الصراع بين إيران وإسرائيل يضع الأسواق العالمية على صفيح ساخن
وقال الشريك المؤسس في شركة أجين كابيتال، جون كيلدوف: “لقد مرت سوق الطاقة بهذا من قبل.. من الصعب بعد الآن أن تدرك حقيقة مدى ارتفاع المستوى الحقيقي في الشرق الأوسط هذه الأيام لاندلاع حرب شاملة والتأثير على إمدادات النفط”، حسبما نقلت شبكة “سي إن بي سي” الأميركية.
وقال الأدميرال جيمس ستافريديس، القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي، إن الضربة الإسرائيلية كانت “صامتة للغاية وتمت معايرتها بعناية” باستخدام مجموعات صغيرة من المتفجرات والطائرات بدون طيار بدلاً من الطائرات المأهولة.
وذكرت وكالة أنباء فارس الإيرانية أن انفجارات سمعت بالقرب من المطار في مدينة أصفهان، ثالث أكبر مدينة إيرانية. وأصفهان هي أيضًا موقع أحد المواقع النووية الرئيسية في إيران. وقالت القوات المسلحة الإيرانية إن المنشآت النووية في محافظة أصفهان “تتمتع بأمن كامل”.
تضع مثل تلك التطورات الأسواق العالمية على صفيح ساخن، وتعرض أسعار النفط علاوة على الأصول التي تمثل ملاذات آمنة وكذا الأسهم في حالة تقلب واسعة.
وقال كيلدوف إن سوق النفط كانت الأكثر قلقا بشأن توجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية لأن طهران ستضطر للرد على مثل هذا الهجوم.
وتعهدت إسرائيل يوم الأحد بالرد على الهجوم الجوي واسع النطاق الذي نفذته إيران عليها في نهاية الأسبوع بأكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار، ردًا على غارة إسرائيلية على مجمع سفارتها في دمشق، سوريا. وظلت الأسواق تحت ضغط تلك العوامل خلال الجلسات السابقة.
سيناريوهات التصعيد وتأثيرها على أسواق النفط
من لندن، وصف خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، تصاعد الصراع الإسرائيلي الإيراني، بالتطور الدراماتيكي الذي سيرفع علاوة المخاطر إلى ما بين 6 إلى 10 دولارات لبرميل النفط.
وأوضح أن الأسعار تفاعلت مع الضربة على إيران وسجلت ارتفاعاً بنسبة 3بالمئة، وسجلت الأسعار 89.74 دولار لخام برنت القياسي و 84.66 دولار لخام عرب تكساس الوسيط في تعاملات أسواق آسيا المبكرة.
وأشار إلى أن التكهن حول ما سيحدث بالأسعار يرتبط بما إذا كان العمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران محدود وسيتوقف، وحال وجود رد إيراني وحدوث تصعيد يهدد إمدادات النفط.
وفي حال حدوث تصعيد كبير يهدد إمدادات النفط، استعرض عدة سيناريوهات، وهي:
- قد تصل الأسعار إلى 100 دولار للبرميل.
- إذا استهدفت إيران ناقلات النفط التي تمر عبر مضيق هرمز إلى أسواق العالم في آسيا وأوروبا سيدخل العالم في مرحلة خطيرة جداً، إذ يتم شحن 21 مليون برميل يومياً عبر مضيق هرمز أي 20 بالمئة من الاستهلاك اليومي العالمي، وفي هذه الحالة الأسعار قد تصعد إلى 120 دولاراً للبرميل أو حتى 130 دولاراً.
- السيناريو الأخطر هو أن تقوم إيران بإغلاق مضيق هرمز، ما سيكون له عواقب اقتصادية كارثية ليس فقط على المستهلك بل تقوض جهود البنوك المركزية في مكافحة التضخم في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وكذلك قد تتدخل واشنطن عسكريا لمنع إغلاق المضيق.
وأكد خبير اقتصاديات الطاقة، خلال حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن المتضرر من تصاعد الصراع هم كبار المستوردين للنفط مثل الصين التي تستورد 11.3 مليون برميل يومياً، وأيضاً اليابان وكوريا الجنوبية إضافة إلى دول عربية غير نفطية.
وقال إن حالة عدم اليقين الحالية تعزز من ارتفاع النفط، ما يدفع باحتمالية أن تتدخل منظمة أوبك وحلفاؤها بتقليص التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميا لمساعدة السوق.
