الكشري: ماذا يعني ارتفاع سعر أشهر طبق شعبي في مصر؟ وما قصة استخدامه كـ”مؤشر اقتصادي”؟
يعد طبق الكُشري جزءا أصيلا من الثقافة الشعبية المصرية، وأحد أشهر أصناف الطعام التي يحرص زوار مصر على تناولها.
وكغيره من الأطباق الشعبية حول العالم، تختزن مكونات طبق الكشري حكايات تعبر عن أحوال الشعوب الاقتصادية والثقافية، وأي تغيير في مكوناته أو أسعاره قد يثير جدلا.
فقد انتشرت في صفحات المصريين عبر منصات التواصل الاجتماعي صور رسوم بيانية مرفقة بعبارة “كشري ايندكس”.
فما المقصود من تلك الرسوم البيانية؟ وما تبعات ذلك على أحد أشهر الأطباق وأكثرها شعبية في مصر؟
“مؤشر الكشري للأسعار”
نشر موقع وكالة بلومبرغ الأمريكية مؤخرا تقريرا مفصلا يتضمن رسوما بيانية أطلق عليها اسم “مؤشر الكشري للأسعار”.
ويقول الموقع إن تلك الرسوم التفصيلية “تشرح التأثير الواضح للتضخم على الوجبة المفضلة للمواطنين في مصر”.
وأشارت الوكالة إلى إن “طبق الكشري الشعبي لم يسلم من زيادة التضخم الذي أثر على العناصر الأساسية لتحضيره”.
وتضيف أنه “رغم رخص مكوناته، إلا أنه لم يكن محصنا من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد”.
ويشير “مؤشر الكشري الجديد” إلى أن “متوسط سعر مكونات هذه الوجبة قد قفز سنويا بنسبة 58.9% في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أي حوالي ثلاثة أضعاف معدل التضخم السنوي البالغ 21.3%”.
ويخلو طبق الكشري، الذي يصفه مصريون بملك الأكلات الشعبية، من اللحوم، ويتكون أساسا من الأرز المسلوق والعدس، والمعكرونة، والبصل المقلي وصلصة الطماطم مع إضافة الخل وثوم وكمون.
أسعار مكونات طبق الكشري
وقد ارتفعت أسعار مكونات طبق الكشري بحدة خلال الفترة الماضية. فعلى سبيل المثال قفز سعر العدس بنسبة 66.5% وصعد سعر الأرز بنسبة 89%.
كذلك ارتفعت أسعار المعكرونة وزيت الطهي، التي تعد من بين السلع التي تدعمها الدولة، بنسبة تتراوح بين %46 و75%.
الارتفاع الملحوظ في سعر الطبق المميز كانت نتيجة تضافر عوامل عديدة، من بينها الغزو الروسي لأوكرانيا وما تبعه من ارتفاع حاد في أسعار بعض السلع الأساسية.
وتعتبر مصر من أكبر المستوردين للقمح والحبوب في العالم، إذ تستورد 85 بالمئة من احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا فقط.
قيمة الجنيه المصري
وقد زادت سلسلة عمليات خفض قيمة الجنيه المصري، لمعالجة أزمة نقص العملات الأجنبية، من ارتفاع المواد الغذائية إلى مستوى غير مسبوق، بحسب وكالة بلومبرغ.
وتضيف الوكالة الأمريكية أن المطاعم البسيطة التي يقصدها المصريون الأقل ثراء للاستمتاع بالكشري، باتت تشعر بانعكاسات تلك الآثار.
ويقول يوسف زكي، صاحب مطعم “أبو طارق”، أحد أعرق مطاعم الكشري وسط القاهرة، إن أرباحه انخفضت بعد أن ارتفعت أسعار مكونات طبق الكشري بشكل جنوني.
زارت بلومبرغ زكي في ظهيرة أحد أيام الأسبوع، حيث احتشد العملاء بمطعمه المكون من ثلاثة طوابق والذي يقع في حي شعبي.
وفي حديثه معها، أكد زكي أنه “لم يدخل أية تغييرات تقريبا على طبق الكشري متوسط الحجم، إذ ظل عند حاجز 30 جنيها مصريا”، أي ما يعادل الدولار الواحد.
وفي 14 سبتمبر/أيلول الماضي، زار فريق بي بي سي أحد مطاعم الكشري في الجيزة، والتقى بعم سعيد الذي حكى عن تأثير الغلاء على هذا الطبق الشعبي.
ماذا تقول السلطات المصرية في الشأن؟
وتقر الحكومة المصرية بحجم الأزمة وبالحد الذي يمكن أن يتحمله المواطن البسيط. وينفق أصحاب الدخل المحدود في مصر معظم رواتبهم على الطعام أكثر من أي مجتمع آخر، بحسب ما ذكره تقرير بلومبرغ.
ومن جهة أخرى، تقول السلطات إن معالجة أزمة الأسعار تشكل أولوية قصوى في الوقت الراهن. وعلى هامش زيارته محافظة الإسماعيلية، تطرق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى موجة الغلاء.
