الصين سترسل غداً أول مدني إلى الفضاء
«سيد الانتخابات»… هل يواجه مفاجأة في صناديق الاقتراع؟
دخلت تركيا الساعات الأخيرة قبل حسم اختيار الرئيس الثالث عشر للجمهورية؛ لكن الغموض لا يزال هو العنوان الأبرز في ظل ما تشهده حملات المرشحين المتنافسين: الرئيس رجب طيب إردوغان، ومرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، في الأمتار الأخيرة من السباق.
فرض سؤال كبير نفسه على الساحة، بعدما أعلنت المعارضة أن جولة الإعادة ستكون استفتاءً على الديمقراطية، أو حكم الرجل الواحد، على الرفاهية أم مزيد من التدهور الاقتصادي؛ بينما بدا إردوغان مطمئناً واثقاً من الفوز، محذراً الناخبين من اختيار قد يؤثر على مستقبل البلاد ومستقبل أبنائهم.
وبقي السؤال الكبير الذي لن يجد إجابته إلا بعد فتح صناديق الاقتراع: من ينتصر: «البقاء» أم «التغيير»؟
و«البقاء» الذي يتم تبسيطه إلى «الاستقرار» الذي اختاره إردوغان للضرب على أهم الأوتار السيكولوجية الراسخة في ذهنية الأتراك، يعني في المقام الأول بالنسبة له بقاء نظامه؛ لكنه يترجم في عقول من يؤيدونه على أنه بقاء الدولة والاطمئنان على مصيرهم في القادم من السنين.
في المقابل، أظهر ما يقرب من نصف الأتراك رغبتهم في «تغيير النظام»، وهم يرون أن النظام ليس هو الدولة، وأن بقاءه لا يعني بقاء الدولة، وزواله لا يعني زوالها.
بين جولتين
ومع أن الأرقام والحسابات وهندسة العمليات الانتخابية تؤكد منذ النظرة الأولى أن إردوغان يمكن أن يكسب جولة الإعادة بسهولة، فإنه لا يوجد أحد في تركيا واثق من هذا الأمر بنسبة 100 في المائة، حتى إردوغان، بعيداً عن التصريحات التي تهدف للضغط على الخصم وتحطيم معنويات أنصاره، وكذلك حزب «العدالة والتنمية» الذي بدا تراجعه حقيقة واضحة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 14 مايو (أيار) الحالي؛ حيث فقد 7 في المائة من «كتلة العظم»، أي من كتلة أنصاره ومؤيديه التي تصوت له تقليدياً بلا تفكير، ما يعني أن هذه النسبة لم تعد راضية عن الحزب بعد 21 عاماً في السلطة.
وعلى الرغم من الفاصل الزمني القصير بين الجولة الأولى وجولة إعادة الانتخابات الرئاسية، وهو 15 يوماً فقط، فإن كثيراً من الأمور تغيرت، وتبدلت التحالفات، وبدا كليتشدار أوغلو صامداً بعد الهزة النفسية التي حدثت لتحالف «الأمة» المعارض بسبب نتيجة الانتخابات البرلمانية، فضلاً عن عدم حسم الرئاسة من الجولة الأولى، والصدمة في استطلاعات الرأي التي جاءت خادعة ولا تعبر عن الواقع.
نجح كليتشدار أوغلو في تحويل مسار أجندة الانتخابات إلى التركيز على مسألة اللاجئين السوريين والمهاجرين، وسحب إردوغان للسير خلفه وملاحقته، خلال حملته في جولة الإعادة التي لم تشهد تحركاً كبيراً له في الميدان، على غرار ما فعل إردوغان الذي كثف من ظهوره المباشر في عدد من الولايات المنكوبة بزلزال 6 فبراير (شباط) الماضي، للحفاظ على زخم الجولة الأولى الذي أفرزته الصناديق لصالحه في غالبية الولايات الـ11 باستثناء هطاي، أكثر الولايات تضرراً، والتي أعاد كليتشدار أوغلو زيارتها بعد زيارة إردوغان ليمحو أثره هناك مرة أخرى.
اختبار صعب
شكل عدم حسم إردوغان الفوز بالرئاسة من الجولة الأولى اختباراً صعباً للرجل المعروف بـ«سيد الانتخابات» الذي لم يعرف الهزيمة في أي معركة خاضها، منذ تأسيس حزب «العدالة والتنمية» الحاكم ووصوله إلى السلطة عام 2002، باستثناء ما حدث في عام 2015.
في تلك الانتخابات، فقد الحزب أغلبيته في انتخابات 7 يونيو (حزيران) في ذلك العام، بسبب دخول الأكراد للمرة الأولى إلى البرلمان بحزب قوي هو «الشعوب الديمقراطية» الذي كان يقوده في ذلك الوقت صلاح الدين دميرطاش، الوجه السياسي الشاب الواعد الذي أحدث هزة عنيفة في عالم السياسة في تركيا.
