العلاقات المصرية الإيرانية: ترحيب إيراني باستئناف العلاقات وهدوء حذر من القاهرة
- عطية نبيل
- بي بي سي- القاهرة
تتوالى التصريحات الرسمية الإيرانية المرحبة بعودة العلاقات الدبلوماسية مع مصر على مدار الأسابيع الماضية، بينما تلتزم القاهرة الصمت.
وكان من أبرز تلك التصريحات ترحيب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي باستئناف العلاقات مع مصر، وذلك أثناء استقباله السلطان هيثم بن طارق سُلطان عُمان في العاصمة الإيرانية طهران مؤخرا.
وأوضح خامنئي أن بلاده ليس لديها أي مشكلة في “عودة العلاقات بشكل كامل مع القاهرة في إطار التوسع في سياسات حُسن الجوار، واستغلال طاقات وإمكانات الدول الإسلامية لتعود بالفائدة على جميع شعوب ودول المنطقة”.
كما أعرب المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرمي – بعد يوم واحد من تصريحات المرشد الأعلى – عن استعداد حكومة بلاده لتعزيز العلاقات مع مصر، مؤكدا أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لفت إلى أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن من جانب وزارة الخارجية.
وكانت وكالة أنباء مهر الإيرانية نقلت، قبل إطلاق تلك التصريحات، عن نواب إيرانيين حول إمكانية إعادة فتح سفارتي إيران ومصر في كل من القاهرة وطهران قريبا.
ويعكس توالي التصريحات أجواءً إيجابية لجهود الوساطة التي يقوم بها سُلطان عمان لتقريب وجهات النظر بين مصر وإيران، والتي كان قد بدأها لدى زيارته للقاهرة قبل نحو أسبوعين.
صمت مُطبَق
وعلى الرغم الترحيب الرسمي الإيراني، لم تبد القاهرة أي رد فعل رسمي إزاء هذا الأمر، بل أن البيان الختامي الذي أعقب زيارة السلطان هيثم بن طارق للقاهرة لم يتطرق إلى مسألة الوساطة العمانية بين مصر وإيران وتحدث فقط عن العلاقات الثنائية مع سلطنة عمان.
ورغم الصمت الدبلوماسي، إلا أن الحكومة المصرية أعلنت في مارس/ آذار الماضي عن أنها ستسمح للسائحين الإيرانيين باستئناف زياراتهم لمصر للمرة الأولى منذ عشر سنوات، لكنها قصرت وجودهم على مدن جنوب سيناء بتأشيرة عند الوصول وبكفالة شركات السياحة، ضمن خطوات أعلنتها الحكومة المصرية لإنعاش القطاع السياحي.
ويرى مراقبون أن القاهرة مازالت في مرحلة دراسة الموقف الإيراني من دول المنطقة، وتداعيات الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إيران والمملكة العربية السعودية برعاية صينية حول استعادة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بشكل كامل، بالإضافة إلى تحسن الأجواء مع الإمارات العربية المتحدة وباقي دول المنطقة.
“لا تفضل الهرولة”
قال وزير الخارجية المصري السابق محمد العُرابي لبي بي سي إن “القاهرة لا تفضل الهرولة باتجاه تطبيع كامل للعلاقات مع طهران، وأنها تفضل أولًا تقييم الموقف، ودراسة مسألة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهل حدث تغيير في هذا الإطار أم لا”، مشيرا في الوقت ذاته إلى استمرار الاتصال مع الجانب الإيراني حتى من دون وسيط ثالث من خلال بعثة رعاية المصالح في البلدين.
وأوضح العُرابي أن القضية بالنسبة لمصر لم تكن أبدًا “الشارع الذي سموه باسم قاتل الرئيس المصري السابق أنور السادات أو الجدارية التي تحمل صورته، ولكنها مسألة تتعلق بمحددات للسياسة العامة للدولة تقوم على حماية الأمن القومي المصري أولا ومن ثم الأمن القومي العربي بصورة أشمل”.
ويرى وزير الخارجية المصري السابق أن الأجواء حاليا باتت إيجابية بعد الاتفاق السعودي الإيراني الأخير، لكن يجب الاستمرار في تقييم الموقف بتأنٍ وعنايةٍ، وعدم التسرع في اتخاذ قرارات دون مردودٍ إيجابي للمصالح المصرية.
وأضاف السفير العُرابي أن القرار المصري بالنسبة للسياسة الخارجية هو قرار وطني خالص لا يخضع لأي ضغوط خارجية، سواء أمريكية أو غربية أو إسرائيلية، مشيرا إلى أن مصر تأخذ في الاعتبار فقط ما يفيد المصالح المُباشرة لها وما يخدم الأمن القومي لمصر.
