الفضة.. هل هي وسيلة تحوط جاذبة على المدى الطويل؟
بينما على الجانب الآخر لم تحظ فيه المعادن الأخرى، وأهمها الفضة، بنفس الإقبال كوسيلة تحوط، على اعتبار أنه عادة ما تقتصر ثقافة اقتناء الفضة عند الكثير من المصريين بأنها نوع من الحُلي والزينة، ورغم كونها معدن ذو قيمة اقتصادية ويدخل في عديد من الصناعات ويمكن أن يكون وسيلة للاستثمار والادخار على المدى الطويل، إلا أنه لم يحظ بشهرة المعدن الأصفر “الذهب” الذي يعد ملاذاً آمنا ووسيلة للتحوط دائماً، لا سيما في فترات الأزمات الاقتصادية.
وفيما تدفع الأوضاع الاقتصادية المتقلبة والضغوط التضخمية عالمياً، الأفراد نحو التفكير في سُبل مختلفة للتحوط، تعد المعادن ذات القيمة وسيلة لذلك، فعلى الرغم من أن الغالبية تميل إلى الذهب، إلا أن ارتفاع سعره في ظل انخفاض سعر الفضة قد يجعل الأخيرة خياراً بديلاً، بشكل خاص لأصحاب المدخرات البسيطة لتكون وسيلتهم للتحوط.. فما جدوى ذلك من الناحية الادخارية والاستثمارية؟
في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، تحدث محللون اقتصاديون عن هذا المعدن الذي عادة ما يسقط من الحسابات والخيارات الاستثمارية والادخارية بالنسبة للكثيرين، وشرحوا مدى جدوى إمكانية استخدامه كوسيلة تحوط وارتباط ذلك بالثقافة السائدة عن الفضة كحلي وليس كمخزن قيمة، على النحو التالي:
عوامل أساسية
في البداية، تؤكد خبيرة أسواق المال، الدكتورة حنان رمسيس، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الفضة تعد وسيلة من وسائل التحوط على المدى الطويل، مستدلة على ذلك بإقبال البعض على شرائها بأشكالها المختلفة عند ارتفاع أسعار الذهب ووصوله إلى أسعار قياسية خلال الأشهر الماضية.
وأضافت أنه كان هناك اتجاه لدى بعض المتعاملين لشراء عقود آجلة من الفضة، لكنه لم يكن بنفس قيمة ومكانة الذهب -حيث من الصعوبة بمكان المقارنة بين المعدنين- غير أن ذلك يعكس حقيقة أن الفضة قد تكون بالنسبة للبعض وسيلة من وسائل الاستثمار على المدى الطويل وتدريجياً من الممكن أن تكون لها مكانة وقيمة بين الاستثمارات، لا سيما مع دخولها في عديد من الصناعات التكنولوجية.
إلا أن الثقافة الغالبة على المتعاملين الآن تصب في صالح تفضيل الذهب والعيارات الأكثر نقاوة عن الفضة، وأن المعدن الأبيض لم يصل إلى مكانة الأصفر لأنه غير مُجدي وليس لديه أي قدرة على منع تآكل المُدخرات، حال كان التحوط به في شكل سبائك كاملة أو مشغولات للزينة ففي كل الأحوال يمكن الاستفادة منه. فيما تشير رمسيس إلى أن بعض المتعاملين في الأسواق الأميركية على سبيل المثال يفضلون التعامل من خلال السبائك الفضية (..).
وأشارت في السياق نفسه إلى الارتفاعات التي سجلها مؤشر الفضة خلال السنوات الماضية بعد العام 2020، مشيرة إلى أن سعر الفضة يرتفع مع الوقت، ويمكن تحقيق مكاسب من خلاله على المدى الطويل، ارتباطاً بحالة الطلب على هذا المعدن بأشكالها المختلفة.
- يدور سعر الفضة حالياً حول مستوى 24 دولاراً للأونصة في الوقت الحالي.
- تقديرات البنك الدولي -التي نشرها في أكتوبر من العام الماضي- كانت تشير إلى أن متوسط سعر هذا المعدن سوف يتداول عند مستوى الـ 21 دولار طيلة العام 2023 وسوف يبقى ثابتاً عند نفس المستوى في العام 2024.
- يشكل هذا السعر تراجعاً بنسبة نحو 5 بالمئة منذ بداية العام، إلا أنه لا يزال عند أعلى مستوى مقارنة بمستويات ما قبل 2020.
- وخلال فترة وباء كورونا صعد مؤشر أسعار الفضية مدفوعاً بزيادة الطلب، وقد وصل إلى مستوى 5 دولاراً في نهاية أغسطس 2020.
وتقول خبيرة أسواق المال إن توجه البعض للاستثمار والتحوط بالفضة يرتبط ببعض العوامل التي تدعم هذا التوجه من بينها:
- تغير ثقافة المتعاملين تجاه أهمية وقيمة المعدن ومدى جاذبيته الاستثمارية.
