العاصمة الإدارية الجديدة: آلاف الموظفين في الحكومة المصرية ينتقلون إلى مقر عملهم الجديد
- عبد البصير حسن
- بي بي سي عربي – القاهرة
منذ الإعلان عن إنشاء عاصمة إدارية جديدة عام 2015، كان “أحمد” ينظر إليها باعتبارها تلك المدينة البعيدة ذات المباني الشاهقة في الصحراء، والتي ربما لن يعيش طويلا ليراها مكتملة، كحال غيرها من محاولات الحكومة المصرية السابقة إنشاء مدن وعواصم جديدة، لكنه اليوم يشد الرحال إليها يوميا، فهي مقر عمله الجديد.
رحب أحمد وهو موظف في إحدى الوزارات، بالانتقال إلى العاصمة الجديدة مع بدء العمل الفعلي للدفعة الأولى من موظفي الحكومة من المقر الجديد الذي يبعد نحو 70 كيلومترًا عن موقع وزارته الحالي في قلب العاصمة القاهرة.
لم يمانع أحمد الانتقال للعيش في مدينة بدر القريبة من مقر عمله الجديد خاصة أنه لم يتزوج بعد، بيد أنه لم يتسلم حتى الآن الوحدة السكنية التي تم تخصيصها له، ولا يعلم الموعد المحدد لذلك، لكنه رغم ذلك التزم بالذهاب في اليوم الأول بما أتيح من وسائل مواصلات.
يقول أحمد: “إنها فرصة جيدة لبدء حياة جديدة دون أعباء مالية كبيرة، إنها تستحق الانتظار، فأنا سأحصل على وحدة سكنية قيمتها نحو نصف مليون جنيه مصري (نحو 16 ألف دولار)، وسأدفع منها حوالي 200 ألف جنيه فقط بينما تدعم الدولة باقي المبلغ.”
مدينة ذكية بلا مستندات ورقية
انتظم في العمل معظم موظفي الدواوين المركزية لأربع عشرة وزارة بالحكومة المصرية يوم الأربعاء الأول من مارس آذار من المقار الجديدة، طبقا للخطة المعلنة سلفا من قبل الحكومة المصرية.
لكن المقار الحكومية الجديدة لن تستقبل مواطنين عاديين لإتمام مصالح أو خدمات خاصة بهم في المرحلة الحالية إلا في حالات نادرة ستحددها الهيئات الحكومية.
يقول رئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة المهندس خالد عباس لبي بي سي إن العاصمة الإدارية الجديدة صممت لتكون “مدينة عصرية ذكية وإلكترونية بالكامل وبلا مستندات ورقية”.
ويضيف: “لذا لن تكون هناك حاجة لذهاب المواطنين إلى هناك لإتمام أي خدمات باعتبار أن الحكومة أتاحت معظم خدماتها للجمهور عبر الإنترنت (أونلاين) منذ سنوات بما يزيد على 140 خدمة حيوية”.
وتتوسط المدينة الجديدة المسافة بين مدن القاهرة والإسماعيلية والسويس وتقع على بعد نحو 70 كيلومترًا إلى الشرق من القاهرة، وترتبط بها بطرق برية رئيسية وخطوط سكك حديدية، كما تم تدشين مشروعات طرق ووسائل نقل جديدة خصيصًا لها.
تحفظات حول بعد المسافة
من بين الخدمات التي وفرتها الحكومة لموظفيها، إلى جوار خطوط نقل متنوعة حديثة، مناطق سكنية داخل العاصمة الجديدة وفي محيطها، ويتفاوت حجم الدعم الحكومي لتلك المساكن بحسب الفئة السكنية وموقع الحي وتميزه.
لذلك تقول موظفة قيادية في إحدى الوزارات التي انتقلت حديثا إلى العاصمة الجديدة، -طلبت عدم ذكر اسمها- إنها “مضطرة” لقبول الانتقال إلى لعمل في المقر الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة، خوفا من حدوث تقليص في امتيازاتها المادية والوظيفية، كونها تعمل في إدارة مركزية بهذه الوزارة.
وتضيف أن موقع عملها السابق “كان حديث الإنشاء نسبيا” قبل تركه للمقر الأحدث بالعاصمة الجديدة، لذا اعتبرت الخطوة “إهدارا للمال العام”، كما أنها مضطرة لإعادة نقل مقر سكنها في فترة قصيرة مع تكلفة باهظة لشراء وحدة في حي متميز يتناسب مع “وضعها الاجتماعي والوظيفي”.
وترى أن الأمر سيكون “مرهقا” كذلك فيما يتعلق بنقل أسرتها والبحث عن مدارس لأبنائها، وعدم قدرتها كموظفة حكومية على تسديد أقساط الشقة التي تبلغ 55 ألف جنيه (نحو 1800 دولار) كل 3 أشهر لمدة عشر سنوات، كما تفكر في إشراك أحد أفراد عائلتها معها في امتلاك هذه الوحدة السكنية.
المواصلات العامة
تلك الرحلة التي بدأها آلاف الموظفين اليوم بعد نقل مقر عملهم، خضتها شخصيا كصحفي قبل أيام قليلة صحبة إعلاميين آخرين لحضور مؤتمر صحفي عقده وزير النقل كامل الوزير للتعريف بكلفة السفر من وإلى العاصمة وشبكة النقل والمواصلات المتاحة، انتقلنا من مقر وزارة النقل القديمة بمدينة نصر شرق القاهرة إلى مقرها الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة عبر ثلاث وسائل، جميعها حديثة العهد.
