تعرف على الفطر الذي يمكنك ارتداؤه واستخدامه في البناء
- سوزان بيرن
- مراسلة شؤون المال والأعمال
لا شك أن الفطر يحظى بشعبية فريدة في وقتنا هذا.
فمن الفيلم الوثائقي الشهير فانتاستك فنغي Fantastic Fungi على منصة نتفليكس Netflix، إلى زيادة التجارب الطبية التي تستكشف استخدام مركب موجود في الفطر السحري، كعلاج للاكتئاب، يبدو جليا أن طفرة الاهتمام بالفطر آخذة بالازدياد.
ولكن هناك جزءا واحدا من الفطريات بدأت الشركات بالاهتمام به واستخدامه بشكل خاص، وهو البنية الجذرية للفطر.
تقوم شركة بايوهم Biohm للتصنيع الحيوي ومقرها لندن، بتنمية الفطريات على نطاق واسع من خلال إطعامها أشياء مثل نفايات الطعام ونشارة الخشب لإنشاء منتجات صناعة البناء مثل الألواح العازلة. ويمكن لاحقا استخدام تلك الألواح العازلة كبديل للبلاستيك.
توضح أوكسانا بوندار، مديرة التصميم في شركة بايوهم: “نحن نركز على إيجاد حلول للأشياء التي تشكل تحديات على مستوى العالم، وأحد أكبرها من حيث التأثير على الكوكب والنظام البيئي هو كل ما يتعلق بصناعة البناء”.
“لقد بحثنا بشكل أعمق في مجاري النفايات، وأنواع المواد، ونسيج المباني، وكانت إحدى أكبر السلع المستخدمة هي مواد وألواح العزل. وهكذا جاءت الفكرة في معالجة أحد أكبر التحديات من خلال إيجاد حل طبيعي”.
بمجرد أن تنمو الفطريات على مدى عدة أسابيع، تحصدها الشركة وتجففها، ثم تضغطها في ألواح تشبه الطوب.
تقول بوندار: “الشيء الجميل في هذا المنتج هو أنه يمكن إعادة تصنيع الألواح، ويمكن تقسيمها إلى مخزون علف، ومن الآمن تحويلها إلى سماد ، وهي محايدة الأس الهيدروجيني وطبيعية 100 في المئة، ويمكنها تخصيب التربة”.
وقالت متحدثة باسم بايوهم إن الشركة “تتفاوض حاليا مع كبرى الشركات متعددة الجنسيات لنقل منتجاتها إلى الأسواق العالمية..ونتوقع أن يُستخدم منتج الشركة الذي يقوم على استعمال الميسيليوم للعزل الحراري، في المنازل والمكاتب والأماكن العامة في المملكة المتحدة وأوروبا خلال العامين المقبلين”.
في سان فرانسيسكو، تعكف شركة تسمى مايكووركس MycoWorks على زراعة الفطريات لإنتاج بديل للجلد يسمى ريشي “Reishi”. وباستخدام هذه المواد، تُصّنع الشركة كل شيء من القبعات إلى المحافظ وحقائب اليد وحتى أطباق تقديم الطعام.
تقول صوفيا وانغ، المؤسسة المشاركة لشركة مايكووركس: “إن مادة ريشي المزروعة مادة مذهلة، وهي الأولى من نوعها كبديل للجلد لا يستخدم البلاستيك كمكون أساسي”.
“تتم زراعتها باستخدام ثلاث مواد عضوية – الماء ونشارة الخشب والميسيليوم، والتي تحافظ جميعها على مستويات منخفضة لانبعاثات الكربون”.
وتضيف أن قطاع السلع الكمالية بات يبدي قدرا كبيرا من الاهتمام بعمل الشركة. وقد ساعدت مايكووركس دار الأزياء الفاخرة Hermes بالفعل في إنتاج حقيبة يد مصنوعة جزئيا من مادة الميسيليوم، بالإضافة إلى تعاونها مع صانع القبعات الشهير نيك فوكيه Nick Fouquet.
كما تعمل الشركة أيضا مع شركة جنرال موتورز الشهيرة لصناعة السيارات لاستكشاف إمكانية استخدام الفطريات في صناعة أجزاء المقصورة الداخلية للسيارة.
تقول وانغ إن الشركة تزرع الفطريات لتنمو وتصبح على شكل طوبة أو آجرة كبيرة. بعد ذلك تقشر الطبقة العليا منها، والتي تبدو كقطعة من جلد الحيوانات، ويمكن دباغتها أو تلوينها بنفس طريقة دباغة الجلد.
تقول وانغ إن تكلفة ريشي يمكن مقارنتها حاليا بتكلفة الجلد الفاخر، لكنها تأمل أن ينخفض السعر بعد زيادة الإنتاج على نطاق واسع.
ولتحقيق هذا النمو جمعت الشركة 125 مليون دولار (104 مليون جنيه إسترليني) لتمويل بناء منشأة جديدة تسمح بزيادة الإنتاج من آلاف الألواح سنويا إلى الملايين. ومن المقرر افتتاحها في ساوث كارولينا في وقت لاحق من هذا العام.
