الهجرة إلى أوروبا: رحلة البحث عن صاحب محفظة فُقِدت في البحر
- توماس نادي
- بي بي سي نيوز، لامبيدوزا وأكرا وبريمن
تم العثور على محفظة بلاستيكية سوداء تآكلت بفعل العوامل الجوية في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية حيث تم التخلص منها على ما يبدو على بعد 3500 كيلومتر من غانا.
عند فتحها، حدق وجه ريتشارد أوبوكو في وجهي من رخصة قيادته.
كانت تلك المحفظة ضمن مجموعة من الوثائق الشخصية الخاصة بأشخاص مختلفين تم جمعها بمرور الوقت من موقع تم فيه التخلي عن القوارب الصغيرة التي يستخدمها المهاجرون لعبور البحر الأبيض المتوسط.
وقد تم العثور على المحفظة منذ عدة سنوات وأثارت فضولي، وأردت أن أعرف القصة وراء صاحبها.
ماذا حدث لريتشارد أوبوكو؟
كانت المحفظة بين من مجموعة كئيبة من المتعلقات المفقودة، والتي تُستخدم كمتحف لذكرى عشرات الآلاف الذين خاطروا بحياتهم لعبور البحر الأبيض المتوسط من شمال أفريقيا إلى لامبيدوزا.
سترات النجاة وأواني الطهي وزجاجات المياه والكشافات وأشرطة الكاسيت مرتبة بدقة على الرفوف وعلى طول جدران هذه الغرفة بجوار ميناء الجزيرة مباشرة.
ويتم جمع هذه المتعلقات من قبل مجموعة من المتطوعين منذ عام 2009.
ويقول غياكومو سفيرلازو، أحد منظمي المجموعة وهو يحمل كيسا صغيرا من البوليثين الأبيض: “يجلب البعض معهم التربة، يجلبونها من بلادهم، لقد وجدنا عددا من هذه الطرود الصغيرة التي تظهر العلاقة مع أحد البلدان في أفريقيا”.
ثم أخرج مجلدا كبيرا مليئا بالصور وجوازات السفر ورخص القيادة والخطابات، بما في ذلك رخصة القيادة الخاصة بأوبوكو.
ولامبيدوزا، وهي أقرب إلى أفريقيا من أوروبا، جزيرة صيد صغيرة وسياحية يبلغ عدد سكانها حوالي 6 آلاف شخص، وقد كانت منذ فترة طويلة نقطة وصول للمهاجرين واللاجئين الباحثين عن حياة جديدة.
وفي كل عام، يخاطر الآلاف بحياتهم وهم يحاولون شق طريقهم إلى أوروبا.
في شهر مارس/آذار وحده، وصل أكثر من 3 آلاف شخص إلى لامبيدوزا، أي أكثر من ضعف عدد الوافدين في نفس الشهر من العام الماضي.
ومع تسجيل أكثر من 20 ألف حالة وفاة وفقدان منذ عام 2014، أصبح هذا الجزء من البحر الأبيض المتوسط أخطر طريق للهجرة في العالم.
لكن قد يكون أوبوكو من بين أولئك الذين نجوا، وأعود إلى غانا لمحاولة متابعة مساره.
أسافر إلى منطقة وسط برونغ أهافو حيث يهاجر عدد كبير من الناس.
ربما التقى شخص ما هنا مع أوبوكو أثناء قيامهما برحلتهما شمالا.
لا تزال بعض العائلات تنتظر أخبارا عن أقاربهم منذ مغادرتهم قبل سنوات عديدة.
وتأمل ريتا أوهينيوا في الحصول على أخبار عن زوجها الذي حاول عبور البحر الأبيض المتوسط من ليبيا إلى لامبيدوزا في عام 2016.
كانت آخر مرة سمعت فيها عنه عندما اتصل من ليبيا في ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام.
وتقول ريتا أوهينيوا: “أخبرني أنه سيرسل بعض المال عن طريق شخص كان مسافرا إلى غانا، ووعد أيضا بإضافة هاتف محمول وملابس عيد الميلاد للأطفال، لقد اتصل في ذلك اليوم في الصباح والمساء ثم لم أسمع منه مرة أخرى.”
مثلها، كان من الممكن أن تكون هناك زوجة أو قريب ينتظرون أخبار أوبوكو.
بالعودة إلى العاصمة الغانية أكرا، هناك سلسلة من الإحباطات لأن قواعد حماية البيانات والعقبات البيروقراطية تمنعني من معرفة المزيد عن هذا الرجل.
لكن أخيرا، وبعد شهور من البحث حدثت انفراجة.
فقد تمكن فرانك أبيرونتي، من مركز خبراء تزوير المستندات التابع لخدمة الهجرة في غانا، من العثور على رقم هاتف لأحد أقارب صاحب رخصة القيادة.
كانت أخته التي تخبرني أنه لا يزال على قيد الحياة ويعيش في ألمانيا.
