“الندم”.. استطلاع صادم يظهر موقف البريطانيين من الانفصال
الاستطلاع الذي أجرته YouGov عكس وصول حالة “الندم” على الخروج من التكتل الأوروبي إلى مستويات قياسية، ذلك أن النتائج أظهرت أن:
- 9 بالمئة فقط من البريطانيين يعتبرون الخروج من الاتحاد الأوروبي “نجاحاً” أكثر من كونه “فشل”.
- 62 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع اعتبروه فشلاً أكثر من كونه نجاح (من بينهم 37 بالمئة من المؤيدين السابقين للخروج).
وكان زعيم حزب بريكست، نايجل فاراج، قد أقر الأسبوع الماضي بأ “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد فشل، مع عدم رؤية الاقتصاد لأية فوائد حتى الآن”.
وذكر أن “البلاد لم تستفد فعلياً من الخروج”، ملقياً اللوم في ذلك على السياسيين المحافظين “غير المجديين” الذين “يسيئون إدارة الخروج من الكتلة”، على حد وصفه. بينما تشير نتائج استطلاع شركة البيانات والرأي العام، إلى أن معظم الناس “يتفقون مع هذا التقييم”.
تشير البيانات ذاتها إلى أن 75 بالمئة من البريطانيين يعتقدون بأن “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان من الممكن أن يكون ناجحاً، لكن تنفيذه من قبل هذه الحكومات و / أو الحكومات السابقة جعله فاشلاً”.
- يعتقد معظم الأشخاص الذين يعتبرون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فاشلاً أنه كان محكوماً عليه بالفشل منذ البداية.
- 56 بالمئة قالوا إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون دائمًا فاشلاً، ولم يكن هناك أي شيء يمكن أن تفعله أي حكومة لإنجاحه.
يأتي ذلك في وقت يتعرض فيه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لضغوط لإعادة التفاوض بشأن صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وسط تحذيرات من أن صناعة السيارات في المملكة المتحدة تواجه “تهديداً وجودياً” دون تغييرات، مما يعرض آلاف الوظائف للخطر. لكن الحكومة تصر على أن البلاد ترى فوائد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أسباب تغير المواقف
من جانبها، تقول أستاذة العلوم السياسية، المدير المؤسس لبرنامج الدراسات الأوروبية بجامعة فيكتوريا، آمي فيردون: لقد صوّت البريطانيون بهامش ضئيل لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، ولكن بمرور الوقت لم تكن تلك التفضيلات مستقرة. حتى قبل نتيجة الاستفتاء، لم يكن من الواضح ما إذا كانت الأغلبية تريد المغادرة، وتشير في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أنه:
- كان الاتحاد الأوروبي يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لمواطني المملكة المتحدة، واليوم الأمر تغير (في إشارة إلى تزايد نسبة الذين يرون أنه كان من الخطأ الخروج من الاتحاد الأوروبي).
- أدرك الجميع أن مغادرة الاتحاد الأوروبي لن تكون سهلة، لكن قلة قليلة من الناس أدركوا أن الخروج سيكون صعبًا للغاية.
- أدرك المواطنون بعد فوات الأوان أن النخب السياسية لم تكن قادرة على إدارة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل جيد.
- كانت هناك اضطرابات سياسية، ليس فقط حتى مغادرة المملكة المتحدة، ولكن أيضاً منذ مغادرة الاتحاد الأوروبي.. الوضع غير مستقر (كان هناك ثلاثة رؤساء وزراء في العام الماضي).
- هناك أيضاً شعور بأن الطبقة السياسية لم تكن قادرة على الحفاظ على تماسك البلاد. ويعود جزء من هذا التراجع في القدرة السياسية جزئياً إلى الحاجة إلى إظهار قيادة قوية عندما تتغير أشياء كثيرة.