ونقلت شبكة “سي إن بي سي” الأميركية، عن مدير خدمات النفط العالمية في شركة Rapidan Energy كلاي سيغل ، قوله: مع الضربات الإسرائيلية الواضحة على إيران اليوم، ردًا على الهجوم الإيراني على إسرائيل يوم الأحد الماضي، فإننا نشهد الآن حربًا ساخنة مباشرة بين دولة وأخرى، مضيفاً: “لقد انتهى فصل حرب الظل”.
وبينما تعهدت واشنطن بالتزام صارم تجاه إسرائيل، أخبر الرئيس جو بايدن أيضًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الولايات المتحدة لن تنضم إلى أي عمليات هجومية ضد إيران، حسبما قال مسؤول كبير في الإدارة لشبكة إن بي سي نيوز.
وأشار سيغل إلى أن “الخطر الكبير” بالنسبة لأسواق النفط في حرب الشرق الأوسط المتوسعة هو أن صادرات النفط من الخليج العربي قد تتوقف. وتنتج المنطقة أكثر من 20 مليون برميل من النفط يوميا.
كما أن تعطيل أو إغلاق مضيق هرمز، وهو نقطة عبور رئيسية تقع بين إيران وعمان ويتدفق عبرها خمس إنتاج النفط العالمي يومياً، من شأنه أن يؤدي أيضا إلى ارتفاع أسعار النفط.
وأضاف: “إن تعطيل مضيق هرمز سيكون خطيرًا للغاية بالنسبة للاقتصاد العالمي، ومن المحتمل أن يدفع أسعار النفط إلى أرقام ثلاثية إلى مستويات تؤدي إلى تدمير الطلب”.
السيناريو الأسوأ
فيما أوضحت خبيرة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتايان، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الأخبار المتضاربة بشأن استهداف إيران وتعرضها إلى هجوم بالمسيرات تسببت في ارتفاع أسعار النفط عالمياً لكنها عادت وهبطت عندما وضحت الصورة بأن الضربة محدودة، ليعود سعر البرميل إلى 88 دولاراً بعدما تخطى التسعين في التعاملات المبكرة.
ونوهت بأن السيناريو الأسوأ بالنسبة بالنسبة لسوق النفط هو أن توجه الضربات نحو المنشآت الإنتاجية للنفط، أو حتى غلق ممر هرمز، الذي يعد عنقًا رئيسيًا للنفط في العالم حيث يشهد خروج أعلى نسبة من النفط من منطقة الشرق الأوسط إلى الأسواق العالمية ما سيكون له تداعيات على الأسعار.
نحو 20 بالمئة من تدفقات الغاز المسال العالمية تمر عبر مضيق هرمز، الذي يعبر منه نحو 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميًا، بما يتراوح بين 17 إلى 20 مليون برميل يوميًا.
وأشارت إلى أن السيناريو الذي يتخوف منه العالم حال تصاعد حدة الصراعات في المنطقة، هو توجيه ضربات مباشرة على منشآت إنتاج النفط أينما كانت، حينها قد يشهد العالم ارتفاعاً كبيراً في أسعار النفط، قائلة إنه طالما ليس هناك ضربات على منشآت النفط فليس هناك خطر على المعروض وليس هنالك من إشكالية.
واستبعدت أن يقوم أي طرف من أطراف الصراع بغلق هرمز، خاصة الولايات المتحدة الأميركية، فقد يسبب ذلك ارتفاعًا جنونيًا بأسعار النفط ما سيكون له تداعيات على حملة الرئيس الأميركي والمرشح إلى ولاية جديدة جو بايدن، خاصة بعد الدخول رسميا في فترة الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، وكذلك إيران لن تغلقه لأنها تستفيد من خروج النفط وخاصة إلى السوق الصيني فلن تؤذي نفسها.
واستطردت: إن أي تطور بخلاف تهديد منشآت النفط وغلق مضيق هرمز لن يؤثر بشكل كبير على أسعار النفط، خاصة وأن هناك كميات من خارج أوبك وأوبك بلس، وأن هناك إنتاج يلبي احتياجات السوق العالمي.