بدأت الرحلة من إحدى محطات مترو الإنفاق إلى محطة مواصلات مركزية تبادلية هي محطة “عدلي منصور” على أطراف القاهرة شرقا، ومنها إلى خط قطار كهربائي (LRT) ينتهي في مرحلته الحالية عند محطة بقلب العاصمة الجديدة حيث نقلتنا حافلات كهربائية إلى الحي الحكومي.
استغرقت الرحلة أكثر من ساعة وهي تكلف المواطن العادي في المتوسط نحو 35 جنيها (نحو دولار أمريكي) بوسائلها الثلاثة، والتي يمكن تخفيضها بنسبة تصل إلى 50 في المئة عند عمل اشتراك شهري.
في المؤتمر الصحفي، أعلن الوزير عن الأسس الرئيسية التي يعتمد عليها الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وهي استخدام “وسائل النقل العام المستدام مثل القطار الكهربائي الخفيف LRT ومترو الأنفاق، والمونوريل”.
وأضاف الوزير أنه تم التعاقد مع 9 شركات قطاع خاص متخصصة لتشغيل خطوط الانتقال للعاصمة من خلال 48 مسار “أتوبيس” نقل جماعي لربط القاهرة الكبرى بالعاصمة الإدارية الجديدة، بإجمالي 369 سيارة.
أما داخل العاصمة فستتولى شركة خاصة نقل الموظفين من نقاط تجمع رئيسية عند مقار العمل إلى مواقف الحافلات الرئيسية ومحطة القطار الكهربائي وإلى محطات خط قطار مونوريل قيد الإنشاء بتكلفة إضافية.
وفي تعقيبه على سؤالي بشأن مخاوف بعض الموظفين من الكلفة والوقت مقارنة بالدخل، أجاب الوزير بأن الدولة أنشأت أحياء بالعاصمة لسكن موظفيها بمستويات متنوعة مرتفعة ومتوسطة مدعومة من الدولة، مضيفا أن استخدام شبكة المواصلات المتاحة المشار إليها ستوفر وقتا للموظفين والمترددين على العاصمة وبتكلفة اقتصادية.
وأعلن وزير النقل أن الدولة تستهدف في المرحلة الأولى نقل نحو 900 ألف موظف ومتردد على العاصمة الجديدة يوميا عبر شبكة المواصلات بأنواعها المختلفة، منهم 600 ألف عبر القطار الكهربائي LRT.
وأشار الوزير إلى أن خدمة القطار الكهربائي الحالية يمكن أن تصل الى 1.2 مليون راكب، وفي حال إضافة عربات القطارات يمكن أن ترتفع إلى 2.4 مليون راكب يوميا.
الجدوى الاقتصادية لنقل الموظفين؟
عند الحديث عن الفائدة الاقتصادية لنقل مباني الوزارات إلى العاصمة الإدارية فإنه لا توجد منفعة نقدية مباشرة تعود على الوزارات، بل إن الحكومة ستستأجر هذه المقار من شركة العاصمة الإدارية الجديدة بقيمة إجمالية تصل إلى 4 مليارات جنيه سنويا بحسب تصريحات الرئيس السيسي في يوليو تموز عام 2022.
يقول أكرم يوسف وهو أكاديمي ومخطط عمراني إن الهدف من نقل مباني الوزارات خارج القاهرة هو إعادة إدارة أراضي الدولة والاستفادة من موقعها الحيوي بقلب العاصمة وتوجيهها للمنفعة الاستثمارية بدلا من تجميدها في مباني الوزارات.
ويضيف أن هذا الهدف هو هدف قديم للحكومة حاولت تنفيذه في نهاية التسعينات في منطقة أرض الجولف، ثم مرة أخرى مع نهاية العقد الأول عندما أقامت الحكومة منطقة حي السفارات (كلاهما على أطراف القاهرة الحالية شرقا).
وقد أعلنتها الدولة صراحة في إحدى خطط التنمية العمرانية السابقة للقاهرة والمعروفة باسم (رؤية القاهرة 2050) حين وصفت منطقة دواوين الوزارات بوسط مدينة القاهرة باسم “منطقة المربع الذهبي”.
وفيما يتعلق بمدى توافر شبكة المواصلات لإنجاح خطة الانتقال، قال يوسف إنها من الناحية التقنية كافية، إذ أن تخصيص قطار LRT لنقل الموظفين وشبكة أتوبيسات خارجية وداخلية، يزيد من كفاءة الانتقال من وإلى العاصمة الإدارية.
ولكن أضاف أنه “يجب الأخذ في الاعتبار كم ستشكل هذه الوسائل من بنود إنفاق إضافية للعاملين في المقار الجديدة خاصة وأن بند الانتقال إلى العمل يحتل فى المتوسط 30% من قيمة دخل المصريين، وفقا لمسح الدخل والإنفاق والاستهلاك الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 2017.”
وتستهدف الحكومة نقل موظفي الدواوين الرئيسية فقط وكذلك قصر العمل على الخدمات التي لا تتطلب انتقال الجمهور إلى العاصمة الجديدة في هذه المرحلة.
فهي تستهدف انتقال حوالى 500 ألف نسمة و40 إلى 50 ألف موظف حكومي يتم نقلهم بالمقرات الجديدة، مع التخطيط لزيادة الطاقة الاستيعابية إلى 100 ألف موظف بعد الأعوام الثلاثة الأولى.