- أسعار الذهب وتحركاتها، فإذا كان سعره قد وصل لنقاط تجعل المتعاملين ليس لديهم القدرة على شرائه يتجهون نحو شراء وسائل أخرى للتحوط، قد يكون من بينها الفضة، بينما حال انخفاض سعره يعودون لشرائه مرة أخرى.
- قدرة سبائك الفضة على تحقيق أرباح وطفرات سعرية (في ظل دخوله في عديد من الصناعات).
- مدى معرفة المتعاملين بالسوق واتجاهاتها على غرار معرفتهم بسوق الذهب واتجاهاتها.
صور الاستثمار في الفضة
من جانبه، يشير خبير أسواق المال، الدكتور حسام الغايش، لدى حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أنه على الرغم من أن الفضة تعد من المعادن الثمينة على غرار الذهب والنحاس على سبيل المثال والتحوط بها يضمن حماية رأس المال وتحقيق عوائد مالية أيضاً “إلا أن الطلب دائماً يكون على المعدن الأصفر ولم تنافسه الفضة في ذلك شعبياً”.
وأكد أن الفضة تعد ملاذاً آمناً في عمليات التحوط أو الاستثمار، وربما على عكس شراء الأسهم والعملات الخاضعة لتقلبات السوق بشكل أكبر وتحمل نسب مخاطرة، لافتاً إلى أن الطلب عليها بشكل أكبر يكون في التعاملات المتعلقة بالصناعة على عكس الذهب، فالطلب عليه عالمياً كبير بأي شكل من أشكاله سواء كان في شكل مصوغات أو سبائك.
ويوضح أن الفضة يمكن الاستثمار فيها في صور مختلفة، على النحو التالي:
- في صورة مشغولات، وهي من أكثر السبل شيوعاً بين المتعاملين، على الرغم من أنها غير مفيدة، بالنظر إلى كونها تفقد حوالي نصف قيمتها عند إعادة بيعها، وعادة ما يقتصر الأمر على استخدامها في “الزينة”.
- السبائك وشراء المعدن بشكله الأولي، وتلك الطريقة هي الأفضل بالنسبة للتجار والمُصنعين، ومن خلال التعامل معها بنفس طريقة التعامل مع الذهب، إذ يتم شراء السبيكة عند انخفاض سعر الفضة والاحتفاظ بها لإعادة بيعها مع الارتفاع.
- التداول عن طريق صناديق الفضة بشركات التعدين والبورصة.
ويفيد خبير أسواق المال، بأن الكثيرين يستبعدون فكرة التحوط بالفضة نظراً لانخفاض سعرها اعتقاداً منهم بأنها لهذا السبب ستكون غير مُجدية، ويرى أن هذا “اعتقاد غير صحيح”؛ خاصة أن الفضة تشهد معدلات زيادة في سعرها أكبر مقارنة بالذهب (خلال السنوات الماضية)، وفي ظل سعرها المُناسب (للأصحاب المدخرات البسيطة) للشراء، متوقعاً أن يشهد سعرها زيادات أوسع مستقبلاً وبما يرفع من قيمتها، خاصة مع توسع استخداماتها في عديد من الصناعات.
ليست الخيار الأفضل
على الجانب الآخر، يرى الخبير الاقتصادي، الدكتور سيد خضر، أن “الاستثمار بالفضة هو استثمار غير مُفيد على المدى البعيد، مقارنة بالذهب، وقد لا يحقق مكاسب كبيرة مثل الذهب، نظراً لفارق السعر”، ومع وجود أدوات ووسائل استثمار بديلة بالنسبة لصغار المستثمرين.
ويوضح لدى حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الفضة لم تكن خياراً أفضل للاستثمار، وأن نسب اقتنائها بسيطة على عكس الذهب، مرجعاً السبب إلى عدم وجود ثقافة راسخة بشأن كونها نوع من المعادن المهمة وبالتالي يمكن الاستثمار فيها، ذلك على عكس الذهب، وما يحظى به من حضور طاغي، خاصة في الاستثمار بأوقات الأزمات الاقتصادية، فلدى العالم دراية بقيمته وأن سعره قابل للزيادة في أي وقت، كما أنه يعد من الاستثمارات الآمنة.
ويشدد الخبير الاقتصادي، على ضرورة أن يكون هناك تسويق جيد لأهمية وقيمة الفضة من الناحية الاستثمارية، خاصة وأنها تدخل في كثير من الصناعات، لا سيما أن واحدة من المشكلات التي تواجهها مرتبطة بغياب الثقافة الخاصة بالفضة في وقت يشغل فيه الذهب الحيز الأكبر من الاهتمامات والتوجهات الاستثمارية والادخارية.