فقال السيسي: “الناس تحملت معنا الظروف الصعبة التي تمر بها مصر، والأسعار المرتفعة منذ أكثر من عام. وهذا واقع يجب الاعتراف به لكن نحن لسنا سببه”.
وأشاد السيسي في الوقت ذاته “بوعي الشعب لتحمله للظروف”، وحذر مما سماها “محاولات لعرقلة مسيرة الدولة، من خلال نشر الشائعات والأكاذيب والافتراءات”.
ومن جانبه، قال وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي، إن “محلات المأكولات وشركات الصناعات الغذائية لم ترفع الأسعار بنسبة كبيرة مقارنة بنسبة التضخم التي حدثت في مصر”.
وأشار الوزير في تصريحات نقلها موقع “القاهرة 24″، إلى أن محلات الكشري في مصر “لم ترفع أسعارها بنسبة 100% أو أكثر مثلما ارتفعت أسعار الأرز والمكرونة وتضاعفت خلال العام الماضي بسبب تداعيات التضخم العالمي الذي أثر مباشرة في بلاده”، على حد قوله.
وأضاف الوزير أن “محلات الكشري ومحلات المأكولات ساهمت في امتصاص نسبة من تضخم الأسعار، وكان أقصى زيادة في المحلات لا تتعدى 20- 60%”.
“مؤشر بلومبرغ للكشري” بين التحسر والتندر والهجوم
تفاعل قطاع من المصريين مع التقرير الذي نشرته وكالة بلومبرغ عن ارتفاع سعر الكشري، وانقسموا حوله بين متحسر يشكو معاناته مع غلاء الأسعار ومستنكر يتهم الوكالة بالمبالغة.
ولجأ بعض المصريين المشاركين في وسم “كشري ايندكس” عبر مواقع التواصل إلى السخرية واستخدام النكات لمواجهة الواقع والتعبير عن خوفهم من عدم قدرتهم على توفير مكونات طبق يصفونه بـ”وجبة الغلابة”.
وتحول الوسم إلى فرصة لاستعادة الذكريات واستدعاء “أسعار الكشري أيام زمان”، ومقارنتها بالأسعار في الوقت الراهن.
وكتب صاحب حساب “أبو الأرجاب الثلاثة” على فيسبوك: “علبة الكشري المتوسطة جنبنا بـ 30 جنيه.. هي طعمها حلو بصراحة، لكن لو أسرة صغيرة قررت تأكل كشري علشان “رخيص” هتدفع 120 أو 150 جنيه.. ولو عامل يومية أكل كشري هيكون المبلغ مش قليل عليه ولا مناسب لدخله خاصة لو اشتغل يوم ويوم في المتوسط.. للأسف الغلاء جعل وجبات بسيطة جدًا مثل الكشري وطبق الفول مع رغيفين مش في متناول ناس كثير”.
“أزمة عالمية”
وفي المقابل، يتهم آخرون التقرير بالانحياز، ويشيرون إلى أن “ارتفاع الأسعار أزمة عالمية ولا تقتصر على مصر وحدها”.
كما لم تخل بعض التعليقات من اتهامات لبعض القنوات بـ”تصيد الأخطاء لمصر”.
كما عقد البعض مقارنات بين أسعار الكشري في مصر وأطباق شعبية في دول أخرى، وهو ما جر على البعض موجة من السخرية.
فعلقت المغردة أمير الزين: “ما سر الاهتمام الكبير الذي تبديه بلومبرغ بالشأن المصري لدرجة أنها تعتمد أسعار مكونات طبق الكشري كمعيار لتدهور الاقتصاد المصري وارتفاع مُعدل التضخم!!! لتبحث أيضا في ارتفاع سعر وجبة السمك والبطاطس في إنجلترا باعتباره مُؤشرا على ارتفاع الأسعار!”
في حين كتبت إحداهن:” واحدة بتقارن ارتفاع سعر كبد الأوز Foie gras في فرنسا بارتفاع سعر الكشري في المحروسة وهى لا تدري … أن كبد الأوز زي البطارخ عندنا مش أكلة شعبية زي الكشري”.
أصل “ملك الطعام المصري”
لطالما شكل طبق الكشري ملاذا غذائيا لكثير من المصريين خلال الأزمات الاقتصادية.
وتختلف روايات المؤرخين حول أصل هذا الطبق.
وهناك روايات تعيده إلى المطبخ الهندي، وتستند في ذلك إلى كتاب للرحالة الشهير ابن بطوطة بعنوان: “غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”.
وثمة من يعتقد أن الكشري انتقل إلى مصر خلال الحرب العالمية الأولى بعد قدوم جنود هنود مع القوات البريطانية التي احتلت مصر سنة 1914. ثم أدخل عليه المصريون لمساتهم الخاصة، حتى أصبح الطبق الذي نعرفه اليوم.
وفي المقابل، ثمة من يؤكد على الأصول المصرية لطبق الكشري، ويستدل بما جاء في كتاب: “صفار التكوين المصرية”، الذي يحيلنا إلى نصوص دينية لمصر القديمة، تشير إلى أن هذا الطبق اسمه “كشير” أي “طعام الآلهة”.