وتضيف الأكاديمية المتخصصة في الدراسات الأوروبية: “من الواضح اليوم أن مغادرة الاتحاد الأوروبي تعني أن هناك صعوبة أكبر في التجارة.. هناك المزيد من الروتين (العوائق الإدارية).. هناك أدلة كافية لمعرفة أن المملكة المتحدة كانت أفضل في الاتحاد الأوروبي منها في الخارج”.
وغادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي في 31 يناير 2020. كان ذلك قبل إعلان COVID-19 وباءً في 11 مارس 2020. في ذلك الوقت لم يكن من الواضح ما إذا كان الاقتصاد السياسي العالمي سيتغير.
بعد انتهاء عمليات الإغلاق ومع بدء الاقتصادات وفي ظل تعطل الإنتاج الصناعي والنقل تعتمد المملكة المتحدة بشكل كبير على العالم الخارجي، وبالتالي عندما انفتح العالم واجهت المملكة المتحدة صعوبات في الحصول على البضائع التي كانت تمتلكها عادةً قبل الجائحة، وقد كان من الصعب التمييز بين مقدار نقص السلع والخدمات في المملكة المتحدة بسبب كورونا وتداعياته وتأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بحسب فيردون.
ومع ذلك ، في العام الماضي، كان من الواضح أن المملكة المتحدة كانت تعاني من نقص في محلات السوبر ماركت عندما لم يكن لدى الاتحاد الأوروبي نفس النقص.
منذ COVID-19 كان هناك تغيير آخر تشير إليه أستاذة العلوم السياسية، المدير المؤسس لبرنامج الدراسات الأوروبية بجامعة فيكتوريا، وهو التحول الجيوسياسي بسبب الحرب في أوكرانيا:
- لقد أصبح من الواضح أن التغييرات الجيوسياسية تعني أنه من الأفضل للجيران الأصدقاء (دول أوروبا) أن يكونوا قريبين من بعضهم البعض.
- كانت المملكة المتحدة إحدى الدولتين الرائدتين في الاتحاد الأوروبي قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من حيث القوة العسكرية.
- مع وجود المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي، يحتاج كلا الطرفين (المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي) إلى بعضهما البعض في العالم متغير.. كلاهما بحاجة إلى إيجاد طرق أخرى للاقتراب.
أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت البريطانيين إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي كان مرتبطًا بالقيم. تواجه البلدان اليوم قيماً عالمية متغيرة بشأن التعددية وسيادة القانون وتحديات الأمن العالمي. لكن فيردون تلفت إلى أن |الاختلافات بين مختلف الشركاء الأوروبيين ليست كبيرة جدًا. وبالتالي ، فإن القلق بشأن هذه الاختلافات الصغيرة ليس مفيداً”.
“علاقة خاصة”
“هل هذا الواقع يمهد الطريق لعودة لندن؟”.. تُجيب أستاذة العلوم السياسية، المدير المؤسس لبرنامج الدراسات الأوروبية بجامعة فيكتوريا، آمي فيردون، قائلة: “في الواقع، هذا سؤال صعب.. لقد كانت الاضطرابات السياسية داخل المملكة المتحدة وكذلك في الاتحاد الأوروبي بعد نتيجة استفتاء المملكة المتحدة للمغادرة مدمرة للغاية، واستهلكت الكثير من الطاقة السياسية خلال 2016-2020”.
- نظراً لمدى صعوبة الوصول إلى اتفاق من قبل المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، يبدو من المستحيل التفكير في طريقة يرغب كلا الطرفين فيها في انضمام المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي مرة أخرى.
- من المحتمل جداً أنه في حالة رغبة المملكة المتحدة في التقدم للانضمام أن لا يُسمح لها إلا إذا وافقت تماماً على الانضمام إلى جميع جوانب الاتحاد الأوروبي (اليورو وشنغن وما إلى ذلك).
- لن تتمكن المملكة المتحدة من الموافقة على كل هذه الأمور؛ لأنه لا توجد وجهة نظر واحدة واضحة في بريطانيا.
