الذكاء الاصطناعي: صوت أم كلثوم لا يزال جاذبا لمحبيها بعد خمسة عقود
رغم مرور نحو خمسة عقود على وفاتها، صدح ما بدا وكأنه صوت كوكب الشرق أم كلثوم، بكلمات وألحان جديدة عبر تقنية الذكاء الاصطناعي، في محاولة جديدة لاستحضار صوتها، محاولة أثارت الكثير من اللغط في مصر.
الملحن عمرو مصطفي نشر إعلانا ترويجيا لأغنية بعنوان “أفتكرلك إيه”، يصاحبها صورة لأم كلثوم بجانب صورته، على حسابه بإحدى منصات التواصل الاجتماعي، وأشار في منشوره الذي اختفى بعد ذلك، إلي تجربة جديدة عبر تقنية الذكاء الاصطناعي لإنتاج أغنية كاملة بصوت يحاكي أم كلثوم، من ألحانه وكلماته.
وذكر مصطفي على وسائل التواصل الاجتماعي أنه قدّم العديد من الألحان لمختلف نجوم العالم العربي على مدار 24 سنة، ولكنه أراد معرفة النتيجة، إذا غنّت أم كلثوم أغنية من ألحانه، قبل أن يتم إزالة هذا المنشور بعد ذلك.
أثارت التجربة الجديدة التي أشار إليها مصطفى لإحياء التراث على حد وصفه، والتي لجأ فيها إلى صوت أم كلثوم، جدلا كبيرا في الأوساط الفنية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
ولاقي الإعلان عن هذه الأغنية الجديدة ترحيبا من البعض، وبخاصة من الأجيال الجديدة، واعتراضا شديدا من آخرين، واعتبر البعض أن الملحن أراد أن يذهب إلى واحدة من أشهر مغنيي العالم العربي ويحاكي صوتها ليصيب شهرة لتجربته الجديدة.
اعتراضات على استخدام صوت أم كلثوم
المنتج محسن جابر قال في معرض حديثة بأحد البرامج المصرية إن لديه حق الملكية الفكرية لأغاني أم كلثوم وذكر أنه ليس من حق أحد استخدام صوت أو صورة أم كلثوم هكذا دون العودة إلى من يملكون حقوق الملكية الفكرية لأم كلثوم.
وردا على تلك الانتقادات، دافع عمرو مصطفي عن تجربته مؤكدا أن الملكية تقتصر على ما غنت أم كلثوم من أغانيها الموجودة بالفعل، وقال إن ما سيقدمه للجمهور هو قالب جديد وأغنية جديدة، “ولا يحق لأحد الحجر عليه أو على الإبداع”.
وأشار مصطفي إلى أن الصوت المنتج، هو صوت مؤلف من الذكاء الاصطناعي AI، وبالتالي ليس لأم كلثوم كلية.
لكن المنتج المصري محسن جابر قال إن من حق الملحن عمل صوت مشابه عبر التقنية الجديدة لكن استخدام الاسم أو الصورة أو الإشارة إلى أن أم كلثوم تغني من ألحانه بعد رحيلها بخمسة عقود يترتب عليه حقوق قانونية.
أشار جابر إلى أن المقارنة مستحيلة مع الألحان التي قدمها بليغ حمدي أو السنباطي أو عبد الوهاب وأن هناك فارقا بين ما سيقدمه عمرو وبين القوالب التي تم صبها خصيصا من هؤلاء الملحنين إلى السيدة أم كلثوم حسب قوله.
فيما أبدى بعض المتابعين لعمرو مصطفي على وسائل التواصل حالة من الاشتياق لسماع صوت السيدة أم كلثوم بالتجربة الجديدة، فقد عبر بعضهم عن سعادته لأن ذلك يعبر عن عصر جديد ينتمي إليه هؤلاء المشجعون على هذه الفكرة.
الذكاء الاصطناعي يخلق مشكلة قانونية في بلاد العالم
يشكل الذكاء الاصطناعي معضلة قانونية حول العالم، في ظل استخدامه لاختلاق قصص خيالية عن أشخاص حقيقيين أو كتابة مقالات أدبية باستخدام التقنية الجديدة دون أن يكون للكاتب أي إبداع شخصي فيها، وهو ما ينذر في رأي البعض بكارثة أخلاقية تأتي على العالم ويثير مشاكل قانونية.
