التبانة».
المثير أيضاً أنك ستشاهد قمراً مكتملاً على الأرض من فرط توهجها، وهو ما يفسره الرحالة المصري قائلاً: «صخورها الطباشيرية البيضاء تجعلها تظهر كما لو كانت قمراً مضيئاً على الأرض؛ ذلك لأن هذه الصخور تستطيع الاحتفاظ بضوء الشمس والتوهج ليلاً، ومن هنا فإنك لن تستمتع فقط بالتأمل الفلكي في السماء وحدها، إنما على الأرض أيضاً!».
الفيوم
الباحثون المتحمسون عن الظلام سيجدون أنقى الأجواء في صحراء الفيوم؛ وهي من أهم الوجهات في مجال السياحة الفلكية الناشئة بمصر، إذ تعد صحراء «محمية وادي الريان» من أكثر المناطق تميزاً لمراقبة الكواكب والنجوم في الليالي الصافية، وأنصحك كذلك بالتوجه إلى منطقة «جبل المدورة» أو «وادي الحيتان» التي يُوصف ليلها بأنه مختلف عن أي مكان آخر في العالم؛ إذ يكاد ينعدم التلوث الضوئي، ما يسمح بمراقبة استثنائية سهلة للنجوم بالعين المجردة، كما يسمح بالتقاط الصور بالكاميرات أو بالتليسكوب.
لحظات ممتعة في أماكن تتميز بروعة الطبيعة (تصوير: الرحالة أحمد الششتاوي)
سانت كاترين
تتمتع مدينة سانت كاترين في سيناء بأعلى قمم جبلية على مستوى مصر؛ لذلك هي من أفضل الوجهات التي يمكن للسياح الاستمتاع فيها بمشاهدة الظواهر الفلكية ومسارات النجوم وليالي القمر وشروق الشمس؛ فعند تسلق جبل «سانت كاترين» أو حتى «جبل موسى» الأقل في الارتفاع، فإنك ستكون بحق في قلب الطبيعة؛ حيث المناظر الخلابة في السماء والأرض أيضاً، وبرغم المشقة التي قد تتعرض لها أثناء تسلق الجبال فإنك حتماً ستنسى ذلك كله ما إن تستلقي تحت غطاء السماء مراقباً ظواهرها العديدة المذهلة.
تقع «سانت كاترين» في قلب محافظة جنوب سيناء على قمة هضبة بارتفاع 1600 متر فوق سطح البحر، وتبلغ المسافة بين القاهرة وسانت كاترين: 450.4 كم، وتوجد فيها فنادق ذات إطلالات جبلية وأخرى على البحيرات.
لكن ليس ضرورياً للاستمتاع بالمشهد الكامل لسماء الليل في سانت كاترين أن تتسلق الجبال إذا كنت لا تجيد هذا الأمر، فلا يزال الوادي عند قاعدة الجبال بعيداً عن الأضواء والغبار والتلوث المقبلين من المدن الصاخبة؛ مما يوفر لك ظروفاً مثالية لمشاهدة النجوم؛ ويمكن لسماء الليل الصافية والآلاف من النجوم فوق جبال سانت كاترين أن تجعل الزائرين في رحلة غير مألوفة إلى الفضاء الواسع.
سيوة
هنا ستكتشف إلى أي مدى أن فكرة التحديق في السماء بالظلام الحالك والتفكير في جمال الطبيعة حولك، غاية الروعة حين تكون في مكان بكر يبعد مسافات طويلة بعيداً عن صخب المدن، ومن فرط النقاء في سيوة، فإنك ستدهش كيف أن النجوم تضيء أشجار النخيل والبحيرات التي تشتهر بها المدينة.
يشارك السياح حكي قصصهم ومغامراتهم عن السماء المرصعة بالنجوم. عند زيارة سيوة، وبسبب صفائها والمنظر الخلاب لتعانق أشجار النخيل وتلاقيها مع بحيرات الماء العذبة والمالحة والكثبان الرملية العملاقة؛ ذلك كله يدفعك إلى إجراء بعض التغييرات في طريقة حياتك بعد انتهاء الرحلة، بسبب ما تتيحه لك من فرصة نادرة للاختلاء بنفسك، وإفراغ ما بداخلك من هموم وأفكار، بل ربما يقودك تأمل النجوم هناك إلى التعرف على ذاتك وإعادة اكتشافها.
تقع سيوة في قلب صحراء مصر الغربية مسافة 820 كيلومتراً جنوب غربي القاهرة، وهي الأبعد بين الواحات الأخرى، ويوجد بها فنادق بيئية تتلاءم مع طبيعتها، أو يمكنك الإقامة في كامب أو التخييم تحت السماء.