العمل عن بعد: هل سيشبه نظام العمل المرن بالمكاتب نظام العمل من المنزل؟
- أليكس كريستيان
- بي بي سي
قبل الجائحة وقبل الارتفاع الملحوظ في إعدادات أنظمة العمل عن بعد، كان الموظفون غالباً يتعاملون مع مكاتبهم كبيتهم الثاني، سترة متدلية على ظهر الكرسي، كوب مفضل بجانب لوحة المفاتيح، وكومة كتب مكدسة خلف الشاشة.
أظهرت دراسة نفسية أن السبب وراء شعور بعض الموظفين بالحاجة لتخصيص مساحة عملهم بشكل شخصي، هو ازدياد أهمية المكان بالنسبة لهم.
يشرح سونكي لي، الأستاذ المساعد في النظرية والاستراتيجية التنظيمية في كلية تيبر للأعمال في جامعة كارنجي ميلون، في بيتسبرغ في الولايات المتحدة: “أظهر البحث أنه كلما زادت هوية المكان قرباً من الموظف، زاد ارتباطه بالشركة”، وأضاف: “إنهم يشعرون أن المكتب مخصص لهم بشكل أكبر، وبالتالي سيبدو أشبه بمساحتهم الخاصة، وهذا سيؤدي إلى مزيد من الرضا، وإلى مزيد من الإنتاجية بشكل عام”.
يخلق الموظفون إحساساً من الألفة من خلال تخصيص شكل مكاتبهم بشكل يشبههم، ويعزز ذلك ألفة وجوه من حولهم من الزملاء، الذين لديهم أيضاً ترتيبات جلوس دائمة.
ومن جهة أخرى، فقد وضع نظام العمل المرن في عصر الجائحة حداً لنظام العمل الكامل من الساعة التاسعة حتى الخامسة للعديد من الموظفين، فوسط صعود نظام المكاتب المتنقلة اضطر الموظفون الذين يعملون وفق جداول مرنة إلى مشاركة أماكن عملهم مع زملائهم، وإلى أخذ أغراضهم الشخصية معهم إلى المنزل في نهاية اليوم.
وبالنظر إلى هذه الأدلة التي تشير إلى استفادة الموظفين من وجود بيئات عمل مخصصة لهم، يشعر بعض الموظفين والمديرين بالخوف من أن تصبح المكاتب المختلطة مجردة من الشخصية ومملة ومربكة، وليس مكانا يرغب به العديد من الموظفين، واستجابة لذلك، يقوم أصحاب العمل والمهندسون المعماريون ذوو التفكير الاستباقي بإعادة تشكيل أماكن العمل، لتحقيق أفضل فائدة لأسلوب عمل الأشخاص ضمن نظام العمل المرن.
أماكن ووجوه جديدة
كان أسلوب الموظفين في تزيين أماكن عملهم جزءاً أصيلا من ثقافة العمل في المكاتب لسنوات عديدة، باعتبار أنها تعكس شخصية الموظف، يقول لي: “إن تخصيص المساحة من حولك يعتبر جزءً من طبيعة البشر” ويضيف: “قد تبدو الصور والشهادات والزينة في مكان العمل إشارات خفية تظهر نوع شخصيتك، وهواياتك واهتماماتك”.
في الواقع، تظهر بعض الأبحاث أن الألفة تولد الروتين، الأمر الذي يؤدي إلى استقرار سير العمل، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الإبداع، وتشير بعض الأبحاث إلى أن وجود الصور العائلية على المكتب يمكن أن تجعل الموظفين أكثر أمانةً بشكل غير مباشر، يقول لي: “إن تخصيص أماكن العمل يمكّن الموظفين أيضاً من التعبير عن الذات، ويفتح باب الحوار بين الزملاء، مما يساعد في تعزيز تحفيز الموظفين”، ويضيف: “إبراز هويتك وشخصيتك المميزة في مكان العمل يعني أن تكون قادراً على التعبير عن نفسك، وأن تشعر بالتقدير”.
ونظراً لأن العديد من الموظفين لم يعودوا يمتلكون مساحة عمل مخصصة لهم، فإنهم يضطرون للعمل مع أشخاص غير مألوفين في مواقع غير مألوفة بالنسبة لهم، يقول لي: “إذا كانت لديك علاقة جيدة مع زملائك سابقاً، فقد تفتقد هذه الأنواع من التفاعلات” ويضيف: “قد يكون لذلك تأثير سلبي، مع وجود فرص أقل في التحدث، والشكوى، والاحتفال بالإنجازات بشكل جماعي”.
