الحرب تنسف “الثانوية العامة” في السودان وتهدد مستقبل الآلاف
ظل قسم السيد مجتهداً في دروسه طيلة الفترة الماضية بعد أن أختار التخصص في المساق العلمي أملاً في أن يصير طبيبا أو مهندسا في المستقبل وفق ما يروي لموقع “سكاي نيوز عربية”، وذلك رغم العثرات الكبيرة التي واجهت العام الدراسي في السودان، وأصبح جاهزا علميا ومعنويا للجلوس إلى امتحانات الشهادة الثانوية والتي كان مقرراً انعقادها في يوم 10 يونيو المقبل.
وبعد أيام معدودة من حلول موعد امتحان الشهادة الثانوية اندلعت الحرب بين الجيشوقوات الدعم السريع، ليجد محمد نفسه نازحاً في ولاية غرب كردفان مع عائلته لتتبخر معها أحلامه وتمنياته في الحصول على نسبة نجاح عالية ينثر بها شلالات الفرح في منزلهم بمدينة أمدرمان، ومن ثم الالتحاق بالجامعة.
صدمة الآلاف
ويجسد قسم السيد، واقع نحو 500 ألف طالب وطالبة كانوا يتأهبون للتنافس في امتحانات الشهادة الثانوية الموحدة في السودان، وصدمتهم نيران الحرب المشتعلة في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، ومن ثم تبددت أحلامهم وتقطعت بهم السبل بين نازحين ولاجئين أو حبيسي المنازل خوفاً من أن يحصدهم رصاص الصراع.
والشهادة الثانوية تمثل استحقاقا دراسيا مهما في السودان، وتحظ باهتمام واسع من الطلاب وعائلاتهم، وأن حلولها يكون بمثابة موسم دراسي يترقبه جميع السودانيين حتى اللذين ليس لديهم أبناء ممتحنين، ويشكل لحظة إعلان نتائجها مدعاة للفرح الصاخب المصحوب بالزغاريد وضرب النار داخل المنازل والطرقات، أو سببا لحزن عميق بالنسبة للعائلات التي لم يحالف طلابها حظ النجاح.
ويرى عضو لجنة المعلمين السودانيين، علي عبيد أبكر أنه في ظل استمرار الصراع المسلح يبقى من الصعب إقامة امتحانات الشهادة الثانوية في موعدها المضروب، أو حتى مجرد الحديث عنها، فالأولوية في الوقت الراهنة لإعادة الاستقرار الأمني وتحسين الوضع الإنساني السيء للطلاب وعائلاتهم وكل المتأثرين بالحرب.
ويقول أبكر لموقع “اسكاي نيوز عربية” “لم تلغ امتحانات الشهادة الثانوية فلا يمكن دخول الطلاب إلى الجامعة دونها فهي ذات خصوصية عالية واهمية اكاديمية كبيرة، ولكن ربما تتأخر أشهر عن موعدها، حتى إذا توقفت الحرب فهي بحاجة الى ترتيبات كثيرة بينها تأهيل المدارس وعودة الطلاب إلى ديارهم، فهذه المسألة بحاجة إلى وقت طويل”.
حزن عميق
ويعرب الطالب قسم السيد محمد عن بالغ حزنه لاندلاع الحرب التي تحرمه حتى الآن من بلوغ حلمه بالجلوس إلى امتحان الشهادة الثانوية وهي لحظة تاريخية ظل ينتظرها طوال عمره.
ويقول محمد لموقع “اسكاي نيوز عربية” “لقد سهرت الليالي في مذاكرة واجباتي الدراسية وصرت جاهزاً للجلوس إلى امتحان الشهادة الثانوية، ولكن الآن فقدت حماسي ونسيت غالبية ما حفظته وفهمته من دروس ولم أعد جاهزا بالمرة لخوض التنافس. إنني حزين للغاية بسبب مغادرة المدرسة وفراق أصدقائي الذين كنا نحلم سويا بالنجاح”.
ولم تتوقف الصدمة عند الطلاب فسحب بل امتدت إلى عائلاتهم التي كانت تنتظر لحظات الفرح بنجاحهم بعد أن انفقت كل شيء من أجل توفير احتياجاتهم المدرسية وتذليل العقبات امامهم.
ويقول مهدي فاروق لموقع “اسكاي نيوز عربية” “موعد إعلان نتائج الشهادة الثانوية هي اللحظة التي نشعر فيها بطعم أبناءنا ونحس خلالها بثمارهم، فالفرح بنجاح الابن أو البنت شعور لا يضاهى وقد عشته من قبل، وكنت أتمنى تكرار الفرح بنجاح بنتي هذه السنة ولكن ربما تحرمنا الحرب هذه المرة”.
ويضيف “يجب أن تتوقف هذه الحرب سريعاً، فقد حرمتنا فرحة الشهادة الثانوية هذا العام، وتشردنا وعشنا واقع مرير، هذه محنة كبيرة لا نستطيع تحمل المزيد من صدماتها”.
حدث تاريخي
وحال تأجلت الشهادة الثانوية في السودان بسبب الحرب، ستكون المرة الأولى التي يتغيب فيها هذا الحدث عن السودانيين في تاريخه. وقد بدأت في العام 1938 وكان اسمها شهادة التعليم العامة لدخول جامعة كامبردج والتي استمرت فيه حتى 1954م.
وعقب استقلال البلاد في عام 1956 تحولت إلى الشهادة المدرسية السودانية وبقيت فيه حتى 1970، ومن ثم الشهادة الثانوية العليا، ومنذ العام 1980 وحتى الان تستمر على اسم الشهادة الثانوية.
ولم تصدر وزارة التربية والتعليم السودانية، أي حديث بشأن مستقبل امتحانات الشهادة الثانوية لهذا العام حتى اللحظة، لكن عضو لجنة المعلمين السودانيين (كيان نقابي مستقل) علي عبيد أبكر يؤكد استحالة اقامتها خلال المدى القريب.
ويقول علي عبيد: “في الأوقات الطبيعية تحتاج امتحانات الشهادة الثانوية إلى ترتيبات أمنية محددة لتأمينها، فكيف سيكون الحال في ظل هذا الاضطراب الأمني؟”.
ويضيف “من دواعي الحزن أن يغيب أهم حدث علمي وما يتخلله من طقوس فريدة تميزت بها العائلات السودان في التعاطي مع امتحانات الشهادة الثانوية ونتائجها. إنها صدمة كبيرة تضاف إلى ماسي الحرب التي ضرب شتى منابع الفرح والسعادة للسودانيين، لكن أملانا في أن يتوقف الصراع المسلح خلال وقت قريب وتعود الحياة إلى طبيعتها”.