بعد إنقاذها للأعمال.. هل انتهت ثورة العمل عن بُعد؟
ومع بروز الجوانب الإيجابية لأسلوب “العمل عن بُعد”، خلال انتشار فيروس كوفيد-19، اعتقد كثيرون أن تطبيق هذا الأسلوب من العمل، لن يقتصر حصراً على فترة انتشار كورونا، بل سيستمر ليصبح النمط السائد للأعمال لسنوات طويلة، خاصة أن “العمل عن بُعد”، ساعد الشركات على تقليص كلفة إيجارات المقرات والمكاتب، التي لم تعد بحاجة إليها، إضافة إلى تخلص الموظفين من مهمة التنقل بين المنزل والعمل، التي قد تكون مرهقة في بعض الأحيان.
ولكن وبعد مرور نحو 3 سنوات على انتشار نظام “العمل عن بُعد”، ومع الانحسار شبه التام لفيروس كوفيد-19، يبدو أن الشركات العالمية بدأت تعيد نظرها، بشكل كلي بهذا النظام الذي تحول بنظرها من نظام “منقذ للأعمال” إلى نظام “قاتل للإنتاجية والابتكار”.
هذا التحول في التوجه لم يقتصر على شركة واحدة، بل شمل معظم الشركات في العالم، وآخرهم شركة “زووم” التي قادت ثورة العمل عن بعد أثناء جائحة فيروس كورونا.
زووم تنعى العمل عن بُعد
فقد أصدرت شركة “زووم” منذ ساعات، مذكرة طالبت فيها موظفيها، بالعودة للعمل من مقر الشركة، بهدف تعزيز إدارة العمليات، والحد من تشتت فرق العمل ورفع مستوى التعاون فيما بينهم.
كما أعلنت “زووم” أنها سوف تنشئ نظاماً هجيناً للعمل، يقضي بحضور الموظفين القاطنين بالقرب من مقرات العمل، يومين كل أسبوع، وهو ما اعتبره المراقبون بمثابة نعي لنهج “العمل عن بُعد”، من شركة رائدة في طرح منتجات رقمية تساعد في اعتماد أسلوب العمل من المنزل.
وتأتي خطوة “زووم” الأخيرة، لتستكمل مسار العودة إلى مكاتب العمل، والذي بدأت به شركات التكنولوجيا الكبيرة مثل غوغل وأبل وأمازون.
في حين يعتبر عدد من كبار المدراء التنفيذيين مثل جيمي ديمون وهو المدير التنفيذي لمصرف “جيه بي مورغان”، أن العمل عن بعد غير مفيد للإبداع وفرق الإدارة والموظفين الجدد، مشيراً إلى أن 60 بالمئة من القوى العاملة لدى المصرف، يعملون من المكتب 5 أيام في الأسبوع وأنه يود أن ترتفع تلك النسبة أكثر من ذلك.
الحاجة انتفت للملاذ الآمن
ويقول الخبير في الموارد البشرية وريادة الأعمال لوسيان معماري، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن انتشار جائحة كوفيد-19 ساهم في جعل خيار “العمل عن بُعد” بمثابة الملاذ الآمن للشركات والأفراد، فالشركات رأت أنه الخيار الذي يضمن استمرار أعمالها، مع عدم قدرة الموظفين على الوصول إلى أماكن أعمالهم.
في حين رأى الأفراد أن العمل من المنزل، يحميهم من خطر التعرض للفيروس القاتل، وبالتالي تقاطعت مصالح الطرفين على تنفيذ الخيار الذي لم يكن هناك بديلاً عنه حينها.