ومن الناحية الرمزية، فإن هجوم إٍرائيل على إيران هو أيضًا أكبر من أي شيء نفذته إسرائيل في الماضي، نظرًا لكونه ضربة مباشرة ضد أهداف داخل الأراضي الإيرانية من قبل الجيش الإسرائيلي، حسبما ذكرت مجموعة أوراسيا في مذكرة.
ومع ذلك، قالت شركة استشارات المخاطر السياسية إن مثل هذا الرد يشير إلى أنه من المرجح أن يتم احتواء الضغط المتصاعد – ذلك أنه لم تعترف إيران بوقوع ضربة صاروخية، وألقت باللوم في الانفجارات على أنظمة الدفاع الجوي.
وقالت مجموعة أوراسيا: “كان رد إيران هو التقليل من أهمية الهجوم، مما يشير إلى أن النظام لن يشعر بالحاجة إلى الرد على الفور”.
تقلبات سعرية
وفي سياق متصل، أفاد محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن ارتفاع حدة التوترات الجيوسياسية قد يكون له تأثير كبير على عدد من أصول التداول في الأسواق العالمية، وقد يثير الصراع المتفاقم خطر زيادة التقلبات السعرية.
وأوضح أن تصعيد التوترات في الشرق الأوسط الغني بالنفط يهدد ارتفاع أسعار أدوات الطاقة من جهة، وعزوف المستثمرين عن شراء أدوات المخاطرة كالأسهم العالمية والعملات الرقمية من جهة آخرى، بينما الملاذات الآمنة قد تكون وجهة مفضلة للمستثمرين وعلى رأسها الذهب ثم الدولار الأمريكي ثم الين الياباني والفرنك السويسري.
ورأى أن الصراع الحالي قد يؤدي إلى تعطيل الشحن عبر مضيق هرمز، وأن إيران لديها القدرة على مهاجمة ناقلات النفط التي تمر عبر المضيق، متوقعًا أن ينطوي السيناريو الأسوأ على فرض حصار كامل على مضيق هرمز، على الرغم من أن احتمال حدوث أي من هاتين الحالتين منخفض حاليًا، لكن قد ترتفع إمكانية ذلك مع التقدم بالوقت وارتفاع حدة التوترات الجيوسياسية، ذلك أن أي اضطراب كبير سيكون له تأثير كبير على إمدادات النفط العالمية وارتفاع أسعار النفط.
وشدد على أنه من شأن تعطيل أو عرقلة حركة المرور في مضيق هرمز أن يغير قواعد اللعبة، حيث أنها الطريق الرئيسية لمصدري النفط في الشرق الأوسط، مما قد يخلق ضغوطاً تصاعدية على الأسعار العالمية.
وأشار إلى أن جميع الأصول المالية خاضعة لإمكانية تحركات قوية، وقد تكون مرهونة باستمرار الردود الانتقامية بين الطرفين، على أساس أن اجتياح العزوف عن المخاطرة في الأسواق المالية مع كل ضربة جديدة قد يكون وارد، خاصة لو كانت الضربات مفاجئة وأدت إلى توسع نطاق التوترات الجيوسياسية.
كما أوضح أن دائماً الأخبار الصادمة للأسواق هي المحرك الأكبر، بينما لو كانت الضربات متأخرة وليست فورية ومتوقعة تجعل الأسواق أقل تحركاً ومحسوبة مسبقاً، حيث يتجه المستثمرون إلى عمليات “بيع الذعر” عبر مختلف فئات الأصول؛ في محاولة لتخفيف تعرضهم للمخاطر الجيوسياسية.
وأضاف أن المستثمرين قد يتجهون إلى عمليات بيع لمؤشرات الأسهم والعملات الرقمية وشراء الملاذ الآمن الذهب على مراحل التوترات الجيوسياسية بشكل تدريجي، حيث أنهم يحتاجون موازنة التوترات مستمرة أم هي ضربات متقطعة وقد تنتهي في وقت قريب.
وذكر أن الأسواق باتت تعتقد أنها غير متفائلة بشكل كبير أن يكون هناك أكثر من عمليتين خفض فائدة في عام 2024، مما قد يعني أن الأساسيات الاقتصادية أيضاً دافع لقوة الدولار الأميركي وضعف متوسط في أسواق الأسهم الأميركية، بينما الذهب يبقى جيد كاستثمار لأنه غطاء مالي للتضخم. لكن تبقى تحركات متوسطة القوة على الأسواق.