وفي حين أنه من الصعب تقدير القيمة المالية لقطاع الفطريات بشكل دقيق، إلا أن نموه السريع يزيد بلا شك من نمو سوق الفطريات العالمي الأوسع. ومن المقرر أن يصل هذا إلى 90.4 مليار دولار بحلول عام 2028، مع العلم أن قيمته بلغت نحو 63 مليار دولار في عام 2022، وفقا لشركة الأبحاث إيمارك غروب Imarc Group.
يقول الدكتور ميتشل جونز، الباحث في جامعة فيينا للتكنولوجيا، والخبير في الميسيليوم: “أعتقد أن سبب الاهتمام المتزايد بالفطريات لتطبيقات علوم المواد مرده لزيادة الوعي”.
وأضاف: “عندما بدأت رسالة الدكتوراه حول هذا الموضوع منذ حوالي سبع سنوات، لم يكن أحد يعرف عن الميسيليوم.. لم يكن هناك تقريبا أي بحث موثق حول المواد القائمة على الفطريات، وشركتان فقط في الولايات المتحدة كانتا تستخدمانه”.
وتابع: “أصبح الأمر أكثر شيوعا هذه الأيام.. إذ تظهر الشركات التي تستخدمه في كل مكان بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا وهولندا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وإستونيا وأستراليا. وكلما زاد اهتمام وسائل الإعلام بالموضوع، زاد عدد الأشخاص الذين يرغبون في الاستثمار فيه. ويبدو أن الجاذبية تكمن في غرابة الفكرة”.
بالنسبة للدكتور جونز، فإن شهرة الميسيليوم الكبيرة والمستدامة تجعلها مادة جذابة. بالنسبة للمبتدئين، عادة ما يتم تصنيعه باستخدام المنتجات الثانوية الزراعية أو الحرجية، أو نفايات الطعام التي كان من الممكن حرقها أو التخلص منها في مكب النفايات.
ويضيف أنه على عكس معظم عمليات التصنيع – التي قد تستهلك الكثير من الطاقة وتتطلب آلات – الفطريات، وهي كائن حيوي، تختزل ذلك العمل الشاق وتنجزه بالنيابة عنك، ببساطة عن طريق النمو.
ولكن هل هناك أي سلبيات لاستخدام الفطريات؟ يحذر الدكتور جونز من أنه يجب تغليفها بشكل فعال بمادة طاردة للماء، “فهي تشبه الإسفنج مقارنة بالمواد الأخرى، لذلك تكون عرضة لامتصاص كميات كبيرة من الماء”.
ويضيف أننا لا نعرف حتى الآن مدة حياة تلك المنتجات المصنعة من الفطريات “نظرا لأنها لم تنتج على نطاق تجاري حتى الآن، فليس لدينا بيانات دقيقة لتقييم تلك المدة”.
ويستخدم عدد متزايد من الشركات الناشئة في مجال الأغذية أيضا الفطريات كبديل عالي البروتين للحوم، أو حتى كبديل لدقيق القمح.
وقد جمعت شركة بوسكيو فودز Bosque Foods ومقرها برلين، 3 ملايين دولار لتطوير بدائل للدجاج ولحم الخنزير ولحم الخنزير المقدد، تعتمد على الميسيليوم.
تقول إيزابيلا إغليسياس-موساشيو، المؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية للشركة، إنهم يزرعون الفطريات “خلال بضعة أيام فقط” في أوعية تخمير تسمح بالزراعة الداخلية.
“من وجهة نظرنا، هذا مفيد لأننا قادرون على زيادة إنتاجنا بطريقة أكثر فعالية من حيث التكلفة، مما يعني أنه يمكننا التوصل إلى التكافؤ في الأسعار مع لحوم الحيوانات في وقت أقرب”، كما تقول.
بينما لم يتم طرح منتجات بوسكيو للبيع بعد، فإن البرغر القائم على الميسيليوم متاح بالفعل للشراء في الولايات المتحدة، وقد أعطى الاتحاد الأوروبي تصريحا لنوع واحد من تلك المنتجات التي تعتمد على الفطريات في وقت سابق من هذا العام.
وكان الوضع في المملكة المتحدة معقدا بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن وكالة معايير الغذاء في المملكة المتحدة حافظت على قواعد تفويض الاتحاد الأوروبي لما يسمى بـ “الأطعمة الجديدة”، والتي تشمل المواد الغذائية التي لم يتم استهلاكها “بشكل كبير” قبل عام 1997.
وترى إيزابيلا إغليسياس موساشيو، أن الفطريات هي مستقبل الطعام النباتي، وتقول: “بعض المشكلات المتعلقة بالبدائل النباتية هي أن البروتين المعزول من الصويا والبازلاء، يمكن أن يكون له نكهة قوية جدا يجدها كثير من الناس في حد ذاتها غير مقبولة”.
“أما الفطريات فهي بمثابة ورقة بيضاء فارغة بالنسبة لنا، إذ تمكننا من إبداع نكهات لذيذة يتوق إليها الناس”.