وبحسب معماري فإنه مع زوال فيروس كوفيد-19 إنتفت الحاجة للبقاء والعمل من المنزل، وبدأت عجلة الاقتصاد العالمي تدور بشكل سريع، بما لا يتماشى مع القدرة الإنتاجية لعمل الموظفين من المنزل، مشيراً إلى أن طلب الشركات الكبيرة من موظفيها العودة إلى أماكن العمل لم يأت عن عبث، فالشركات لاحظت أن بقاء الموظفين في المنازل تسبب بإتمامهم لأعمالهم دون حماسة، وأفقدهم روح الإبتكار المطلوبة لخلق أي منتج أو خدمة جديدة، وهذا الأمر مبرر من الناحية العلمية، حيث أن اختلاط وتواصل الموظف بأشخاص من خلفيات اجتماعية متعددة في مكان العمل، لطالما اعتبر من العناصر التي تنمي وتحفز قدرات الفرد المهنية وتجعله أكثر قدرة على الإنتاج.
ويضيف معماري أن الشركات لاحظت أن موظفيها، وبعد فترة طويلة من العمل عن بُعد، باتوا يقومون بوظائفهم لمجرد القيام بها فقط، فإضافة إلى حالة الملل والإنعزال التي قد يسببها العمل من المنزل، عانت الكثير من الشركات من التشتيت الدائم، الذي يتعرض له موظفوها في المنزل وذلك بسبب العائلة والزوار، ومع صعوبة مراقبة أداء الموظفين، وتحفيزهم للعودة الى إنتاجهم المعتاد باتت الشركات تعتبر أن “العمل عن بُعد” تحول إلى “قاتل للإنتاجية والإبتكار”، ولذلك نرى أن هنا اتجاهاً للتخلص من هذا الأسلوب في العمل.
أسلوب العمل الهجين لن يستمر
ويكشف معماري أن هناك العديد من الموظفين الذين يرفضون العودة للعمل في مقار الشركات بشكل يومي، بسبب المزايا التي يتمتعون بها في المنزل، ولذلك نرى أن الكثير من الشركات تعتمد وعند دعوتها الموظفين للعودة إلى مقار أعمالهم، على أسلوب العمل “الهجين”، الذي يجمع بين العمل من المنزل والعمل من المكتب، مشيراً إلى أنه حتى هذا الأسلوب في العمل لن يستمر طويلاً، حيث سنشهد خلال عام 2024 عودة كاملة للموظفين لنظام العمل التقليدي، الذي يتطلب الحضور يومياً إلى أماكن العمل.
وكان تقرير سابق لـ “ماكينزي جلوبال إنستيتيوت” قد اشار إلى أن نهج “العمل عن بُعد”، قد يمحو نحو 800 مليار دولار من قيمة المباني المكتبية في المدن الكبرى، بحلول 2030، وذلك مع تراجع حاجة الشركات للمساحات المكتبية.
وتقول رجاء خالد وهي خبيرة في شؤون التوظيف في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه رغم إدراك الشركات أن “العمل عن بُعد” يوفّر عليها كميات كبيرة من الأموال المخصصة لمصاريف وإيجارات المساحات المكتبية، إلا أنها فضلت الطلب من موظفيها العودة الى مزاولة أعمالهم من أماكن العمل، لأن كلفة الإيجارات والمصاريف الناتجة عن تواجد الموظف في مكان العمل، هي أقل بكثير من الكلفة التي سيتسبب بها تراجع أداء الشركة في حال بقاء الموظفين في منازلهم.
وتضيف خالد إن طلب شركة “زووم” التي ساهمت في انتشار نهج “العمل من المنزل”، من موظفيها العودة إلى العمل من مقار الشركة، يدل فعلاً على أن ثورة “العمل عن بُعد” قد ماتت رسمياً، فالشركة أشارت بالفعل إلى أن الحد من التشتيت الذي تتعرض له فرق العمل، يتطلب العودة إلى المكتب، وهذا ما يؤكد أن وجود فريق العمل تحت الإدارة المباشرة لمسؤول صارم، يدير ويراقب ويحفّز المهارات ويصحح الأخطاء، يجعل الموظفين أكثر انخراطاً وإنتاجاً في أعمالهم، حيث أن هذا النهج هو الكفيل بإنجاح الأعمال والابتكارات.