“معظم قوانين العالم لم تتوائم بعد مع ما ينتجه الذكاء الاصطناعي الذي فاجأ العالم بقدراته اللامتناهية”، كما تقول الأستاذة نورهان موسى المحامية الباحثة في المركز القومي للملكية الفكرية لبي بي سي، وأضافت أن هذا هو الوضع القائم في مصر وأن القانون الحالي الذي خرج للوجود في العام 2002 يحفظ حقوق الملكية الفكرية سواء حقوق الأداء العلني أو التسويق وغيرها من الحقوق لكنه يحتاج إلى تحديث في ظل الوافد الجديد.
ويرى البعض أن الأمر قد يحتاج إلى تعريفات قاطعة وأحكام تستند إلى الواقع للحد من استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل قد يكون إجراميا.
ويبدي آخرون تخوفهم من أن التغييرات القانونية المطلوبة من الممكن أن تحد من سقف الإبداع الذي فتحه الذكاء الاصطناعي إلى الذرا، وأنه من حق المبدع أن يخلق شيئا جديدا لأن الإبداع يتعلق بالتفكير خارج الصندوق وابتكار أشياء جديدة فإن البعض الآخر يسأل عن القيمة المضافة من هذا النوع من الإبداع.
وتقول نورهان موسى إن الحماية هي للمنتج البشري وما يخرج عنه، مؤكدة أن ما لدينا الآن هو ليس منتجا بشريا خالصا، وهنا يثار السؤال حول الملكية الفكرية للمنتج الجديد هل هي لصاحب الفكرة أم لمنفذها وهو في هذه الحالة “الذكاء الاصطناعي”.
وتضيف موسى أن استخدام عمرو مصطفي لصورة أم كلثوم أو اسمها أو محاولة محاكاة صوتها أو حتي التسويق أو النشر يستلزم الحصول على موافقة من الورثة أو من له حق الملكية الفكرية، وإلا قد يقع العمل تحت طائلة القانون، مؤكدة أن أم كلثوم أيقونة من أيقونات الغناء العربي.
من جهة أخرى أعلن مصطفى تراجعه عن استخدام صورة أم كلثوم وحذفها من على حسابه الموثق على انستجرام، لكنه قال إن “مشروع إحياء التراث قائم ولكن دون استخدام صورة أو اسم أي شخص، وذلك حفاظا على حقوق الآخرين”.
وقال مصطفى في منشور عبر حسابه إنه اتصل بمحامي ورثة أم كلثوم وأنه في سبيله لأخذ الموافقات اللازمة لعملة الجديد وأكد أن العمل قائم والتسويات في الطريق.
من ناحيته قال ياسر قنطوش محامي ورثة السيدة أم كلثوم حسب منشور عمرو إنه أرجأ بلاغا ضد الملحن المشهور بعد لقائه، بناءً على توصية من ورثة السيدة أم كلثوم.
وأضاف قنطوش أن ما تملكه أي شركة أخري هو المحتوى الذي قدمته سيدة الغناء العربي والذي يعد محميا بموجب قانون الملكية الفكرية لمدة خمسين عاما، مشيرا إلى أن الاتفاق الجاري إبرامه مع الملحن عمرو مصطفى، يعد إنتاجا جديدا، مؤكدا أن من يملك حقوق الملكية سواء لصورة أم كلثوم أو صوتها في الإنتاج الجديد هم ورثتها.
ماهي القيمة المضافة من وراء العمل؟
وتطرح تلك التجربة بعمل أغنية جديدة لأم كلثوم أسئلة حول القيمة المضافة من العمل لمشوارها الفني، فضلا عن استئثار المبدع بوضع الكلمات واللحن الذي يراه مناسبا من وجهة نظره الإبداعية بصرف النظر هل هو يناسب كوكب الشرق أم لا من حيث الثقافة والرسالة والصوت والأداء الحي الحقيقي.
ويرى بعض النقاد أن الحكم الحقيقي على هذه التجربة يبقى للجمهور، فيما يخشى آخرون من تشويه الرموز بدعوي التجديد.
وبين هذا وذاك مازالت أغاني أم كلثوم تمثل في رأي الكثيرين النموذج الفني والفلسفي لمعاني الحب والجمال، ويظل صوتها حاضرا بقوة، عابرا للأزمان، رغم رحيلها منذ نحو خمسين عاما.