أولوية قصوى
بينما ترغب إيران في تحقيق تقدم كبير على صعيد علاقتها مع دول المنطقة، يرى بعض المحللين أنها تضع مسألة استعادة العلاقات الدبلوماسية والسياسية الكاملة مع مصر كأولوية قصوى في سياستها الخارجية حتى يتسنى لها استخدامها كورقة ضغط على الدول الغربية في المفاوضات النووية.
وفي حديثه لبي بي سي يقول المحلل السياسي المختص في الشؤون الإيرانية محمد حسن البحراني إن طهران ترغب في إنهاء حالة القطيعة مع دول الجوار والدول الإسلامية، لأنها تدرك أن هذا يستنزف طاقات وإمكانات الدول، وأن الأفضل لجميع الشعوب هو علاقة التعاون ونسيان الخلافات.
واتفق البحراني مع العرابي في أن “الأجواء باتت إيجابية بعد الاتفاق الإيراني الأخير مع السعودية لتشجيع السلطات المصرية على التجاوب مع نداءات المصالحة التي تنطلق من طهران”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن المرشد الأعلى الإيراني يُقَدِر مصر، ويرغب في استعادة العلاقات التاريخية مع القاهرة على أسس جديدة من التعاون والمصالحة الشاملة، مشيرا إلى أن “الادعاءات حول وجود تدخلات إيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، هي افتراءات وادعاءات غير حقيقية، وتتم عن طريق الدول الغربية التي من مصلحتها استمرار الخلاف بين إيران ودول المنطقة”.
وساطة عُمانية عراقية
وحول الدور الذي من الممكن أن تلعبه الوساطات العربية في طريق عودة العلاقات المصرية الإيرانية يقول محمد عباس، مدير وحدة الشؤون الإيرانية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن العراق لعب دورا كبيرا في محادثات التطبيع بين إيران والسعودية حيث استضافت بغداد 5 جولات من التفاوض بين البلدين ، قبل التوقيع على اتفاق بكين بين الرياض وطهران، والذي استغراق التوصل إليه قرابة العامين من المفاوضات الماراثونية بين البلدين.
ولم يستبعد عباس أن “يتم هذا الأمر بنفس الوتيرة مع الجانب المصري، حيث ترغب القاهرة في الرد على استفساراتها وشواغلها بشأن التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية ومسألة تهديد أمن الملاحة في البحر الأحمر من خلال دعم ميليشيا الحوثي في اليمن، أو توتير الأجواء السياسية في لبنان، أو دعم بعض الجماعات المسلحة في العراق أو لبنان، هذا إلى جانب المسائل المتعلقة بالخلاف المذهبي والطائفي ، لكنه يستبعد أن يكون هذا الأمر سببا في الخلاف بشكل كبير”.
كان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد رحب منتصف شهر مايو الجاري بوساطة أبداها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السُوداني لتطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران.
صعود وهبوط
التوترات بين إيران ودول الخليج كانت إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون فتح باب تحسين العلاقات المصرية الإيرانية التي مرت بمراحل صعود وهبوط طيلة العقود الخمسة الأخيرة منذ اندلاع “الثورة الإسلامية” في إيران عام 1979، وقطع العلاقات رسميا بعد توقيع مصر اتفاق سلام مع إسرائيل، لكنها لم تكن مقطوعة بشكل كامل ودائما ما كانت هناك بعثة رعاية مصالح لتمثيل البلدين وفتح قنوات الاتصال الرسمية الضرورية في مجال العلاقات الدولية.
وقال لدكتور خالد بطرفي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك فيصل في المملكة العربية السعودية، لبي بي سي إن الأمر يختلف بين دول الخليج وإيران وبين مصر وإيران، حيث تتمحور الخلافات حول مسائل أمنية تتعلق بأمن الخليج وتهريب المخدرات ودعم الحوثي في اليمن والتدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، ودعم بعض الجماعات المسلحة في دول مجاورة تهدد المصالح الخليجية.
وأضاف: “لكن ليس هناك شك في أن التقارب بين إيران والدول العربية هو أفضل للجميع”، مشيرا إلى تصريحات سابقة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن أمن الخليج من أمن مصر، حيث إن مصر كان لها موقف مؤيد لقرار السعودية بقطع العلاقات مع طهران على خلفية حوادث حرق السفارات، واليوم تستعيد المملكة هذه العلاقات ولكن شريطة التزام الطرف الإيراني بما تم الاتفاق عليه من سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية السعودي إن الوساطة العُمانية قد تكون أكثر نجاعة بين القاهرة وطهران، لما تتمتع به سلطنة عمان من علاقات طبية مع كلا الدولتين، مشيرا إلى الدور الذي تقوم به سلطنة عمان حاليا في تقريب وجهات النظر بين طهران والدول الغربية في إطار مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، حيث يقوم السلطان العماني هيثم بن طارق بدور الوساطة بنفسه، عبر نقل وجهات نظر الجانبين، والإشارات الإيجابية التي تلقاها سلطان عمان لدى زيارته الأخيرة إلى إيران.