يكمن الخطر في أن على الموظفين أن يتعاملوا مع البيئات المؤقتة والمرنة كلما غامروا بالعمل في المكاتب، الأمر الذي قد يولّد التوتر والقلق والإرهاق، يقول لي: “لقد سمعت عن أشخاص يواجهون مشكلة في العثور على مقعد للعمل، ناهيك عن مقعد مألوف” ويضيف: “إنه أشبه بالدخول إلى مكتبة للدراسة، قد تنجز عملك، لكنها مساحة غير شخصية، ولن تشعر أنها ملكك أبداً”.
إعادة التفكير في التخصيص
يقول الخبراء في عالم العمل الجديد هذا، إن الحل في جعل المكتب أقل مللاً، لا يكون بالضرورة عن طريق تثبيث خطة الجلوس أو في وضع صور العائلة، فأصحاب العمل على دراية بالتغييرات الصارخة القادمة، واستجابة لذلك يستعين الكثيرون منهم بخبراء التصميم لإعادة ضبط وظائف أماكن العمل، ويأخذون بعين الاعتبار ما تعنيه المساحة الصديقة للعمل في عصر نظام العمل المرن.
يقول كريس كروفورد، مدير الاستوديو في شركة التصميم والهندسة المعمارية جينسلر، في لندن: “لا يزال من المهم إعطاء الناس إحساساً بالانتماء إلى الفضاء المادي، إنهم ما زالوا بحاجة إلى أساس لترسيخ أنفسهم”، فعلى الرغم من أن هذا الفضاء غالباً ما يكون مكتباً، إلا أن الهدف هو إخراج الناس من قناعة أن قطعة أثاث مكتبي بطول متر وعرض متر ونصف هو المكان الذي ينتمون إليه.
يقول كروفورد إن المميزات المعمارية الجديدة تحفز الموظفين على التعامل مع كامل طابق العمل كفضاء مادي خاص بهم، فالعناصر التفاعلية تشجع الموظفين على التحرك، والسلالم المفتوحة تربط مساحات العمل المتابينة، كما يمكن حفظ الأغراض الشخصية في الخزائن بدل الاحتفاظ بها على المكتب.
تساعد إلهامات التصميم في إنشاء مساحات مخصصة لوظائف العمل المختلفة كما يقول كروفورد، ويقول أيضاً: “يمكن أن تعني التلميحات المعمارية أنك قادر على دخول الغرفة والشعور فوراً بتغيير في الأجواء، إنطلاقاً من الإضاءة الأكثر دفئاً، والصوتيات الناعمة في المناطق التي تتطلب تركيزاً عميقاً، وصولاً إلى المساحات المفتوحة، وأنواع محددة من الأثاث، والتصاميم التي تُشعر بالتعاون بشكل حدسي”.
تُظهر بعض الأبحاث أنه من المهم أن يأخذ أصحاب العمل هذه العناصر في الاعتبار أثناء زيادة المساحات، خاصة وأن الأولويات قد تغيرت بالنسبة لبعض الموظفين، ووفقا لدراسة أجرتها شركة جينسلر Gensler في أغسطس / آب 2022 على ألفي موظف أمريكي، فإن الموظفين يشعرون أن أماكن العمل بحاجة الآن إلى أن تسمح بالعمل الفردي والعمل عن بعد، إلى جانب جمعها مع العمل الاجتماعي والتعليمي والعمل الشخصي.
تعمل مساحات العمل المشتركة التي توفر مساحات ديناميكية ومتعددة الاستخدامات، على دمج هذه الاتجاهات أيضاً، تقول إيبي ويسكارفر، الرئيس العالمي للتصميم في شركة وي وورك WeWork، ومقرها في نيويورك، أن الموظفين يبحثون الآن عن اتصال أعمق بمكان العمل المرن، “بالطريقة التي يعمل بها المكتب وتعكس احتياجاتهم الشخصية في العمل”.
نتيجة لذلك، تقوم بعض الشركات باستشارة الموظفين حول الشكل القادم الذي ستبدو عليه مكاتبهم، يقول كروفورد: “لدينا جلسات ابتكار مشتركة تتيح للأقسام المشتركة في العمل أن يكون لها رأي في مساحة عملهم” ويضيف: “يجري إضفاء الطابع الديمقراطي على عملية التصميم نفسها”.
يقول كروفورد إن الأسلوب التقليدي في توزيع المكاتب المفتوحة على نظام البنوك قد انتهى، وإن الهدف في نظام العمل المرن الجديد، هو أن لا يكون للموظف منطقة عمل مخصصة متجانسة، بل أن يكون المكتب بأكمله مساحة عمل منسقة وشاملة.
“إن هذا يتجاوز قضية المكتب بكثير”، ويضيف: “إن هذا الأمر يتعلق بتمكين الأشخاص من اختيار يوم عملهم الخاص، من خلال المساحات التي توفر التنوع والاختيار والتمايز، حتى يشعروا بشكل جوهري، أن هذا المكان يناسبهم بشكل شخصي”.