وعندما اتصلت بأوبوكو، صُدم عندما أخبرته أنني وجدت رخصة قيادته في لامبيدوزا.
اتضح أنه فقدها في عام 2011 ولم يتوقع أن تعود مرة أخرى. في الواقع، إنه لم يصدق أنها بحوزتي حتى شاركته صورة لها.
أخيرا، سافرت إلى ألمانيا لمقابلته.
في صباح شتاء بارد، رحب بي في شقته الصغيرة المكونة من غرفة نوم واحدة، على مشارف مدينة بريمن في شمال ألمانيا.
ويعمل الرجل، البالغ من العمر 40 عاما الآن، كسائق شاحنة.
وعندما كان في غانا، عمل لبعض الوقت كعامل مناجم ذهب غير قانوني لجمع الأموال من أجل رحلته. كان يعمل بين رجال يخاطرون بحياتهم يوميا في أنفاق غير آمنة تنهار أحيانا.
في عام 2009، عندما قرر الانطلاق إلى أوروبا، قال إنه كان يعرف المخاطر التي قد تنطوي عليها الرحلة، لكنه شعر أنها ليست أكثر خطورة من العمل الذي كان يقوم به في غانا.
سلك طريقا متعرجا في جميع أنحاء المنطقة بينما كان يحاول كسب المال للمضي قدما.
ذهب أولا إلى كوتونو في بنين المجاورة، ثم إلى لاغوس في نيجيريا المجاورة، حيث كسب المال من خلال قيادة دراجة بخارية تحمل ركابا في جميع أنحاء المدينة الضخمة.
من هناك عاد إلى كوتونو وتوجه شمالا إلى النيجر المجاورة حيث عمل في مطعم محلي لمدة شهرين آخرين.
لكن الرحلة في مركبة عبر الصحراء من النيجر إلى ليبيا كانت أكبر اختبار تعرض له حيث استخدم الأموال التي حصل عليها من العمل في نيجيريا والنيجر لدفع الأجرة.
لقد اندهش من معرفة السائق إلى أين يتجه في مكان لا يوجد فيه طرق.
وقال أوبوكو: “في بعض الأحيان تشاهد في الطريق مجموعة، كل 35 شخصا مع السائق، كلهم ماتوا.”
ربما ماتوا من العطش، فهو غير متأكد.
ومضى قائلا: “الماء شيء مثل الذهب أو الماس في تلك الرحلة، ربما تشرب طوال اليوم مرة أو مرتين فقط، مجرد رشفة صغيرة”.
وعلى الحدود التشادية أوقف مجرمون السيارة وجردوا ركابها من ملابسهم وأموالهم.
وقد نجح أوبوكو في الحيلولة دون أخذ أمواله من خلال إخفائها في جسده.
ومع ذلك، لم تنته متاعبه بمجرد وصوله إلى ليبيا حيث تم اختطافه من أجل الحصول على فدية وتعرض للضرب المبرح لأنه لم يتمكن من الاتصال بأحد أقاربه للدفع. وأخيرا، دفعت سيدة كانت تبحث عن عمالة منزلية مقابل إطلاق سراحه.
ثم في عام 2011، بعد عامين من مغادرته غانا وفي خضم الانتفاضة ضد الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، استقل أوبوكو قاربا في طرابلس للعبور إلى لامبيدوزا.
لكن في وسط البحر الأبيض المتوسط، توقف محرك القارب. كان على أوبوكو ورفاقه الاعتماد على رحمة الرياح حتى يتم إنقاذهم من قبل خفر السواحل الإيطالي.
وقد فقد محفظته ورخصته عندما رسى القارب على شواطئ لامبيدوزا.
تم وضعهم في البداية في معسكر، ثم نُقلوا إلى مركز للمهاجرين في صقلية. كانت خطته هي التوجه إلى ألمانيا، حيث سمع من الغانيين الآخرين أنها مكان جيد للحياة فيه.
أثناء وجوده في إيطاليا، تقدم بطلب للحصول على اللجوء.
تم رفض طلبه في البداية، لكنه يقول إنه تمكن من الحصول على إذن ليكون في أوروبا كما أوصت الأمم المتحدة إيطاليا بأن يحصل أي شخص فر من ليبيا خلال اضطرابات 2011 على إذن بالبقاء لمدة عام. لم أتمكن من التحقق من هذه المطالبة.
ويقول أوبوكو: “كانت الرحلة شاقة للغاية، لقد كانت جحيما، لكن ليس هناك أمل في الوطن، لذلك ستتحمل الآلام وتواصل الرحلة”.
تخيل أوبوكو حياة سهلة في أوروبا، لكنه يقول إن الأمور لم تسر على هذا النحو.
وأوضح قائلا:”عندما كنت في أفريقيا، اعتقدت أنك ستحصل في أوروبا على المال بسهولة، ولكن الأمر ليس كذلك، عليك أن تعمل بجد، لكن في الوطن، لم تكن لدي خطة للبقاء على قيد الحياة، لذلك سأقول إنني ممتن لوجودي هنا”.