لكن سرعان ما تغلب إردوغان على تلك الكبوة برفض تشكيل حكومة ائتلافية، والإصرار على التوجه إلى الانتخابات المبكرة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، بدعم من حليفه دولت بهشلي رئيس حزب «الحركة القومية»، ليبدأ منذ ذلك الوقت ترسيخ قاعدة القوميين وتأثيرها في تشكيل النظام، وصولاً إلى التحول من النظام البرلماني إلى الرئاسي في انتخابات 2018.
لا توقعات
رأى الكاتب المحلل السياسي، مراد يتكين، أن توقع نتيجة انتخابات الإعادة قبل خروجها من صناديق الاقتراع هو أمر شبه مستحيل، لا سيما بعد فشل جميع شركات ومراكز استطلاعات الرأي في الجولة الأولى، ولجوئها إلى المراوغة قبل جولة الإعادة بإعلان نتائج تظهر تقدم إردوغان على كليتشدار أوغلو.
وقال إن جميع شركات الاستطلاع التي وضعت كليتشدار أوغلو أولاً، تقريباً، تضع إردوغان الآن في المقدمة، ربما ارتكبوا جميعاً أخطاء حسابية خطيرة في الجولة الأولى، وعلى الرغم من أن هذا الموقف قد يؤدي إلى عدم الاعتقاد بأنهم يفعلون الشيء الصحيح الآن، فيبقى أن أكبر استطلاع هو الذي ستظهره صناديق الاقتراع.
وعبر يتكين عن اعتقاده بأن سلوك الناخب قبل الجولة الأولى سيكون لديه ميزة كبيرة في الجولة الثانية؛ لأن كليتشدار أوغلو لم تعد لديه مساحة مناورة في البرلمان، ولذلك حاول توسيع قاعدة التصويت في الإعادة.
وذهب إلى أن نجاح أي من المرشحين في إقناع نسبة من الناخبين المقاطعين في الجولة الأولى الذين وصل عددهم إلى أكثر من 8 ملايين ناخب بالتوجه إلى صناديق الاقتراع في الإعادة، سيكون عاملاً مهماً في الحسم.
مفاجأة محتملة
رأى الكاتب المخضرم فهمي كورو أن إردوغان الذي لم يتعود الخسارة، والمعروف بأنه «سيد الانتخابات»، قد يواجه مفاجأة غير سارة في صناديق الاقتراع، قائلاً: «أنا متأكد من أن إردوغان تعلم دروساً لنفسه من الخسارة التي تكررت مرتين في الانتخابات المحلية في إسطنبول في مارس (آذار) ويونيو 2019، مع أن المرشح الذي خسر في الجولتين هو رئيس الوزراء السابق، بن علي يلدريم، مرشح إردوغان، وليس إردوغان نفسه».
وأضاف كورو: «فكرت أنه سيتم انتخاب إردوغان في جولة الإعادة بهامش أكبر من الأصوات التي حصل عليها في الجولة الأولى، ومع ذلك، قبل الانتخابات مباشرة، بدأ رأيي يتغير… يكافح إردوغان، وينعكس ذلك في خطابه وفي مواقف أركان حزبه الذين علقوا آمالهم على نجاحه… يحذر بإصرار من الراحة والاسترخاء». وقال في آخر برنامج تلفزيوني له: «لا ينبغي لتشكيلات الحزب أن تثمل بالنصر الذي تحقق في الجولة الأولى… لا يزال هناك خوف من الوقوع في حادث».
ولفت كورو إلى تركيز إردوغان في حملته على فكرة «البقاء»، واتهام خصمه كليتشدار أوغلو وتحالف «الأمة» بالتعاون مع الإرهابيين، مصحوباً بمفاهيم حزب «العمال الكردستاني» وحزب «الشعوب الديمقراطية» وجبال قنديل، وأن أكثر ما يقلق أمتنا هو «البقاء».
أضاف: «لكن الحملة لم يتم تنفيذها بمهارة كبيرة، والتقط كليتشدار أوغلو اعتراف إردوغان بعمليات المونتاج على فيديو قصير استخدمه في التجمع الحاشد في إسطنبول في الجولة الأولى، ليضع حزب (العدالة والتنمية) وإردوغان في صداع في جولة الإعادة».
وتابع بأنه إذا كان هناك عامل مهم من شأنه أن يغير التوازن بين الجولتين، فإن الجولة الثانية ستتحول إلى جهد لا طائل من ورائه. ربما يكون موضوع «البقاء» هو ما سيزعزع التوازن، وقد يكون هذا بسبب «الراحة» التي يخشاها إردوغان في حزبه وبين ناخبيه، ولهذا فإن «سيد الانتخابات يخوض أهم انتخاب في حياته».