- عندما كانت المملكة المتحدة لا تزال في الاتحاد الأوروبي، تم منح المملكة المتحدة مكانة خاصة، فيما لن يتم منحهم هذا المنصب مرة أخرى.
وتضيف: بدلاً من ذلك ، من المتوقع أن تحصل المملكة المتحدة على علاقة “خاصة” مع الاتحاد الأوروبي. قد يكون الأمر بنفس الطريقة التي تربط بها النرويج أو سويسرا، لكن المحتوى الدقيق لتلك العلاقة “الخاصة” سيكون مختلفاً عما لدى النرويج أو سويسرا؛ لأن النرويج جزء من عدد من السياسات التي لن تكون المملكة المتحدة جزءاً منها (السوق الموحدة على سبيل المثال). لكن ربما تتعاون المملكة المتحدة بشكل أوثق في مجال التعاون بين الشرطة والعدالة والأمن. هذه منطقة غير محددة وستتطور تدريجياً بمرور الوقت.
غياب بريطانيا.. قضية خلافية
من جانبها، تشير الأكاديمية المتخصصة في الشؤون الأوروبية، الأستاذ المساعد في جامعة نيوهامبشير، إليزابيث كارتر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن:
- هناك مجموعة من الأسباب التي تجعل بريطانيين يأسفون لمغادرة الاتحاد الأوروبي، أولاً إنها قضية خلافية بالطبع، وبالتالي “لا يندم عليها الجميع”.
- أحد أسباب الأسف هو تدهور الاقتصاد البريطاني، والذي يعزوه البعض إلى تفاقم تبعاته بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتلفت إلى أنه “في الاتحاد الأوروبي، كان للمملكة المتحدة مقعد على الطاولة، وكانت تمثل صوتاً رائداً في واحدة من أهم الهيئات السياسية في العالم.. يأسف الناس الآن لأن المملكة المتحدة الآن معزولة، بدون صوت على الطاولة، ويُنظر إليها على أنها دولة انسحبت على نفسها”.
ويجادل مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأنهم يريدون استعادة السيادة البريطانية. لكن أولئك الذين يندمون على المغادرة يرون أن بريطانيا قد انتقلت من زعيمة مندمجة في السياسة العالمية إلى دولة انسحبت على نفسها. وعديد من البريطانيين لا يتطابقون مع هذه المملكة المتحدة المغلقة والمنسحبة.
وطبقاً لكارتر، فإن “هناك أسف كبير آخر مرتبط باقتصاد ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على نطاق واسع، وضعف الجنيه على وجه التحديد، في حين كانت هناك مجموعة من العوامل التي تضغط على الاقتصاد البريطاني (كورونا ثم الحرب في أوكرانيا وارتفاع تكاليف الطاقة والضغوط التضخمية) تزامنت هذه الضغوط بالطبع مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
وتضيف: “يعتمد المدى الذي يلقي فيه المواطن باللوم فيما يخص القضايا الاقتصادية على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير على التحيز السياسي للفرد (..) لكن تظل الحقيقة الماثلة أن بريطانيا أسوأ حالاً.. خلال الأشهر العديدة الماضية كانوا في الحضيض الاقتصادي والسياسي”.
هل تعود لندن؟
لكنها لا تعتقد بأن ذلك الواقع يعني أن لندن ستتطلع إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في أي وقت قريباً، مبررة ذلك بقولها: “هناك شعور بأن مغادرة الاتحاد الأوروبي كانت إرادة الشعب، ويجب احترام ذلك (على الأقل هذا صحيح بالنسبة لعديد من المحافظين الذين لم يدعموا مبادرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)”.
وتختتم تصريحاتها قائلة: ” أعتقد بأنه سيمر وقت طويل قبل أن تفكر بريطانيا في إجراء استفتاء للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (..) أحد الأشياء التي يمكن أن تشجعهم على إعادة النظر إلى حد ما قد يكون كيف تتصارع البلدان المختلفة في المملكة المتحدة (أي اسكتلندا وأيرلندا الشمالية) مع قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.