الموازنة تجدد الخلاف بين أربيل وبغداد
ماذا حقق «الحوار الوطني» بمصر بعد أسبوعين من المناقشات؟
اختتم «الحوار الوطني» في مصر أسبوعين من جلسات لجانه الفرعية. وتوزعت المناقشات خلالها بالتساوي بين المحاور الثلاثة للحوار؛ (السياسي، والاقتصادي والمجتمعي)، وحفلت بتوافقات لافتة واختلافات متوقعة في وجهات نظر المشاركين من الأحزاب والشخصيات العامة.
وعلى الرغم من تباين تقييم أعضاء في مجلس أمناء «الحوار الوطني» تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» لمجمل ما شهدته جلسات الأسبوعين الماضيين، فإن ثمة توافقاً حول «نجاح الحوار» في تعزيز قدرة التيارات والقوى الحزبية المختلفة على إدارة اختلافاتها، وهو ما عُدّ «مؤشراً إيجابياً».
وشهد الأسبوعان الماضيان، 72 ساعة من المناقشات، واستحوذ المحور السياسي على جُل المناقشات التي وصفت بـ«الساخنة»، إذ برز خلال جلساته نقاش محتدم حول النظام الانتخابي الأمثل، وبدا واضحاً حجم التباين بين الأحزاب الممثلة في البرلمان، التي دافعت عن نظام «القائمة المطلقة»، الذي يتيح للناخبين اختيار قائمة حزبية واحدة فقط، تحصد كل الأصوات في حالة فوزها بأكثر من نصف عدد الأصوات، ولو بصوت واحد.
وفي المقابل وصفت أحزاب المعارضة «القائمة المطلقة» بأنها «الأكثر إهداراً للأصوات»، وطالبت بالتحول إلى «القائمة النسبية»، وهو أسلوب يسمح لقوائم حزبية عديدة بالحصول على مقاعد نيابية، وفقاً لعدد أصوات الناخبين التي تفوز بها.
هذا التباين الحاد في وجهات النظر، عدّه الدكتور عمرو هاشم ربيع، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، وخبير الأنظمة الانتخابية مؤشراً «غير إيجابي»، واعتبر التمسك الواضح بـ«القائمة المطلقة» «لا يبشر بإمكانية إحداث تغيير حقيقي في هذا الشأن».
وأضاف ربيع لـ«الشرق الأوسط» أن التمسك بـ«القائمة المطلقة» «لا يحقق تطلعات الإصلاح السياسي المنشود»، لافتاً إلى أن العالم «هجر هذا النظام الانتخابي، ولم يعد مطبقاً سوى في جيبوتي والكاميرون».
وحول ما تحقق في قضايا أخرى، أوضح عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، أن كثيراً من التوافقات التي شهدها الأسبوعان الماضيان من الجلسات «يبدو مبشراً للغاية»، مشيراً إلى أنه «لمس توافقاً بين القوى السياسية المختلفة حول قضايا الحبس الاحتياطي، وضرورة إصدار قانون جديد للمحليات، تمهيداً لإجراء انتخابات المجالس المحلية في أقرب وقت ممكن».
وأشاد ربيع كذلك بما شهدته الجلسات المخصصة لمناقشة قضايا التعليم، مؤكداً أنه «على الرغم من تباين الآراء، فإنها عكست توافقاً على ضرورة تأسيس مفوضية مستقلة للتعليم، وتغيير التشريعات الحاكمة للمنظومة التعليمية».
المطالبة بإجراء تعديلات تشريعية لم تقتصر على قوانين التعليم، بل طالت عديداً من التشريعات السياسية مثل قانون الأحزاب، وتلك التي تمس قضايا اجتماعية ملحة، مثل سن الزواج، وتغليظ عقوبة تزويج القاصرات، وعمالة الأطفال.
وعلى الرغم من أن المحامي والناشط الحقوقي، نجاد البرعي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، يرى أنه «من المبكر الحكم على مدى نجاح الحوار الوطني في تحقيق أهدافه»، فإنه يرى أن الأسبوعين الماضيين «تضمنا تقدماً لافتاً على مستوى قدرة القوى السياسية المختلفة على إدارة اختلافاتها».
وشدد البرعي لـ«الشرق الأوسط» على أن «المكسب الأهم» الذي حققته جلسات الحوار حتى الآن، كان إثبات أن القوى السياسية والمجتمعية في مصر «ليس بينها عداء، وأنها قادرة على إدارة اختلافاتها في إطار من الاحترام المتبادل»، لافتاً إلى أن ذلك «كفيل بأن ينفي فكرة ظلت رائجة خلال الفترة الماضية عن طبيعة العلاقة العدائية بين القوى السياسية المختلفة».
وأضاف أن القوى والأحزاب السياسية جميعها «شاركت بفاعلية، حتى تلك القوى التي لوحت بالمقاطعة كانت من أكثر المشاركين حضوراً وطرحاً للأفكار والتوصيات»، كما وصف مستوى الحوار داخل الجلسات التي عُقدت خلال الأسبوعين بأنه كان «جيداً، ويدعو إلى التفاؤل».
وأشار إلى أن المناقشات «عكست تنوعاً في الرؤى، وأن الأمور ليست وردية تماماً، وهي رسالة من المفيد أن يستمع إليها صانع القرار»، بل يعتقد البرعي بأن المناقشات في بعض القضايا «فاقت التوقعات».
لكن عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، استدرك قائلاً: «إن كثيراً من القضايا، باستثناء ما يتعلق بالنظام الانتخابي وقضية التعليم، لم يكن محل خلاف كبير»، وتوقع أن يثير طرح قضايا أكثر سخونة في الجلسات المقبلة، مثل قضايا الاستثمار المحلي، وحقوق الإنسان، مزيداً من النقاشات والتباينات في وجهات النظر.
ومن المتوقع أن تُطرح خلال جلسات الأسبوع الثالث من «الحوار الوطني»، الذي ينطلق في 4 يونيو (حزيران) المقبل، حزمة جديدة من القضايا، منها قانون حرية تداول المعلومات، وعدد أعضاء مجلسي النواب والشيوخ (البرلمان) في المحور السياسي، بينما يبدأ المحور الاقتصادي بمناقشة أولويات الاستثمارات العامة، وسياسة ملكية الدولة، وكذلك قضايا الزراعة والأمن الغذائي.
ولا تقتصر مكاسب «الحوار الوطني» في أسبوعيه الأولين، على المناقشات والتوصيات، بل يضاف إليها تفاعل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، صاحب دعوة الحوار، التي أطلقها في أبريل (نيسان) من العام الماضي، مع مناقشات القوى السياسية، فقد أعلن المنسق العام للحوار، ضياء رشوان، توجيه الرئيس للحكومة بأن تحيل إلى «الحوار الوطني مشروع تأسيس المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب، وكذلك مشروع قانون لدعم الأسرة المصرية»، وهي خطوات من شأنها – بحسب رشوان – أن «تعطي دفعاً إضافياً لمجريات الحوار، وتزيد الثقة في مناقشاته».